أديب الحارة المصرية .. أحلام وأفكار ما قبل الرحيل
نشر بواسطة: Adminstrator
الإثنين 30-08-2010
 
   
محيط  - مي كمال الدين

 
محفوظ 
"أكبر هزيمة في حياتي هي حرماني من متعة القراءة بعد ضعف نظري" وهكذا أمضى صاحب هذه العبارة حياته بين الكتب وبرغم شهرته الواسعة ككاتب حاز نوبل وخرج بالحارة المصرية للعالمية عبر عشرات الروايات، إلا أن الكتابة لم تكن في حياة نجيب محفوظ سوى المتعة الثانية بعد معشوقته الأولى القراءة .. وفي ذكرى رحيل محفوظ الرابعة نقلب في أوراقه وما كتب عنه لكشف أسرار حياة هذا الرجل .
شهدت حياة الأديب الكبير والتي امتدت ما بين ميلاده في الحادي عشر من سبتمبر 1911 ووفاته في 30 أغسطس 2006 أحداثا كثيرة بدأت من حي الجمالية الذي ولد فيه ، ومرورا بأحياء العباسية والحسين والغورية وكلها ظهرت في رواياته .
تفتحت موهبته الأدبية على أعمال عميد الأدب العربي طه حسين والأديب والمفكر الكبير عباس محمود العقاد، وعلى الرغم من المناصب العديدة التي تقلدها على مدار حياته إلا أن هذا لم ينل من الوقت الذي منحه للإبداع الأدبي ، فصدر له ما يقارب الخمسين مؤلفا من الروايات والمجموعات القصصية، وترجمت أعماله إلى 33 لغة في العالم.
أحلام محفوظ


 
احلام فترة النقاهة - 
في كتابه "أحلام فترة النقاهة " كتب محفوظ أحلامه عبر لوحات ضمنها نظرته للحياة ولكثيرين ممن أثروا فيه، كذلك جاءت العديد من المعاني والمفاهيم مثل العدالة الاجتماعية وثنائية السلطة والشعب، وقد نشرت أحلام محفوظ مسلسلة في مجلة "نصف الدنيا" وجمعتها دار "الشروق" وأصدرتها في كتاب أعدته وقدمته الكاتبة المصرية سناء البيسي. 
نقرا من أحلام محفوظ الحلم رقم "100" وفيه صرخة ألم على الشعب الذي تواطأ عليه الجميع، يقول محفوظ في حلمه " هذه محكمة وهذه منصة يجلس عليها قاضٍ واحد، وهذا موضع الاتهام يقف فيه نفر من الزعماء، وهذه قاعة الجلسة، حيث جلست أنا متشوقاً لمعرفة المسؤول عما حاق بنا. ولكني أحبطت عندما دار الحديث بين القاضي والزعماء بلغة لم أسمعها من قبل، حتى اعتدل القاضي في جلسته استعداداً لإعلان الحكم باللغة العربية، فاستدرت للأمام، ولكن القاضي أشار إليّ أنا، ونطق بحكم الإعدام، فصرخت منبهاً إياه بأنني خارج القضية، وأني جئت بمحض اختياري لأكون مجرد متفرج، ولكن لم يعبأ أحد بصراخي"!
لم يكن ما سبق مجرد حلم لمحفوظ فقد حوله الواقع السياسي والعسكري والحروب التي شغلت العالم العربي والإسلامي في فلسطين والعراق وأفغانستان، إلى جانب انتشار الفساد والجرائم الوحشية والممارسات الدموية إلى "كابوس" بعد غياب الشرعية الدولية، وشعور الفرد بالهزيمة متوقعا الغدر دائماً من خلال تنفيذ حكم الإعدام به من دون تهمة واضحة .
وفي حلم أخر لمحفوظ وهو رقم "104" يقول "رأيتني في حي العباسية أتجول في رحاب الذكريات، وذكرت بصفة خاصة المرحومة عين فاتصلت بتليفونها ودعوتها إلي مقابلتي عند السبيل، وهناك رحبت بها بقلب مشوق واقترحت عليها أن نقضي سهرتنا في الفيشاوي كالزمان الأول، وعندما بلغنا المقهى خف إلينا المرحوم المعلم القديم ورحب بنا غير أنه عتب علي المرحومة عين طول غيابها، فقالت أن الذي منعها عن الحضور الموت فلم يقبل هذا الاعتذار، وقال إن الموت لا يستطيع أن يفرق بين الأحبة"
وفي حلمه رقم "107" يشير محفوظ إلى أن ما يتمناه المرء في حياته قد لا يتحقق إلا بوفاته قائلاً "أنه من تراحم عجيب، ففي حقيقته يرقد نعش كتب عليه أن هذه جنازة فلان تنفيذا لوصيته، وفلان زميل كريم اشتهر بندب حظه السييء فعلي كثرة مؤلفاته لا يكاد يعرفه قاريء، وجاء المشيعون والمتفرجون حتى بلغ الكرام المدافن وسط مظاهرة لم تشهده جنازة من قبل، وما جاء المساء حتى كان اسم الراحل يتردد علي كل لسان".

 
اولاد حارتنا 
"أولاد حارتنا"

"أولاد حارتنا" الرواية المثيرة للجدل والتي نشرت مسلسلة في صفحات جريدة "الأهرام" قبل صدروها لأول مرة في كتاب عن دار الآداب ببيروت عام 1962، والتي لم يتم نشرها في مصر حتى أواخر عام 2006 عن دار الشروق.

وفي مقال كتبه د.أحمد كمال أبو المجد في صحيفة "الأهرام" في 29 ديسمبر 1994 أشار إلى ما ذكره محفوظ في إحدى ندوات "الأهرام" قائلاً "إن أي مشروع حضاري عربي لابد أن يقوم على الإسلام والعلم" وهي الفكرة التي طرحها بروايته أولاد حارتنا، موضحاً أن أهل مصر الذين كثيراً ما تحدث عنهم في كتاباته كانوا يعيشون بالإسلام ويمارسون قيمه العليا دون ضجيج ، وكان تعبيرهم عن ذلك يأتي متمثلاً في السماحة وصدق الكلمة وشجاعة الرأي وأمانة الموقف، مؤكداً على أهمية الأخذ بالعلم إلى جانب الدين لان من لا يأخذ به لا يكون له مستقبل بين الشعوب.
ثم يؤكد محفوظ أن روايته أسيء فهمها ويقول: " كان المغزى الكبير الذي توجت به أحداثها.. أن الناس حين تخلوا عن الدين ممثلاُ في "الجبلاوي" وتصوروا أنهم يستطيعون بالعلم وحده ممثلاُ في "عرفة" أن يديروا حياتهم على أرضهم – التي هي حارتنا – اكتشفوا أن العلم بغير الدين قد تحول إلى أداة شر، وانه قد أسلمهم إلى استبداد الحاكم وسلبهم حريتهم فعادوا من جديد يبحثون عن "الجبلاوي" ".

ويحلل محفوظ المشكلة التي أثيرت حول "أولاد حارتنا" قائلاً انه كتبها "رواية" في حين قرأها بعض الناس على أنها "كتاب" وان الرواية هي تركيب أدبي فيه الحقيقة والرمز والواقع والخيال، ولا يجوز أن تحاكم "الرواية" إلى حقائق التاريخ التي يؤمن الكاتب بها، لأن كاتبها باختيار هذه الصيغة الأدبية لم يلزم نفسه بهذا أصلاً وهو يعبر عن رأيه في رواية.
ويؤكد محفوظ حرصه الدائم على أن تقع كتاباته في الموقع الصحيح لدى الناس حتى وإن اختلف بعضهم معه في الرأي،  ويقول "لذلك لما تبينت أن الخلط بين الرواية والكتاب قد وقع فعلاً عند بعض الناس، وانه أحدث ما حدث من سوء فهم، اشترطت ألا يعاد نشرها إلا بعد أن يوافق الأزهر على هذا النشر"
توترات مرضية

في إحدى المقالات التي كتبها نجيب محفوظ بعموده الأسبوعي في صحيفة "الأهرام" تحت عنوان "توترات مرضية" في أكتوبر 1994 وقبل وقوع حادث الاعتداء عليه على خلفية روايته "أولاد حارتنا" ، انتقد طابع الحدة والعنف الذي اتسمت به المناقشات التي تعقد في السياسة أو الأدب أو الفكر حيث سرعان ما تتحول هذه المناقشات إلى معارك، ويبدأ التراشق بالاتهامات فمن الجهل والتأخر وضيق الأفق إلى التقليد الأعمى والكفر والخروج على القيم الفاضلة .
وقد يتطرق الأمر إلى التلويح بما يمس الشرف والذمة والأمانة الوطنية ، أما موضوع الخلاف الأصلي فيظل في زاوية النسيان، ثم يؤكد بالنهاية أننا بحاجة إنقاذ روحي عميق بعد المعاشرة الطويلة مع النظم الشمولية.
القراءة قبل الكتابة


 
   
يكشف يوسف القعيد في أحد مقالاته الذي روى خلاله لقاء جمعه بمحفوظ مدى ولع الأخير بالقراءة فيقول: " الرجل نجيب محفوظ ليس كاتبًا جيدًا فقط لكنه قارئ، أكثر جودة. إذن لا كتابة جيدة بدون قراءة أكثر جودة، وبعد ذلك بسنوات عندما خذله بصره، قال لي عبارة في رثاء بصره الذي خذله: حزني على فقدان القدرة على القراءة يفوق حزني بسبب القدرة على الكتابة. لا تتصور، متعة القراءة سبقت أى متعة أخرى في الحياة بما في ذلك متعة الكتابة نفسها".

وفي كتاب "نجيب محفوظ يتذكر" قدم الروائي جمال الغيطاني محصلة أحاديث مع محفوظ أضاءت جوانب عديدة من شخصيته التي شكلتها عدة عوامل منذ الطفولة والتي قال عنها "لقد انعكست حياتي في الطفولة في الثلاثية إلى حد ما وفي "حكايات حارتنا" بشكل أكبر طفولة طبيعية، لم أعرف الطلاق أو تعدد الزوجات، أو اليتم، طفولة طبيعية بمعنى أن الطفل نشأ بين والدين يعيشان حياة هادئة مستقرة "
حرم محفوظ في طفولته من العلاقات بين الأخوة والأشقاء هذا على الرغم من وجود ستة أشقاء له ويرجع ذلك إلى فرق السن الكبير بينهم فكان الفرق بينه وبين أصغر أخ له خمسة عشر عاماً، فنشأ محفوظ كأخ وحيد محروماً من الإحساس بالإخوة لهذا لجأ في معظم أعماله إلى تصوير علاقات الأخوة بين الأشقاء ويظهر ذلك في "الثلاثية" و"بداية ونهاية" و"خان الخليلي" ويقول "لم أجرب هذه العلاقة في الحياة الحقيقية"
وفي الطفولة تشكلت الحارة بجميع أبعادها في ذهن محفوظ، فكان سطح المنزل الواقع في مواجهة قسم الجمالية ويطل على ميدان بيت القاضي بمثابة برج المراقبة ومكان اللعب المفضل الذي يطلع من خلاله على الحارة وبيوتها وأهلها وجميع المظاهرات التي مرت ببيت القاضي، وارتبط محفوظ بالجمالية بشكل كبير حتى انه بعد وفاة والده وعقب انتقاله مع والدته إلى العباسية ظلت الجمالية المكان المشدود والمتطلع إليه.
وخلال أحاديثه يكشف محفوظ أن شخصية "السيد أحمد عبدالجواد" في ثلاثيته الشهيرة قد استوحاها من إحدى الأسر التي كانت تسكن في مواجهة منزلهم "كان البيت مغلقاً باستمرار نوافذه لا تفتح أبداً ولا يخرج منه إلا صاحبه رجل شامي أسمه الشيخ رضوان، مهيب الطلعة، وكانت أمي تصحبني لزيارة هذه الأسرة، وكنت أرى زوجة الرجل غير المسموح خروجها"
مظاهرات زمان


 
نجيب محفوظ 
وعن السياسة في حياة محفوظ يوضح جمال الغيطاني أن السياسة دخلت حياته منذ الطفولة عندما كان يرى المظاهرات في بيت القاضي، وكان والديه متعاطفين مع الوفد وإذا ذكر اسم سعد زغلول يذكر باحترام واجلال.
ويشير محفوظ إلى أن المدرسين هم من زرعوا في أرواحهم الوطنية وعلموهم أصولها وخاصة المعممون من أساتذة اللغة العربية فكانوا يتحدثون عن الوطنية خلال الحصص ويوبخون الطلبة الذين لا يشتركون في المظاهرات أو يتهربوا منها، ولقد اشترك محفوظ في جميع المظاهرات التي جرت موضحاً ان المظاهرة التي مات فيها فهمي عبد الجواد في الثلاثية مظاهرة حقيقية من الناحية التاريخية.
يقول محفوظ "ما أذكره ويهزني حتى الآن مظاهرات النساء في ميدان بيت القاضي وشوارع الجمالية" ويوضح أن مظاهرات نساء الحواري والأزقة كان شيء لا مثيل له، بينما كتب التاريخ لا تذكر سوى مظاهرات المحجبات من سيدات المجتمع. 

نجد السياسة حاضرة في جميع ما كتب محفوظ ويبرر ذلك لكونها محور تفكيرنا، فالصراع السياسي موجود حتى في رواية "أولاد حارتنا" والتي يوجد بها الصراع على الوقف، ويقول محفوظ أنه بعد ثورة يوليو 1952 تناول موضوعات حساسة جداً مثل "ميرامار " أو "ثرثرة فوق النيل"، مؤكداً  أنه لم يرفض ثورة يوليو مطلقاً ولم يكتب أي عمل ضدها ويقول "كنت أوجه النظر إلى سلبيات تسئ إلى الثورة"

 
   
التوقف عن الكتابة
في كتاب " نجيب محفوظ يتذكر" يتعرض محفوظ لمسألة توقفه عن الكتابة مرتين في حياته الأولى عام 1952 بعد الثلاثية ويقول "كانت لدي موضوعات لا ينقصها إلا الكتابة، وماتت الرغبة" والمرة الثانية بعد الخامس من يونيو 1967 ويصفها بـ "رغبة وانفعال شديد، ولا موضوعات، لهذا كنت ابدأ من الصفر ولا أدري كيف سأنتهي" .

وعن سبب توقفه للمرة الأولى والتي امتدت لخمس سنوات يبرر بان الثورة حققت أهدافها وان المجتمع لم يعد فيه القضايا التي تستفزه، وكان سبباً وفقاً له يبعد عنه الشبهات خاصة وان السؤال حول سبب التوقف له جانب سياسي، وبعد فترة التوقف هذه التي عمل فيها كسيناريست للسينما لم يكتب محفوظ أي أدب ولا حتى القصة القصيرة وعندما استأنف الكتابة بدأ في "أولاد حارتنا".
مما قاله محفوظ بعد نكسة 67 "لو صح أن كتاباتي تحولت إلى ما يشبه الفوازير والأحاجي بعد النكسة فلربما كان تفسير ذلك أن حياتي – وربما حياة الآخرين – تحولت إلى ما يشبه الفوازير والأحاجي في أعقاب النكسة!

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced