أين الحكومة؟..أين "وعود رعاية الضحايا" إنْ كان الأطفال من "ضحايا الإرهاب" يعالجو
نشر بواسطة:
Adminstrator
الثلاثاء 29-12-2009
عمان/لندن/النور: محمد ثجيل عبد الله سليمان
هذه قصة ضحايا أنتجت "ضروف السياسة" محنهم، وتركتهم لجراحهم و"تشوّهاتهم" وعذاباتهم، تماماً كما قال بنو إسرائيل، طبقاً لرواية القرآن الكريم: ((اذهب أنت وربك فقاتلا..إنّا هاهنا قاعدون))!!. إذن، أين الحكومة؟..أين "وعود رعاية الضحايا"، إنْ كان الأطفال من "ضحايا الإرهاب" يُعالجون بـ"إحسان الغرباء" و"بشفقة الأبعدين" بحسب تعبير والد طفل شوّه انفجار سيارة مفخخة وجهه بشكل مرعب (لاحظ صورة عبدالله سليمان). أين هي أموال النفط؟..أين أموال الزكاة والخُمس؟. بل أين هم "الرحماء من أبناء هذا الشعب"، أوَ انقطعت "الرحمة" في قلوب أثريائنا؟. ونسأل بجد لا بسخرية: أما يشعر الذين يسرقون أموال العراقيين، أنهم بحاجة إلى "تزكية" الأموال التي أثخنت جيوبهم ليتبرّعوا بجزء منها لمعالجة بعض أطفال العراق من جراح مثخنة، وتشوّهات كارثية، قد تمنعهم من العودة الى الحياة مرة ثانية!. إنّ "النور" تدعُ السياسة جانباً في هذه اللحظة، وتناشد أصحاب الوجدان، والضمير، و"بقايا الرحمة في القلوب" لكي يساهموا بإنقاذ الصغار من الأولاد والبنات الذين لا ذنب لهم، إلا لأنّ نصيبهم جعلهم "عراقيين"!. تُرى ألا يخجل –من سيطلع على تفاصيل هذه القصة- من التحدث باسم "رحمة الإسلام" فيما هم "مسؤولون" ويتركون هؤلاء الأبرياء الصغار المساكين لكوابيسهم وتشوّهاتهم وعذاباتهم؟!. لقد تبرّع قراء صحيفة صاندي تايمز البريطانية وفي مناسبة واحدة، هي "أعياد الميلاد" الأخيرة، بمبلغ يناهز المليون دولار، كي تتولّى وحدة طبية أجنبية كانت تعمل في العراق وانتقلت الى عمان، معالجة الحالات القاسية عند الأطفال المصابين بأيدي أطباء عراقيين وأجانب، قيل إنهم صنعوا المعجزات لكي يعيدوا بعض هؤلاء الأطفال الى الحياة ثانية. إن هذه القصة التي ترجمتها "النور" عن الصاندي تايمز في إطار متابعتها لشؤون العراق في الصحافة العالمية، تدين الكثيرين من المسؤولين، تدين الحكومة، تدين البرلمان، تدين الأحزاب السياسية، تدين كل الذين لا ينشغلون إلا بمصالحهم ومكاسبهم و"مستقبلهم السياسي" بينما يتركون العوائل الفقيرة لكوارث حلـّت بهم، وهم حائرون في إلعثور على إجابة عن سؤال: "ما ذنبهم؟. وما الذي اقترفوه لكي يظلوا يواجهون هذه المصائر التي تشعل الحرائق في قلوبهم"!. وحتى الآن –تقول مارغريت دريسكول، مراسلة صحيفة صاندي تايمز البريطانية، تعاون قراء الصحيفة بالتبرع بـ546,000 باون استرليني، لـ"ترميم" حياة بعض الأطفال الذين أصيبوا بجراح، وتشوّهات بليغة في حرب العراق. وقالت إنها التقت ببعض هؤلاء الأطفال الذين يستفيدون من هذه التبرعات في الوقت الحاضر. ولقد مرّت خمس سنوات على محمد ثجيل، وأصدقائه، الذين كانوا يلعبون كرة القدم بالقرب من سوق في البصرة، لكنّ وجهه مازال –وبشكل ملحوظ- يعكس نظرة انكسار حزينة، بينما هو يتحدث بصعوبة ليصف حالة زملائه وهم مبعثرون من حوله في مكان التفجير، بعضهم كان ميتاً، وآخرون رآهم من دون أرجل أو أيد!!. ويقول محمد: ((لقد رأينا السيارة بالقرب منا، لكن لا أحد شك بأي شيء)). وأضاف: ((الآن لم يبق لي من أصدقائي، إلا ثلاثة)). وحالياً، محمد ثجيل، مريض في وحدة العناية –بأموال المحسنين- (MSF) Médecins sans Frontières في العاصمة الأردنية "عمان" المكرّسة لعلاج ضحايا الحرب العراقية. وهي المساعدة الحقيقية الأولى التي تلقّاها منذ ذلك التفجير!!. أي أنه لم يتلق أية مساعدة من الحكومة العراقية التي تلتزم الصمت –ومنذ أربع سنين- حيال قضية مهمة جداً من دون أن تقدم أي مشروع يكفل علاج هؤلاء الأطفال الذين تكبُر محن عوائلهم، فيما هي عاجزة عن القدرة على فعل شيء امام سوط ظروف اقتصادية صعبة، وبإزاء مستشفيات محلية تعمها الفوضى وحالات الفساد، والتراجع، والعجز عن توفير أبسط إمكانات العلاج للمرضى لا للمصابين إصابات خطرة في التفجيرات الإرهابية. ويؤكد أطباء MSF قد أجروا عمليات للتخفيف من التأثير الشديد للانفجار على يد محمد اليسرى، والتي أصيبت بالانكماش بعد أن تعرّضت لحروق بالغة السوء، فيما يعمل الأطباء النفسانيون في الوحدة الطبية، وبشكل دقيق وتدريجي على معالجة حالات "ارتجاع ذكريات الرعب" خلال النوم التي يستعيد فيها صور جثث أصدقائه الذين قتلوا في الانفجار. ويشير أطباء نفسانيون إلى أن "التشوّهات الخطيرة" في أجساد الأطفال ستتحوّل مع الأيام الى "عقد نفسية" ترافقهم طوال حياتهم، وتعرّضهم للخجل والانطواء وحب العزلة الأمر الذي يهدد مستقبلهم بصورة كاملة، ما لم يحصلوا على عناية نفسية متواصلة ترعاهم وتخفف من آلامهم ومشاكلهم النفسية. ومثل العديد من الأطفال العراقيين الذين يعالجون في هذه الوحدة الطبية فإن محمد لا يحمل فقط "ندبات" نفسية، إنما جسدية حطمت طفولته. وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية –تقول مارغريت دريسكول-تحدثت صحيفة تايمز عن بعض قصص هؤلاء الأطفال العراقيين المساكين، بضمنهم "عبدالله سليمان"، الطفل الذي يبلغ من العمر 9 سنوات، والذي تهشم الفك السفلي من وجهه خلال هجوم انتحاري، والطفلة سرور خضر، 12 سنة، التي خلعت يداها واندمجت بظهرها من فعل انفجار سيارة مفخخة. وتخاطب المراسلة القراء البريطانيين قائلة: ((إنها تطلب مساعدتكم بدعم وحدة MSF بمناسبة المناشدة، أو النداء الذي أصدرته في أعياد الميلاد)). وتتابع المراسلة: إن قراء صحيفة صاندي تايمز، قد استجابوا بشكل رائع لهذا النداء؛ ولقد وصل مجموع مبلغ المناشدة حتى الآن الى 546,000 باون استرليني. حوالي 446,000 تبرع بها القراء، والـ 100,000 باون الأولى تبرع بها Nomura Middle East، المركز العملياتي لبنك الاستثمار العالمي في آسيا. ويقول أوليفر ميزو، رئيس البعثة الطبية لوحدة MSF في عمان: ((بودنا أن نشكر كل شخص ساعد في هذه المهمة)). وأضاف: ((إن ذلك يعني الكثير للفريق الطبي هنا، فالقضية لا تعني فقط أن الناس يتبرعون بالمال كهدية لإنقاذ هؤلاء الأطفال البائسين، لكن لشعورنا أن هناك من يهتم ويعتني بهذه المسألة ويتفهم ما الذي جرى لأبناء الشعب العراقي)). وحتى سنة 2004، كانت MSF تعمل في بغداد، لكنْ –ومثل أية منظمة غير حكومية أجنبية- أجبرت على مغادرة العاصمة العراقية، بسبب الاضطرابات والفوضى وأعمال العنف التي انحدرت إليها المدينة. ولهذا –تقول المراسلة دريسكول- فإن مؤسسة الإحسان الطبية هذه قررت أنها –مادامت لا تستطيع تقديم المساعدة الطبية داخل البلد- يمكن أن تجلب هؤلاء الذين يحتاجون الى المساعدة الى بلد مجاور وآمن كالأردن. وتؤكد أنها منذ ذلك الحين –أي سنة 2004- عالجت نحو 800 شخص في عمّان، خمسهم من الأطفال. وفريق الأطباء المتخصصين، معظمهم من الجراحين المنفيين، الذي استطاعوا إجراء عمليات جراحية بلاستيكية أساسية "تجميلية وتجبيرية لمختلف أجزاء الوجه والرقبة" معقدة جداً!. وقالت المراسلة إن النتائج كانت "أشبه بالمعجزات"، فالأطفال الذين كانوا يعانون من تشوهات في الوجه قاسية جداً، سوعدوا جداً، وأصبحوا قادرين على الأكل بشكل اعتيادي، واستعادوا قدرتهم على النطق ثانية. أما أولئك الذين تعرضوا لعمليات بتر عاجلة، فقد جرى تمكينهم من المشي، والركض ثانية، وبعضهم أمضى سنوات وهو يعيش على كرسي المعاقين. وتشير الصحيفة الى أن الأموال التي تبرّع بها قراء الصاندي تايمز خلال توجيهها "نداء أعياد الميلاد"، سوف تسمح بمعالجة الكثيرين من الأطفال من خلال الوحدة الطبية MSF، كما أنها ستساعد الأطباء العراقيين الذين يعملون في نظام العناية، الذين انهارت إمكاناتهم تقريباً: 10 بالمائة من التمويلات، سوف تُعطى الى الجمعية الطبية الملكية التي يمكن أن تفتح مجلاتها العلمية الطبية، ومواقعها في الإنترنت للأطباء العراقيين. وتقول المراسلة دريسكول: عندما بدأ القتال في العراق سنة 2003، كان هناك 34,000 طبيب في البلد. ويعتقد أن الموجودين في الوقت الحاضر يقلون عن 12,000 طبيب. الكثيرون من أولئك الذين بقوا في العراق، هم الوحيدون في اختصاصاتهم، أي لا تكون هناك فرص أمام المرضى للأخذ بأكثر من رأي طبي في الاختصاص الواحد، كما أنّ الأطباء المتخصصين ليست أمامهم فرص الحصول على مهارات علمية جديدة، لترقية إمكاناتهم. وأصبح من الواضح –تؤكد المراسلة- أن العمليات الجراحية التي تؤدى في إطار مشروع وحدة MSF في عمان، لا يمكن أن تُجرى في العراق، وبذلك فإن الأطفال الذين كانوا يفقدون حياتهم، أو مزقت أجسادهم وشوهتهم أعمال العنف والتفجيرات الإرهابية، لن يكون أمامهم فرصة جديدة للعيش الطبيعي. واختيار عمان لإجراء مثل هذه العمليات، تم بسبب توفير إمكانية الوصول بالنسبة للمرضى العراقيين. وقالت إن المريض الواحد حتى الآن يكلف نحو 10,000 باون استرليني، وهو مبلغ أقل بكثير مما تكلفه العمليات الجراحية المماثلة في الدول الغربية. وأوضحت المراسلة أن الدعم النفسي للمرضى مهم تماماً كإجراء العمليات الجراحية. وقالت إن محمد ثجيل مثلاً مصاب بـ"الكوابيس" التي تداهمه ليلاً، معيدة إياه الى الذكريات المريرة للانفجار الذي أودى بحياة العديد من أصدقائه وترك الباقين إما مقطـّعي الأشلاء أو مشوّهين. ويقول محمد: ((أكاد الآن أسمع دويّ القنبلة الفظيعة، وصراخ أصدقائي)). وتابع يقول: ((إنها كوابيس لا تكف عن مداهمتي أبداً))!. وتضيف المراسلة قولها: إن الجراح التي أصابت هؤلاء الأبرياء من أطفال العراق، جرتْ بطبيعة الحال خلال لحظة وفي ساحة كرة قدم شعبية قريبة من سوق بالبصرة كما أسلف الحديث، لكنها "لحظة" غيّرت حياة هؤلاء الصغار الى الأبد، إذ سيبقون داخل شرنقة هذه الكوابيس التي تلاحقهم، وستبقى التشوّهات الخطيرة التي تعرّضوا لها "ندباً" على نفوسهم قبل أجسادهم. وإضافة الى ذلك –تشير مراسلة التايمز- إلى أن آباء وأمهات هؤلاء الأطفال، يعضّون نواجذ الندم الآن، شاعرين أنهم سمحوا لأطفالهم باللعب خارج البيت في وقت كان عليهم فيه حمايتهم مما كان العراق –ومازال- يخوض في أوحاله من عنف وصراعات وانتقامات، غالباً ما تطال الأبرياء من المواطنين الفقراء الذين بالكاد يدبّرون لقمة عيشهم اليومي. إنهم يشعرون أنهم ارتكبوا "جريمة" لأنهم تركوا أطفالهم على حالهم في "اللحظة الخاطئة"!. وعلى سبيل المثال –تقول دريسكول- لم يكن بيد والد عبدالله سليمان فعل شيء لحماية ابنه من الكارثة التي حلت به. لقد انفجرت السيارة المفخخة، بينما كانت العائلة مجتمعة لإقامة مجلس الفاتحة على أرواح ستة أشخاص قتلوا قبل ذلك. ويقول أبوه داود سليمان: ((لقد كان جالساً بجانبي، لكنني غادرت المكان)). وأضاف الأب متسائلاً بوجع وألم وندم: ((حتى الآن لم أستطع فهم لماذا هو الذي يُصاب وليس أنا)). ومن جانب آخر، يقول والد سرور، المطارد بمعاناة أصغر بناته: ((إنني مرتاح قليلاً لأنه العلاج الذي حصلت عليه، سيجعلها بعض الشيء قادرة على استئناف حياتها من جديد..آمل ذلك وأتمنى)). وأضاف: ((لقد مسّتنا شفقة الناس البعيدين عنا))!.
مرات القراءة: 2186 - التعليقات: 0
نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ،
يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث
المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ