لم تمض أيامٌ كُثر على "فتنة الزبير" باغتيال اربعة من رجال الدين السُنة المعروفين بالاعتدال ونبذ التطرف، في الاول من كانون الثاني الجاري، حتى تلقى كبير شؤون مجلس الصابئة المندائيين في البصرة، تهديداً بـ"القتل"، من اشخاصٍ متجاوزين على مقبرة الطائفة التاريخية في حي (خمسميل) شمال شرق مركز المدينة، ليعيد مجدداً فتح ملف مكونات المجتمع البصري "الاقليات" ووضعهم في المحافظة التي تعاني من انفلات أمني غير مسبوق منذ اذار 2008.

على مدى سنوات ما بعد نيسان 2003، حاول متجاوزون او ما يعرف بـ"الحواسم"، الاستيلاء على اراض وعقارات بالقوة، او بطريقة "وضع اليّد"، ما حرم الدولة من الكثير من املاكها، والمُلاك من اراضيهم، حتى طال "التجاوز" والتعدي غير المشروع، المقابر العائدة للمسيحيين واليهود والصابئة، فطال التخريب والاستيلاء والمحو، مقبرة الطائفة اليهودية الموسوية (وسط البصرة)، وجزءا من مقبرة الارمن (وسط البصرة)، وجزءا من مقبرة الطائفة المندائية (خمسميل)، والمقبرة الانكليزية (وسط البصرة).

تواجه مقبرة المندائيين بمنطقة (خمسميل) تهديداً جدياً بالازالة، وتجريف المقابر، تمهيداً للاستيلاء عليها من قبل خارجين على القانون، يحاولون التجاوز على املاك دينية، على الرغم من المحاولات الحثيثة محلياً لثنيهم عن مخططهم.

رئيس مجلس شؤون طائفة الصابئة المندائيين في البصرة، سعد مجيد عطية، ابلغ أمس الاحد "العالم الجديد"، عن تلقيه تهديداً صريحاً بعدم المضي قدماً بالدفاع عن المقبرة، واللجوء الى المحاكم، او السلطات المحلية، والا "فقد اعذر من أنذر" وعلى حد تعبير صاحب التهديد "البي زود يوصل!".

10912851_1517193735208155_2127927375_n

صورة عن رسالة التهديد التي تلقاها كبير شؤون الطائفة في البصرة من احد الشبيحة (العالم الجديد)

التهديد المستمر ضد مصالح الصابئة المندائيين في البصرة، قاد عطية الى الشعور باليأس، من قدرة الحكومة المحلية وسلطاتها على حماية ابناء الطائفة ومصالحهم، بعد ان بلغت التهديدات الى شيخ الطائفة الديني في البصرة (مازن نايف) وعدداً اخر من كبار اعضاء مجلس شؤون الطائفة، وتعرضه – اي عطية – الى محاولة اغتيال بعبوة ناسفة امام منزله، الذي تعرض هو الاخر الى اطلاق نار ما اضطره الى الهرب وعائلته الى مكان أخر آمن.

المتحدث باسم الطائفة في البصرة، وضعت له ورقة تهديد مشابهة لورقة التهديد التي ارسلت لعطية، فيما كانت تهديدات اخرى تصل عبر الهاتف المحمول.

الخارجون على القانون او كما يحلو للبعض تسميتهم بـ"الشبيحة"، والذين يتحركون بسهولة، على الرغم من معرفة اسمائهم ومحل سكناهم، اعتدوا على حرمة مقبرة المندائيين، فجرفوا جزءاً منها، ونبشوا نحو خمسة قبور، في محاولة منهم لتشييد (كراج) لوقوف السيارات.

ويشير عطية الى ان مجلس الطائفة، قدم شكاوى الى ديوان المحافظة، "وفي حينها كان رئيس لجنة التجاوزات مكي التميمي، الذي اغتيل فيما بعد، الذي تحرك شخصياً وازال تلك التجاوزات، واصدر أمراً بالقاء القبض على المتجاوزين"، ويضيف بعد تلك الاجراءات "وضعت عبوة ناسفة امام بيتي الذي اطلق عليه النار ايضا".

متجاوزن آخرون، قاموا بعدها بتجريف نحو خمسة قبور بـ"شفلّ" واقتلعوها من الارض.

وبينما يعرب عن شعوره بالقلق الشديد تجاه مستقبل الطائفة في البصرة بسبب الممارسات "التشبيحية" التي تمارس ضدها، حمّل عطية مسؤولية ما يحصل على التماهل الامني، وعدم جدية السلطات المعنية من قيادة شرطة وعمليات ومحافظة وسلطة قضائية، بمتابعة ملف الاعتداءات المتكررة على المندائيين، "انهم غير مهتمين بما يحصل لنا"، منوّها ان "ذلك سينعكس على سمعة البصرة كمدينة وحكومة، بأنها غير قادرة على حماية الاقليات".

وبنبرة يأس واضح، يقول عطية ان "لم تستطع المحافظة حمايتنا، فليسمحوا لنا بالهجرة الى اي بلد آخر بسلام، لن نتظاهر، او حتى نضغط اكثر، سنخرج من مدينتنا البصرة بهدوء، ونغادر ارضنا وارض اجدادنا، سنترك ارثنا هنا ونذهب".

رئيس اللجنة الامنية في مجلس البصرة، جبار الساعدي، بيّن لـ"العالم الجديد"، ان "مجلس المحافظة ناقش ملف الصابئة المندائيين وتعرضهم للتهديد في اجتماعه الاخير"، معترفاً ان "هناك جهة بالفعل تسعى لاستهدافهم لارباك وضع البصرة، وتوصلنا الى خيوط".

وشدد الساعدي على ان "اجتماعات ستعقد مع رؤساء الكتل السياسية لايجاد حل".