خريجو الكليات .. أنهينا سنوات الدراسة وبدأنا أعوام البطالة!
نشر بواسطة: iwladmins
الثلاثاء 09-09-2014
 
   
المدى

هذا التحقيق كان يُفترض أن أُقدِّمه للنشر قبل ثلاثة أشهر ،إذ بدأت فكرته تراودني مع انتهاء العام الدراسي الذي شهد تخرج نحو أربعين ألف طالب جامعي تلقفتهم الأرصفة والبطالة قبل أن تتلقفهم مؤسسات الدولة ليسهموا في بناء العراق الناهض، لكني انتظرت انتهاء العطلة الصيفية لأكتب ربما للمرة العاشرة عن " بطالة خريجي الكليات " هؤلاء الذين ينهون مراحلهم الدراسية بعد 16 عاماً من الدراسة ليجدوا أنفسهم جالسين على مقاعد المقاهي بدلا من مقاعد العمـل والإبداع .

وبداية الفكرة كانت حينما التقيت بزميل دراسة لي لم أره منذ نحو ثلاثين عاماً وبعد السؤال والجواب عن الأحوال اصطحبني إلى شارع عام ليقول لي: هل ترى ذلك الشاب الذي بيده " مكنسة " ينظف الشارع؟ أجبت بـ ( نعم) قال: انه خريج كلية الإدارة والاقتصاد وهو من المتفوقين ، ولكنه لم يجد عملا برغم تخرجه قبل خمس سنوات غير العمل كمنظف في أمانة بغداد .

استغربت أولاً لأسأل زميلي ثانياً: وكيف تعرف هذه المعلومات عن هذا الشاب؟ أجاب والألم يعتصر قلبه .. لأن ذلك الشاب هو ابني !

إذن ... نتحدث اليوم عن مصير خريجي الكليات هؤلاء الذين ينهون سنوات دراستهم أملاً بالتعيين في مؤسسات الدولة ليبدأ بعد ذلك صراعه مع الحياة لتكوين أسرة بعد أن أنهى صراعه مع كتب الدراسة للحصول على شهادة التخرج التي وكما يبدو سيضعها شباب العراق على الرفوف بسبب عدم توفر فرص العمل لهم !

حسناً ... تعالوا معي في هذه الجولة الميدانية مع خريجي الكليات لنتعرف على مشاكلهم وطموحاتهم .

في البدء لا بــدَّ من القول إن عشرات الآلاف من شبابنا يتخرجون سنويا من الجامعات وهؤلاء بدلا من أن يُسهموا في بناء البلد وإعماره وتطويره نراهم يفترشون الأرصفة والساحات لعرض بضاعتهم لعدم حصولهم على فرصة عمل في مؤسسات الدولة ولعدم تمكنهم من دفع إيجار محل صغير يعرضون فيه بضاعتهم .

آثــار البطالة

لمعرفة الآثار السلبية للبطالة كان لا بـدَّ لنا من التحدث مع الدكتور إبراهيم محمد أستاذ علم النفس في كلية الآداب فقال :

للأسف الشديد أن ما يعانيه العراق من زيادة هائلة في البطالة لاسيما على صعيد الطبقة ألمثقفة وخريجي الكليات والجامعات الذين بدأوا يتهافتون على المقاهي ويفترشون الطرقات كي يجدوا البديل الوحيد في هذه الأماكن حتى يتناقشوا في ما أخذته سنوات ألدراسة من حياتهم ، نقولك إن المعاناة كبيرة في نفوس هؤلاء الخريجين .

وأضاف: إن سوء التخطيط من قبل الدولة لهذه الشريحة المهمة في المجتمع التي من المفروض أن يعوَّل عليها في المستقبل لخدمة العراق أولاً ولعوائلهم ثانياً سيجعلهم يبحثون عن بديل آخر جديد هو إما اللجوء إلى التطوع في صفوف ألشرطة وبصفة شرطي أو في الجيش متساوين مع الآخرين الذين لا يحملون حتى الشهادة الابتدائية، وطبعاً لا ننسى أن التطوع هذا ليس مجاناً أو السفر إلى خارج العراق ليخدموا الدول الأخرى بأبخس الأثمان أو يقوموا ببناء بسطيات صغيرة لبيع السكائر أو بعض أنواع الحلويات أو الملابس وغيرها، وكثيراً ما نشاهدهم مطاردين من قبل البلدية أو الشرطة بسبب تجاوزهم على الأرصفة والطرقات أو نجدهم عمالاً في المقاهي والمطاعم ، وفي هذه ألحالة أو تلك تذهب الدراسة إلى الجحيم . فمـَن يتحمّل هذه المسؤولية من تكدس آلاف الخريجين الذين مازالوا ضائعين بين الجهات ألحكومية نفسها من جهة وبين القطاع الخاص من جهة أخرى .

وبما أننا نتحدث عن الخريجين فلا بـدَّ أن نأخذ رأي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بهذا الخصوص حيث أفاد الدكتور هاشم علي الأستاذ في كلية التربية قائلاً :

إن الجامعة ليس من مهامها التوظيف.. وواحد من أهداف التعليم العالي هو تمليك الطالب المعرفة لتوسيع مداركه حتى يواجه المجتمع بشكل لائق ليحقق النمو والازدهار، أما تحديد الكم الذي تحتاجه سوق العمل من كليات وتخصصات معيـَّنة فذلك نتركه لوزارة العمل التي تقوم بمسح شامل لاحتياجات السوق في الداخل والخارج وفق المعطيات والتحديات التي تواجهها.

وأضاف الدكتور هاشم : الكثيرون يعـدُّون التخرج في الكليات مدخلا للخدمة العامة وهذا يورث العطالة ويرسخها، أما في ما يختص بالكليات التطبيقية فأوضح الدكتور هاشم : لا شكَّ أن احتياجات الدولة للكليات التطبيقية كبيرة والآن مسار الدولة في التعليم التقني يهدف لتأهيل كوادر وسطية تفيد نفسها ويكون لديها عمل وتمتلك مهارات العمل مثل هندسة الكهرباء والميكانيك والكمبيوتر والتخصصات التقنية الأخرى وذلك لا يعني أن هنالك اتجاهاً لتقليص الكليات النظرية. موضوع العطالة والخريجين لا بـدَّ أن تجرى عليه دراسات منهجية للتخصصات وبيانات الخريجين في كل الكليات لمعرفة الاتجاه السائد ودراسة الكليات والدبلومات النظرية والتقنية عبر اللجان العلمية المتخصصة، كما شدد الدكتور هاشم على أهمية الدراسات النظرية في نمو المجتمع ونفى نفياً قاطعاً أن يكون هناك اتجاه لتقليصها أو إلغائها وقال: واحد من الإشكالات هو الاعتقاد السائد بضرورة توظيف كل الخريجين في الخدمة العامة المدنية .

رأي علم الاجتماع

مُنى علي اختصاصية علم الاجتماع قالت: العطالة لها علاقة بالسياسات العامة للدولة ويفترض أن تخصص سياسات عامة لتوظيف أي شخص يحمل أية درجة علمية سواء بكالوريوس أو دبلوم، وأضافت: هنالك تخصصات برغم أن الدولة تحتاج لها مثل الخدمة الاجتماعية لا يوجد لها توظيف لأن الدولة ليست لديها ميزانية للخريجين في تخصص التنمية البشرية.

وقالت الباحثة الاجتماعية: إن للفرد مسؤولية تجاه نفسه ولا بُـدَّ أن ينخرط في أي عمل ولا يترفع عن العمل ما دام العمل شريفاً إلى أن يجد ما يناسب مؤهلاته العلمية، وهنالك مَن ينتظر 10 سنوات الوظيفة المناسبة له حتى ينفع نفسه ويساعد أسرته ،لأن هنالك أمهاتٍ عملن في بيع أشياء بسيطة لتعليم أبنائهن، لا يجب أن يترفع الخريج عن مثل هذه المهن حتى لا يُعــد في نظر أسرته فاشلاً وعالة عليها، وقالت: هنالك طالبات جامعيات يتجولن على المكاتب ليعملن أي عمل وليس في ذلك عيب ربما يخلق لهن دخلاً مناسباً يساعدهن على التطور والنمو، لافتة إلى أن ذلك الانتظار يعرض الشاب للإحباط والعزلة وينزلق به نحو السلوكيات الخاطئة ويصبح العاطل عن العمل في عزلة عن محيطه الأسري والاجتماعي ، وتتسبب العطالة في إصابته بالاضطرابات النفسية.

وانتقدت الباحثة الاجتماعية سياسات التمويل للمشاريع الصغيرة ووصفتها بأنها لا تقدم حلاً وبأنها لم توضع للفقراء، بل وضعت لمقتدرين ولديهم مكان عمل وحساب في البنك.

إحصائيات مذهلة

تُشير الإحصائيات إلى أن عدد الطلبة الذين يتخرجون من الجامعات العراقية سنويا يُقـدَّر بنحو 40 ألف خريج أغلبهم مشمولين ( بقانون البطالة وعدم التعيين) ويبقون على ذمة ذلك القانون منتظرين هذه المرة استفاقة مجلس الخدمة الاتحادي من سباته الذي صادق عليه مجلس النواب السابق ولم يُفعّـل حتى أصبح قراره الى الآن حبراً على ورق !

لكن الإحصائيات التي صدرت عن منظمة الأمم المتحدة قدرت نسبة العاطلين عن العمل بنحو (30%) من القادرين عليه، وكشفت سجلات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عن وجود مليون و225 ألف شخص مسجلين عاطلين عن العمل في بغداد والمحافظات الأخرى فيما يشير الى ان المجموع الإجمالي للعاطلين المسجلين في قاعدة بيانات الدائرة في بغداد والمحافظات بلغ مليوناً و225 الفاً توزعوا بنحو مليون و82 الفاً من الذكور و(143) الفاً من الأناث.

أفواج من الخريجين

فائضون عن حاجة الدولة

يقول الأستاذ إبراهيم محمد 56 عاما في الوقت الذي يتوسع فيه التعليم العالي في العراق باستحداث العديد من الجامعات الجديدة فان فرص الحصول على وظائف في الدولة بدأت تضيق أمام الخرجين ،وفي النهاية تحولت الجامعات إلى مستوطنات تجمع أفواجاً جديدة من العاطلين، خاصة وان هذا التوسع لم يجرِ وفق ضوابط وأُسس علمية مدروسة ووفق خطط مُعـدَّة لحاجة العراق من الملاكات والكفاءات العلمية،ولهذا يجب العمل على دراسة منظور بعيد المدى في حالات استحداث جامعات جديدة وإلا ما الفائدة من تخرج أفواج من حملة الشهادات فائضين عن حاجة المجتمع والدولة ؟!

واضاف: في الوقت الذي تنحسر فيه فرص العمل أمام خريجي معظم الجامعات العراقية في وزارات الدولة ومؤسساتها، فان وزارتي الصحة والتربية تضمنان فرص عمل لخريجي مجموعة الكليات الطبية بالنسبة لوزارة الصحة وخريجي كليات التربية بالنسبة لوزارة التربية، وهو أمر لا يحدث بالنسبة لبقية وزارات الدولة. ويقول مدير التخطيط في وزارة الصحة إن الوزارة تضمن العمل لخريجي مجموعة الكليات الطبية في كل الجامعات العراقية وحتى معاهد وإعداديات التمريض.

رأي الجامعة المستنصرية

يؤكد المسؤولون في الجامعة المستنصرية بأن الجامعة تخرِّج (3000) طالب وطالبة سنويا من الدراسات العلمية والإنسانية، والواقع ان نسبة كبيرة من هؤلاء الطلبة لا يجدون فرص عمل تتناسب مع اختصاصاتهم سواء في الوظائف الحكومية او في سوق العمل، وهذه المشكلة لا تعود إلى الأعداد الكبيرة التي تخرجها جامعات بغداد او الجامعات العراقية الأخرى، لكنها تعود إلى انحسار الوظائف الحكومية وركود العمل وضعف الاقتصاد العراقي.

ويقول العديد من الطلبة بأنهم يشعرون بالإحباط في المراحل الأخيرة من دراستهم لأنهم سينضمون إلى قائمة العاطلين عن العمل بمجرد تخرجهم، وبرغم إنهم مسرورون بانتهاء هذه المرحلة ففرحتهم كبيرة بنيلهم شهادة التخرُّج ، إلا أنهم يواجهون واقعاً مؤلماً لأن مصيرهم مجهول.

ويوضح المسؤولون أن عملية التوسع في الكليات لم تمر عبر تخطيط ودراسة علمية، إذ ان التوسع أثـَّر في مستوى نوعية الدراسة في هذه الجامعات على الخريجين ، فما حاجة “زيادة كبيرة” في بناء الجامعات والمعاهد وتخرّّج الآلاف منهم والنتيجة عدم استقبالهم من قبل دوائر الدولة او المؤسسات العامة .

لكن البعض من المسؤولين يبدون متفائلين حين يقولون ... بمجرد استقرار الأوضاع الأمنية في العراق وانتعاش الاقتصاد العراقي فان فرص العمل ستكون مهيأة أمام الجميع وان السوق العراقية قادرة على استيعاب وامتصاص جميع الطاقات المجمدة الآن، لأن العراق من البلدان الغنية وله القدرة على استيعاب أعداد هائلة من العاطلين، والى ان يأتي ذلك اليوم فعلى العاطلين انتظار هذه الوصفة السحرية التي تحولت إلى علاج لكل مشكلاتنا المستعصية .

أبواب الوزارات تفضِّل الوساطات

يقول السيد حمودي علي (35) سنة منذ أن تخرجت وإنا أطرق أبواب الوزارات بحثاً عن فرصة عمل وتركت في كل وزارة معاملة طلب تعيين ولم أعثر على أية وظيفة بسبب المحسوبية وبدأت أبحث عن عمل في الشركات الأهلية والمحال التجارية والمطاعم لعلـِّي أجد فرصة عمل، ويُضيف علي: على الطلبة ألا يبقوا مكتوفي الأيدي، عليهم العمل في المصالح التجارية إلى أن تحين فرصة عمل في المؤسسات الحكومية، وعلى الشباب ألا يتعكزوا على الدولة في الحصول على وظيفة أو فرصة عمل .

وتقول السيدة مُنى حامد (30)عاما حاصلة على بكالوريوس لغة عربية منذ عام 1998 لم أحصل على وظيفة في دوائر الدولة موضحة أن فرصة الذكور في الحصول على عمل أكثر من فرصة النساء من خلال العمل في الأماكن العامة أي أعمال شاقة او بعيدة عن المنزل او من خلال السفر إلى الخارج، لكن الفرصة بالنسبة لنا تكون محدودة .

بعيدون عن اختصاصنا

يقول مهران خالد (35) سنة بكالوريوس هندسة تخرجت في عام 2004 وإنا أعمل في مهن عـدة كلها بعيدة عن اختصاصي، وآخرها بائع صحف في الإشارات الضوئية أو أحيانا أبيع السكائر والفواكه وهذه واحدة من مآسي خريجي الجامعات العراقية في أنهم يعملون في مهن بعيدة عن اختصاصهم .

نقول: إن هؤلاء الخريجين بموجب تصنيف الأمم المتحدة يعدون من الكفاءات العلمية، وبالتالي فان هذه الكفاءات قد جرى إعدادها إعداداً جيداً على مدى أكثر من 20 عاماً ما تطلبت نفقات طائلة أسهمت العائلة العراقية بجزء كبير منها, ثم ان الدولة ايضاً أسهمت بالجزء الآخر ،لذلك يُعد الإنفاق على إعداد هؤلاء الخريجين استثماراً مهماً وهو ما يُطلق عليه”الاستثمار في رأس المال البشري.

ختاماً نقول: إن أمام التعليم في العراق مستقبلاً أقــل ما نستطيع ان نقول عليه أنه مظلم، بل وحالك السواد اذا ما استمر الحال كما هو عليه ولن نستطيع ان نقول إننا بدأنا في الطريق الصحيح إلا اذا رجعت تطرق مسامعنا من جديد عبارة كنا نسمعها من آبائنا ومعلمينا ( اتعب تلعب ) ونتوسم من الحكومة المقبلة خيراً, ونأمل منها ان تأخذ على عاتقها هذه المرة توفير فرص عمل مناسبة لأصحاب الشهادات من خريجي الجامعات العراقية الذين اتخذوا مقاعد الدراسة سلاحاً ومصيراً لهم لرؤى مستقبلية أفضل.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced