الذكاء الاصطناعيّ... هل يكون تقليد سلوك النمل الحل للذكاء الحقيقي؟
نشر بواسطة: Adminstrator
الجمعة 03-09-2010
 
   
وكالات
أحد الأفكار التي يستخدمها كتّاب قصص الخيال العلمي لإخافة قرّائهم، قدرة النمل على تطوير ذكائه وغزو الأرض. وفعلاً يبدو النشاط الجماعي المصمم للنمل وغيره من حشرات اجتماعية ذكياً في الظاهر. ذلك وهم على ما يُفترض، لكنه قد يكون وهماً كافياً ليستخدمه علماء الكمبيوتر. على رغم فشل هؤلاء الذريع في البحث عن ذكاء اصطناعي على شاكلة أدمغة البشر، إلا أن الذكاء الاصطناعي الذي يستند إلى سلوك النمل يحقّق بعض النجاح.

استقطب النمل في البداية اهتمام مهندسي البرمجيات في مطلع تسعينات القرن الماضي. لا تستطيع النملة الواحدة إنجاز الكثير بمفردها، إنما المستعمرة ككل قادرة على حل مسائل صعبة مثل بناء عش ذي بنية معقّدة، صيانته وملئه بالطعام. بدا ذلك مألوفاً لأمثال ماركو دوريغو، الذي يعمل اليوم باحثاً في جامعة بروكسل الحرة وشارك في إنشاء حقل بات يُعرف باسم ذكاء الأسراب.
أُثير اهتمام الدكتور دوريغو بوجه خاص حين علم بأن النمل يجيد اختيار أقصر طريق ممكنة بين مصدر الطعام وعشّه. يذكّر ذلك بمعضلة حسابية كلاسيكية مرتبطة بالبائع المتجوّل. يُعطى البائع قائمة بالمدن والمسافات التي تباعد بينها، وعليه إيجاد أقصر طريق لزيارة كل مدينة مرّة واحدة. ومع ازدياد عدد المدن، تصبح المسألة أكثر تعقيداً. سيستغرق أي جهاز كمبيوتر يحاول حلّها وقتاً أطول، وسيستخدم المزيد من القوة المعالجة. يكمن بالتالي سبب أهمية مسألة البائع المتجوّل في أن مسائل معقدة كثيرة أخرى، بما فيها تصميم شرائح سيليكون وجمع تسلسلات الحمض النووي، ليست في النهاية سوى نسخة معدّلة عنها.
في هذا الإطار، يعمد النمل إلى حلّ نسخته الخاصة من المشاكل عبر استخدام إشارات كيماوية تُدعى الفرمونات. حين تجد نملة طعاماً، تنقله إلى العش، مخلّفةً ذيلاً من الفرمونات يجذب غيرها من النمل. وكلما ازداد عدد النمل الذي يلحق بالذيل، أصبح هذا الأخير أقوى. لكن الفرمونات تتبخر بسرعة، لذا حين يُجمع كامل الطعام، سرعان ما تفتر جاذبية الذيل. فضلاً عن ذلك، يدل هذا التبخّر السريع على أن الذيول الطويلة أقل جاذبية من القصيرة. بنتيجة الأمر، تضخّم الفرمونات الذكاء المحدود لكل نملة وتزيد قوّته.

التفكير كالنمل

باشر دوريغو وفريقه في العام 1992 تطوير خوارزمية {استمثال مستعمرة النمل} التي تسعى وراء حلول للمسائل عبر محاكاة مجموعة من النمل تجول في منطقة وتطلق الفرمونات. أثبتت هذه العملية فاعليتها في حلّ مسائل من النوع الذي يحيّر البائعين المتجوّلين. ومنذ ذلك الحين، تطوّرت لتشكّل جزءاً من سلسلة كاملة من الخوارزميات طُبّقت على مسائل عملية كثيرة.
طُبقت هذه الخوارزمية بنجاح في المجال اللوجستي خصوصاً. تدير سلسلة المتاجر الكبيرة السويسرية، {ميغروس{، وإحدى أبرز شركات صناعة المعكرونة في إيطاليا، {باريلا}، عمليات تسليم بضائعها يومياً من مستودعاتها المركزية إلى متاجرها المحلية للبيع بالتجزئة عبر استخدام AntRoute. طوّرت هذا البرنامج شركة AntOptima، المتفرّعة من {معهد دالي مولي للذكاء الاصطناعي في لوغانو{، أحد أبرز مراكز ذكاء الأسراب في أوروبا. في كل صباح، يحسب {النمل} في البرنامج أفضل الطرق ونماذج التسليم، بالاستناد إلى كمية الشحنة، وجهاتها، زمن تسليمها، والشاحنات المتوافرة لها. وفقاً للوتشا غامبارديا، مديرة معهد دالي مولي و AntOptima، يستغرق إعداد خطة تسليم لـ1200 شاحنة 15 دقيقة، على رغم أن الخطة تتغير يومياً تقريباً.
طُبّقت الخوارزميات الشبيهة بآليات عمل النمل أيضاً على مسألة نقل المعلومات عبر شبكات التواصل. لهذه الغاية، طوّر دوريغو وجياني دي كارو، باحث آخر في معهد دالي مولي، بروتوكول AntNet لتوجيه المعلومات حيث تنتقل حزم من المعلومات من عقدة إلى أخرى، مخلّفةً أثراً يشير إلى {نوعية} رحلتها خلال عملية انتقالها. وهكذا تتعقب الحزم الأخرى الذيول التي خُلّفت وتختار وجهتها على ذلك الأساس. أثبت AntNet تفوّقه على بروتوكولات التوجيه الراهنة في ما يتعلّق بعمليات المحاكاة بواسطة الحاسوب والاختبارات على الشبكات الصغيرة النطاق، لأنه يتمتع بقدرة أكبر على التكيّف مع الظروف المتغيرة (مثل حركة مرور متزايدة) وبمقاومة أقوى لإخفاقات العقد. وفقاً لدي كارو، أبدت شركات كبرى كثيرة تعمل في مجال توجيه المعلومات اهتماماً
بـ AntNet، لكن استخدامه سيتطلب استبدال الأجهزة الراهنة بتكلفة كبيرة. مع ذلك، يبدو بروتوكول التوجيه المُصمم على شاكلة آليات عمل النمل واعداً لشبكات الهواتف الخليوية التي تستخدمها القوات المسلّحة ووكالة الحماية المدنية.
في المقابل، يُعتبر توجيه البايتات والشاحنات مسألة منعزلة، كما يسمّيها علماء الرياضيات، محصورة بعدد محدد إنما ضخم من الحلول. أمّا بالنسبة إلى المشاكل المتواصلة، التي لديها عدد لامتناهٍ من الحلول، مثل إيجاد أفضل شكل لجناح طائرة، فيُفضّل استخدام نوع آخر من ذكاء الأسراب. استُوحيت عملية {استمثال محاكاة أسراب الطيور} التي ابتكرها جيمس كينيدي وراسل إبرهارت في منتصف تسعينات القرن الماضي، من الطيور وليس الحشرات. حين نضع جهاز حمل طعام الطيور على الشرفة، قد تستغرق الطيور بعض الوقت لإيجاده، لكن ما إن تجدها حتى تبدأ أسراب أخرى كثيرة بالاحتشاد بعد وقت قصير. وهكذا تحاول خوارزميات {استمثال محاكاة أسراب الطيور} إعادة توليد هذا الأثر. فتحلّق الطيور الاصطناعية في الأرجاء عشوائياً، إنما تبقي عينها على الطيور الأخرى وتتبع دائماً الطير الأقرب إلى {الطعام}. حتّى الساعة اختُبر 650 تطبيقاً لـ{استمثال محاكاة أسراب الطيور{، بدءاً من تحليل الصور والأشرطة المصورة إلى تصميم الهوائيات، ومن أنظمة التشخيص في الطب إلى كشف الأخطاء في الآلات الصناعية.
لا شك في أن النمل والطيور الرقمية بارعة في ابتكار حلول للمسائل المعقّدة، لكن دوريغو يجري أبحاثاً اليوم حول ما قد يتحرّك ويفكّر في آن: الرجال الآليون. يضاهي سرب من الرجال الآليين الصغار والقليلي التكلفة قدرة الرجال الآليين الكبار والباهظي الثمن على التوصل بالتعاون إلى النتائج عينها، وبمرونة ومتانة أكبر. وإن تداعى أحد الرجال الآليين، يواصل السرب مسيره. في وقت لاحق من الصيف الراهن، سيكون دوريغو مستعداً لعرض مشروعه باسم Swarmanoid الذي يستند إلى ثلاثة أنواع من الرجال الآليين الصغار والبسيطين، يضطلع كل منهم بمهمة مختلفة، ويتعاونون على اكتشاف بيئة ما: العين الآلية تلقي نظرة في الأرجاء وتحدد موقع الأشياء المهمة؛ القدم الآلية توصل اليد الآلية إلى الأماكن التي ترصدها العين الآلية؛ واليد الآلية التي تلتقط الأشياء المهمة؛ وجميعها تدير المنزل.
ذلك كلّه يُنجز من دون خطة مسبقة أو تنسيق مركزي، إنما يعتمد على التفاعلات بين الرجال الآليين الفرديين. وفقاً لدوريغو، يمكن استخدام أسراب آلية كهذه لأداء دور المراقب والمنقذ، مثل تحديد موقع الناجين من الحوادث وإنقاذ السلع القيّمة عند نشوب حريق.
الرقص الذكي

قد لا يشبه الرجال الآليون في مشروع Swarmanoid المخلوقات التي ألهمت هذا المجال بشكل أساسي، لكن الحشرات لا تزال تلهم المبرمجين. طوّر فريق دوريغو مثلاً نظاماً يسمح للرجال الآليين برصد فرد معطّل بين أفراد السرب، وقد استُوحي ذلك من الطريقة التي تُزامن فيها بعض الخنافس المضيئة انبعاثاتها الضوئية لكي تضيء الشجرة أو تنطفئ بالكامل. يقوم الرجال الآليون بالمثل، فإن انحرف أحد الأضواء عن الزمن الواحد بسبب عطل ما، يستطيع الرجال الآليون الآخرون الرد بسرعة، عازلين الضوء المستقل لمنعه من التسبّب بمشاكل، أو مستدعينه إلى القاعدة لسحبه.
ذلك كله مشجّع، لكن كل من يبدي اهتماماً بمسألة الذكاء الاصطناعي لا يسعه سوى العودة إلى الفكر البشري والتساؤل عما يجري فيه. كذلك، ثمة من يعتقد بأن ما توصل إليه دوريغو وزملاؤه، بعيداً عن كونه انخداعاً بالذكاء، قد يشكّل نظيراً جيّداً للعملية التي تشكّل أساس الذكاء الحقيقي.
وفقاً لفيتو ترياني من معهد العلوم والتكنولوجيات المعرفية في روما، تشبه الطريقة التي ينتقي بها النحل مواقع بناء أعشاشه مثلاً ما يحدث في الدماغ إلى حدّ كبير. يستطلع النحل المستكشف منطقة ما بحثاً عن المواقع المناسبة. وحين يكتشف موقعاً ملائماً، يعود إلى العش ويؤدي رقصة اهتزازية شبيهة بتلك المستخدمة للدلالة على أماكن وجود الأزهار الغنية بالرحيق، لتجنيد مستكشفين آخرين. كلمّا كانت نوعية الموقع المستطلعة أفضل، طالت الرقصة وتعززت عملية التجنيد، إلى أن يُجنّد ما يكفي من المستكشفين ويتبعهم باقي السرب. وهكذا إذا ما استبدلنا الخلايا العصبية بالنحل والنشاط الكهربائي بالرقصات الاهتزازية، سنحصل على وصف جيّد لما يحدث حين يولّد محفّز ما رد فعل في الدماغ.
في هذا السياق، يعتقد مؤيدو ما يُسمّى إدراك الأسراب، أمثال ترياني، بأن الدماغ قد يعمل مثل سرب من الخلايا العصبية من دون تنسيق من الأعلى. برأيهم، حتّى الوظائف المعرفية المعقّدة، مثل التفكير والوعي التجريديين، قد تنشأ عن تفاعلات بين خلايا عصبية تؤدي رقصاتها الاهتزازية.

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced