نصب الحرية .. بين الانفجارات والإهمال وتأخّر الموازنة
نشر بواسطة: iwladmins
الثلاثاء 16-12-2014
 
   
المدى

" هناك أبنية صامتة لا تتكلم , وأبنية ناطقة تتكلم , وأبنية صدّاحة تغني . فالأبنية الصامتة التي لا تتكلم ولا تغني ، إنما هي أبنية ميتة لا تستحق منا إلا الازدراء. وأما الأبنية المتكلمة, فإنها جديرة منا بكل اعتبار. أما الأبنية الصدّاحة, فإنها أبنية الفن وحده ، تلك الآثار الفنية الرائعة التي تصدح بموسيقى سحرية صافية"

(بول فاليري)

بوابة مستطيلة, احتضنت 14 قطعة من المصبوبات البرونزية المنفصلة أراد من خلالها سرد أحداث رافقت تاريخ العراق عبر نقوش آشورية وسومرية وبابلية.

بوابة ارتفعت عن الأرض خمسة امتار بطول أفقي بلغ خمسين مترا, وعرض عمودي بلغ ثمانية امتار, وبسمك متر واحد , انها بمثابة جسر من المرمر استند طرفاه على قاعدتين تم تثبيتهما في الأرض , بينما ارتفع النصب معانقاَ السماء بشموخ .

انه النصب الذي استوحِيت فكرة إقامته من مقترح بادر به المعماري الكبير رفعة الجادرجي , حين ألهمته اللافتات الكثيرة التي كان المتظاهرون يخرجون بها كل يوم تأييداَ لثورة14 تموز 1958, فقال لجواد سليم " لنصنع نحن لافتة أخرى , باقية الى الأبد" ... انه نصب الحرية .

ارتبط نصب الحرية ،ولعشرات السنين، بذاكرة العراقيين بوصفه معلماَ جسد تطلعاتهم وإيمانهم بوطن جديد, حيث ان لهذا النصب أثرا واضحا في روح المواطن العراقي لارتباطه بمختلف الأزمنة التي عاصرها العراقيون والذين لم يتوحدوا على رمز يوما كما توحدوا باتفاقهم على ان هذا النصب هو الرمز الأهم الذي يجسد صورة التخلص من الظلم والاستعباد.

في السادس عشر من تموز من عام 1961 أزيح الستار عن نصب الحرية بعد ما يقارب السنتين من العمل المستمر والدؤوب , النصب الذي ولد بعد رحيل عرّابه وأبيه الروحي جواد سليم الذي توفي صبيحة يوم 23 كانون الثاني 1961 اثر نوبة قلبية وشيع جثمانه بعد الظهر من معهد الفنون الجميلة في منطقة الكسرة بجمع مهيب الى مثواه الأخير في مقبرة الأعظمية حيث رافقه الى مثواه الأخير الفنانون فائق حسن وإسماعيل الشيخلي وعميد المعهد وفرج عبو والشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري .

آراؤهم

في الفترة الماضية توالت المعلومات التي تشير الى إن أرضية النصب أصبحت لا تقوى على حمله، نتيجة الضربات العسكرية التي طالت بغداد ، وكذلك وجود من تسبب له بالأذية ممن لم يقدروا قيمته الفنية ورمزيته، فغُمرت الأساسات بالمياه على حد قول بعض الشهود والمهتمين بالنصب.

لم يكن لدينا من خيار سوى اخذ العديد من الآراء الفنية والهندسية عن الموضوع خصوصا انه لا زال هنالك الكثير من الجدل حول مدى الضرر الذي لحق بالنصب على مدى عقود لم تشهد إجراء عملية صيانة للنصب تكفل استمراريته وبقاءه.

البعض كان مؤيدا لفكرة إمكانية انهيار النصب في المدى القريب , والبعض الآخر اتخذ وجهة نظر مخالفة , أما الفئة الصامتة فهي لا زالت تشكل الأغلبية, أغلبية ظلت تقف بعيدا على أطلال ذكريات افتتاح النصب او اجترار الحكايات التي تناقلتها قصص الآباء.

الناقد التشكيلي د.جواد الزيدي تحدث (للمدى) عن هذا الموضوع بقوله "كنت ارأس لجنة النصب والتماثيل قبل عدة سنوات , وخلال تلك الفترة قمنا بفتح ملف نصب الحرية آخذين بنظر الاعتبار الشكاوى التي وردت الينا بهذا الخصوص, وتمت بالفعل مخاطبة الشركة الإيطالية التي كانت مسؤولة عن مراحل تنفيذ النصب من قبل هيئة اللجان في رئاسة الوزراء ,و التي أبدت تعاونها التام وعرضت القيام بصيانة النصب مجانا على اعتبار ان النصب يمثل جزءا مهما من تاريخ الشركة "

واضاف : " لم تكن المؤسسات الرسمية جادة بما يكفي , واكتفت بالقيام بخطوات شكلية وحسب, حيث قمنا سابقا بالإشارة الى ضرورة ترميم جدارية فائق حسن, وبوابة الزوراء اضافة الى النصب ، لكن لم يلق الموضوع تحركا حقيقيا من قبل السلطات التنفيذية في الدولة "

ولفت الى ان "قبل عدة سنوات وأثناء زيارة الفنان رفعت الجادرجي الى بغداد اكد على ضرورة القيام بصيانة فورية وابدى استغرابه ان النصب لم يقع الى الان, حيث ان العمر الزمني للمادة الرابطة للأشكال يصل الى 30 سنة كحد اقصى " على حد قوله.

وعلى ذكر المعماري العراقي رفعت الجادرجي الذي صمم واشرف على تنفيذ قاعدة النصب ، فتجدر الإشارة الى انه قال في كتابه “الأخيضر والقصر البلوري“ : "لقد أدرك [جواد سليم] بأن العراق يعاني من فجوة فكرية في مجال النحت منذ دخول الإسلام إلى العراق. فهو لم يذعن إلى التحدرات الاجتماعية وتقاليدها التي سببت هذه الفجوة، وساعدت في إدامتها. الوظيفة الأولى للنحات، كما رآها جواد سليم، هي سدّ هذا النقص الحضاري وعملية سدّ النقص مغامرة فنية وحضارية في هذه الحالة، لأنها تطمح إلى مواصلة التجربة العراقية القديمة في بيئة مازالت تعيش تخلفاً حضارياً فاقعاً."

النصب بخير

وفقا للتصريح أعلاه يمكننا اعتبار المخاوف من انهيار النصب حقيقية وليست مجرد شكوك تساور محبي النصب وعاشقي الحرية تحت ظلاله.

لكن الدكتور موفق الطائي المعماري والاكاديمي العراقي و المستشار السابق لأمين العاصمة بغداد , نفى ما ذكر من تصريحات عن خطورة الوضع بالنسبة للنصب جملة وتفصيلا , حيث اكد على انه " لا يمكن معرفة ما اذا كان النصب بحاجة الى ترميم فعلا او لا إلا اذا تم إجراء فحص "مونترنك" وهو فحص لم يجر حتى اللحظة, حيث ان التقارير التي وصلت في وقت سابق هي تقارير تعتمد على مظهر النصب وليس بنيته وهيكله الداخلي "

وأضاف :" لا توجد ذرة خلل في الهيكل الداخلي ولا يمكن الاعتماد على قطعة مرمر ساقطة عن الواجهة بسبب ظروف وعوامل التعرية , او قطعة اخرى تم ترك مكانها شاغرا عمدا منذ بداية إنشاء النصب ولهذا الموضوع حكاية منفصلة."

ويرى الطائي ان موضوع التفجيرات التي حدثت بالقرب من النصب في فترات سابقة يعد فحص تحميل ممتاز , حيث قال " قبل سنوات انفجرت سيارة مفخخة على ميمنة النصب , وسيارة اخرى على ميسرته , واخرى على مسافة قريبة من مقدمته, ولم تتسبب الانفجارات الثلاثة بأدنى خلل , هل هنالك فحص تحميل اهم من هذا يا ترى ؟!"

وأضاف : " الجهاز الخاص بقياس مدى الخلل في النصب موجود في كلية الهندسة وفي المركز القومي للمختبرات الإنشائية , وحتى هذه اللحظة لم يتم استدعاء أي مختص من جامعة بغداد معني بالموضوع او جامعة النهرين او المركز القومي لإعطاء التقرير الفني."

وعن موضوع الشركة الإيطالية التي تكفلت بمسألة ترميم النصب قال الطائي

"التقرير الفني للشركة الإيطالية كان رديئاَ."

لا رد

حاولنا الاتصال بالمتحدث الإعلامي لأمانة بغداد السيد حكيم عبد الزهرة لمعرفة تفاصيل الموضوع لكننا لم نتمكن من الحصول على تصريح رسمي باسم امانة بغداد على الرغم من معاودة اتصالنا لأكثر من مرة , على الرغم من انه وفي تصريح سابق لإحدى الوكالات الإخبارية وتحديدا في 12 آب 2014 , ذكر السيد عبد الزهرة : إن "الدراسة والنماذج والصور، تنتظر التخصيص لكي نقوم بإنجاز العمل في ترميم نصب الحرية ".

وتابع أن "موازنة 2014 عطلت العديد من المشاريع بما فيها الستراتيجية التي كانت تطمح الأمانة في إنجازها".

المهندس الاستشاري هشام المدفعي ،وفي معرض حديثه عن الموضوع ، ذكر (للمدى) " لا تقلقوا حول موضوع نصب الحرية من الناحية الانشائية , لأن تصميمه اشرف عليه مهندسون متميزون , واخذوا جميع النقاط بعين الاعتبار. "

وأضاف ان "التمدد والتقلص في المواد المستعملة في إنشاء النصب هي السبب في بعض الخلل الذي أصاب الواجهة , حيث انه وفي فصل الصيف ترتفع درجة حرارة الواجهة الى 90 درجة وهذا لايؤثر على النصب وهيكليته بشيء, ولا على القطع المركبة."واردف " قلتها وأكررها , لا تقلقوا على نصب الحرية ."

حكايات عن النصب

*من حكايات النصب التي لا يعرفها الكثيرون ان الجزء الأوسط منه – المفكر السجين-, الجندي, الحرية- هو الوحيد الذي اكمل له جواد (مصغرا) في بغداد ولما أخذه معه في الطائرة التي أقلته الى روما ضاع هو والرسوم الأخرى الملحقة به كلها, ولذا فانه أعاد صنع هذا الجزء من جديد في استوديو محمد غني حكمت بروما, أما الأجزاء الأخرى من المصغر فقد نحتها فيما بعد في فلورنسا

*إجمالي المبلغ الذي تقاضاه جواد سليم عن النصب لتنفيذه كان 3 آلاف دينار عراقي.

*قضى جواد سليم 3 اشهر بمصح في فلورنسا بسبب أزمة عصبية ونفسيّة ألمّت به أثناء عمله على برونزيات النصب حتى فقد قدرته على العمل ما استدعى تواجده في المشفى محاطاَ بعناية الأطباء وزوجته "لورنا" وأصدقائه الذين ساهموا في إعادة صفاء ذهنه مرة أخرى ومكنته من إكمال ما بدأه بعزيمة وثقة.

كل الآراء التي تناولت الموضوع من مختلف زواياه , حتى الزوايا السلبية التي دفعت بالبعض ومن ضمنهم الفنان التشكيلي الذي رفض الكشف عن اسمه للقول بأن "افتعال أزمة النصب ماهي الا ذريعة استخدمها بعض المتنفذين في أمانة العاصمة لغرض الحصول على ايفادات لخارج العراق , واستغلال القضية لصالحهم من اجل استجلاب كبريات الشركات العالمية وتوقيع العقود الوهمية والتي ستبقى حبيسة أدراج مكاتب المسؤولين ", كل هذه الآراء تتفق على عظمة النصب وأهميته وضرورة اتخاذ أي إجراء من شأنه ان يسهم في حمايته من اي خطر يتهدده , النصب الذي يمثل روح بغداد بقيمته الجمالية وخطوطه التي تعبر بقوة تجمع بين شاعرية ليل بغداد وعنف نهاراتها.

" ليس الفن في عمل صورة للويس الرابع عشر او تمجيد سيف الدولة , او رسم تفاحة او ترنيم (( بالك تدوس اعلى الورد)) . الفن اسمى من ذلك , الفن قطعة لموتزارت, صفحة من موليير , قصيدة من المعري, او من الجواهري, لوحة كورنيكا , فهذه اشياء خدمت البشرية ."

من كلمة جواد سليم في افتتاح المعرض الأول لجماعة بغداد للفن الحديث .

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced