من النهب والتخريب إلى النهوض مجدداً..المتحف العراقي يسترجع نفائسه
نشر بواسطة: mod1
الثلاثاء 26-01-2016
 
   
زينب المشاط - المدى

تشكل زاوية المتحف العراقي مع مبنى المحطة ومتنزه الزوراء مثلثا من الهيبة المعمارية البغدادية. ورغم التناقض الكبير بين شعبية شارع العلاوي في الضلع الممتد من شارع حيفا إلى مرآب النقل العام، وفخامة مبنى المتحف وتكتمه التاريخي، فإن التشوه التخطيطي يبدو غير مؤثر مع العبقرية التعبيرية، فوسط زحام الكسبة وتلونات عربات الدفع وأكشاك المطاعم وعشوائيات مقاهي العمال يبدو المتحف العراقي بجدرانه السميكة العالية والشراشيب الطابوقية المسننة مثل سفينة أسيرة تحافظ على تكبرها وسط سوء تصرف أمانة بغداد.

عند المدخل تتوارى الصور السابقة ويبدأ التاريخ بالتنفس. اصوات الشوارع تتلاشى ما إن تظهر البلاطات الرخامية وتتعود العين على الاضواء في الداخل. السكون والهمسات وحتى وقع الخطوات البطيء هي العلامات الاولى لهذا الكنز المهيب.

تأريخه ونشأته

كان لبريطانيا دور مهم في وجود متحف في العراق كما تحدث لنا الباحث الأستاذ رفعت عبد الرزاق ذاكراً إن  "للمس بل، السكرتيرة الشرقية للمندوب السامي البريطاني اهتمامات تاريخية وأثرية، وقد بدأت صلتها بالشرق من خلال عشقها لتأريخ العراق وهي أول من سعى لإصدار أول قانون للآثار في العراق حيث تحفظها وتمنع تهجيرها وتنقيبها من قبل بعثات التنقيب الأجنبية ، وقد سعت بل لتأسيس المتحف العراقي للآثار في إحدى قاعات بناية القشلة عام 1924 وأصبحت المديرة الفخرية له" .

ويضيف الباحث قائلاً : " نتيجةً لزيادة عدد الآثار وضيق بناية القشلة انتقل متحف الآثار إلى بناية المتحف البغدادي الحالي ، إلا أن هذا المتحف استمر بالتوسع ولم يستطيع احتواء جميع الآثار الملتقطة ، لحين إنشاء أول متحف آثار عراقي مُشابه للمتاحف العالمية حيث كان الأستاذ ساطع الحصري أول مدير أثار آنذاك والذي كان لهُ الدور الأبرز في حماية الآثار العراقية في ذلك الوقت  ."

ويوضح رفعت عبد الرزاق : "حتى الخمسينات من القرن الماضي وضمن مشاريع مجلس الإعمار شُرع ببناء المتحف العراقي وثم لحقت به بناية دائرة الآثار العامة ومكتبة المتحف العراقي ، وقد شُيدت البوابة الخارجية الآشورية في أوائل الأربعينات ، ووضع الحجر الأساس للمتحف عام 1957 وأُنهي العمل به عام 1964 وافتتح عام 1966 في عهد الرئيس عبد الرحمن عارف، وبعدها أُضيفت له بنايات جديدة ليُصبح من المتاحف التي تُضاهي أكبر المتاحف في العالم وقُسم بعدها إلى قاعات كبيرة تبدأ بعصور ما قبل التأريخ والإنسان الأول ، ثم السومرية والآشورية والبابلية."

نكسة المتحف 2003

بعد أن كانت للمتحف العراقي سُلطتهُ، وقانونه الاستثنائي وأمينتهُ الخاصة به حصراً ، تلاشت تلك السُلطة في عام 2003 بعد تعرضهُ لعمليات نهب وتخريب واعتداءات وانتهاكات للإرث العراق وحضارته والتعدي على المال العام ، فسُرقت الآثار وهُرّبت خارج العراق حيث ذكر مدير المتحف العراقي للآثار الدكتور احمد كامل   ان "الآثار التي تمت سرقتها والتي  تُقارب الـ15 ألف قطعة أثرية  ، تضمنت وجود ما يُقارب الـ 40 قُطعة تُعدّ من أندر القطع الرئيسية في العالم وأهمها " ، مؤكداً ان " أغلب القُطع التي تعرضت للسرقة هي تلك الموجودة في المخازن ، أما القطع المعروضة والموجودة داخل خزانة عرض فقد سلمت من أيدي السرقة والتخريب ، وقد سُرقت القطع الخارجية المعروضة والتي لم توضع في خزانة . "  

نهضة جديدة

رُغم ما تعرض لهُ المتحف العراقي من نكسات وعمليات سرقة وتخريب إلا أن محاولات النهضة به من جديد لم تتوقف ، ولم يتهاون مسؤولوه الذين توالوا بعد عام 2003 ببذل جميع المساعي من أجل استعادة أكبر عدد ممكن من الآثار ، حيث ذكر أحمد كامل قائلاً إن "الآثار المفقودة تنشطر بين قطع رئيسية والتي لا توجد منها سوى واحدة فقط في العالم حيث تم استرجاع نصف عدد ما فُقد ، حيث تم استرجاع نصف عدد الآثار المفقودة من ضمن 40 أثرا مفقودا. "

وأضاف أحمد كامل " أيضاً تم استرجاع أربعة آلاف قطعة من القطع الأُخرى الصغيرة ، و 200 قطعة أُخرى ، وهذا كُلّه من أصل 15 ألف قطعة مفقودة . "

وفي محاولةٍ لاسترجاع المتحف عافيتهُ وكما كان سابقاً يذكر السيد مدير المتحف ان " المتحف يشهد زيارات كثيرة من قِبل السيّاح أو طُلاب المدارس والجامعات  من خلال رحلات دراسية استطلاعية  ، حيث شهد هذا العام زيارة ما يُقارب 11 ألفا وخمسمئة شخص خلال العام الماضي بأكمله " .

الآثار المسترجعة

من خلال تعاون متواصل بين السُلطات العراقية والمؤسسات الدولية واليونسكو استطاع العراق حتى الآن الحصول على نصف القطع الرئيسية والنادرة التي تم فقدانها من أصل 40 قطعة ، كما استطاع استرجاع ما يُقارب 4200 قطعة أثرية من أصل 15 ألف قطعة مفقودة ، هذا ما ذكرهُ  مدير المتحف .

ويقول أحمد كامل إن " من بين أهم الآثار التي تم استرجاعها هي " إناء حجر الكلس ،  فتاة الوركاء ، تمثال حجر الديورايت مفقود الرأس ، تمثال باسطاكي ، تمثالان للملك شلمنصر الثالث " والتي تُعدّ من أهم القطع حيث إنها نادرة ولا توجد سواها في العالم.".

أهم القُطع المُسترجعة

إن القُطع المُسترجعة للمتحف العراقي تُعدّ من أهم الآثار لما لها من عُمق تأريخي وحضاري إضافة إلى انها نادرة الوجود فكما ذكر أحمد كامل " هذه القُطع المُنفردة في العراق ولا وجود لمثيلتها في العالم . "

وقد وزعت هذه القطع على قاعات المتحف فبعضها وجد في القاعة الآشورية ، وأُخرى في السومرية ، وبعضها يعود إلى آثار البابليين فوضع في القاعة البابلية ، ويُذكر إن هذه الآثار تم استرجاعها بالتعاون مع المُنظمات الدولية التي عملت على مُراقبة بعض المزادات والمتاحف العالمية بعد رصدها والتأكد من إنها تعود إلى الآثار العراقية الوطنية ومن بين أهم الآثار المُسترجعة :

فتاة الوركاء

عبارة عن وجه من الحجر الأبيض  " الرُخام " والذي يُمثل امرأة سومرية ، كانت عيناها وحاجباها مُطعمين بأحجار كريمة . يُذكر إن هذا الأثر يُعد من أنفس المقاطع التي تُمثل رُقيّ النحت السومري في أدواره الأولى ، وإن هذا الوجه من المُحتمل أن يكون جزءا من تمثال كبير ، أو انهُ كان يُعلق على الجُدران وقد عُثر عليه في مدينة الوركاء " لهذا سُميّ بفتاة الوركاء " ويعود زمنه إلى عصر " جمدة نصر" 3000 – 2900 ق. م. وهو من القُطع التي أُعيدت بعد سرقتها في أحداث 2003 .

الإناء النذري

يُعد من أثمن معروضات المتحف العراقي ، ويُمثل إناء كبيرا من حجر الكلس الأبيض عُثر عليه في مدينة الوركاء في عصر جمدة نصر " 3000 – 2900 ق.م. " ، ويحتوى هذا الإناء على رسوم ذات مناظر طقوسية دينية تمثل مواكب الكهنة وهم يحملون سلالا وجرارا فيها فاكهة وزيت وخمر يتقدمهم شخص كبير قد يكون إله أو ملك ، وتتبع هذا الموكب صفوف من الأكباش والنعاج وسنابل القمح وأشجار النخيل  ، وقد تعرض للسرقة عام 2003 وتمت إعادته للمتحف .

تمثال الديورايت الأسود

تمثال من الحجر الأسود المعروف بـ " الديورايت " مقطوع الرأس نُقشت على كتفهِ وظهره كتابة مسمارية تذكر اسم الملك أنتمينا ، عُثر عليه في أور ويعود زمنه إلى عصر فجر السُلالات الثالث بين " 2600 – 2370 ق.م. " .

تمثال باسطكي

يُمثل الجزء الأسفل للملك الأكدي "  نرام سن " 2260 – 2223 ق.م. مصنوع من البرونز وهو عاري الجسد ويرتدي حزاما يتدلى على جانبه الأيسر ، ويوجد بين ساقيه إناء يحتوي على ثقب نافذ ، ويرتكز على قاعدة مستديرة الشكل ، وقد عُثر عليه أثناء عمليات الحفر والتنقيب في الطريق الرابط بين مدينة دهوك وزاخو عند قرية باسطكي .

تمثال شلمنصر الثالث

تمثال رُخامي يعود للملك شلمنصر الثالث " 858 – 824 ق.م. " دوّن عليه اسم الملك وأعماله ، كما تُلخص الكتابة الموجودة على التمثال الحملات الحربية العشرين الأولى ، وقد أُهدي هذا التمثال  لمعبد إله الرعد والأمطار الإله " أدد" في مدينة كوربعل الواقعة شمال الموصل في حُصن شلمنصر في مدينة النمرود .

إضافة إلى تمثال ثانٍ للملك شلمنصر والذي عُثر عليه بالقرب من سور مدينة نمرود حيث نُقش هذا التمثال بكتابة مسمارية ، تذكر اسم الملك وألقابه ونسبهُ وأشهر أعماله وفتوحاته ولاسيما حوادث الحملتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين . ومازالت المحاولات مستمرة وجارية من أجل استرجاع بقية الآثار العراقية ، إضافة إلى حماية الآثار المسترجعة خشية حدوث عمليات تهريب أو سرقة أُخرى ، حيث ان بناية المتحف العراقي تشهد عمليات أمنية مُشددة داخل وخارج المتحف  من أجل الحفاظ على الثروة الوحيدة التي باتت تحمل شيئاً عن تأريخ هذا الوطن وحضارته.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced