العتاكة) جمعتهم الظروف القاسية وفرقتهم أشياء (المزابل)
نشر بواسطة: Adminstrator
الثلاثاء 28-04-2009
 
   
النور/ جبار بجاي
يستلف إبراهيم حميد مبلغ عشرين ألف دينار يوميا من تاجر العتيق ، هي  بمثابة رأس المال الذي يشتري به العلب المعدنية والأوعية البلاستيكية وبقايا الأشياء العتيقة ليبيعها إلى أبي مهند، ذلك الرجل الذي أجبرته الظروف يوما ما على بيع بعض الأشياء العتيقة في منزله لكنه ما لبث أن أصبح الآن تاجرا للعتيق ترتبط به مجموعة من الأطفال يطلق عليهم ( العتاكة ) بعد أن أدمنوا العمل في العتيق لكسب قوتهم اليومي.
لم يكن إبراهيم وحده من لجأ الى هذه المهنة فمعه أخواه ميثم وضياء وأطفال آخرون يسلفهم أبو مهند مبالغ تترواح مابين 20 ـ 30 ألف دينار يوميا ليتوزعوا أفرادا وجماعات يجوبون شوارع وأزقة مدينة الكوت ثم يعودون في الظهيرة بما رزقهم الله من مواد مختلفة يسلمونها الى التاجر نفسه مقابل ربح بسيط لا يزيد عن خمسة آلاف دينار لكل منهم.
وقال ابراهيم حميد، 12 عاما في حديث لـ( النور) لقد دفعتني الظروف للعمل في هذه المهنة التي انتشرت في السنوات الأخيرة وشاعت معها كلمة المعاد، فهي الأنسب لي كونها لا تحتاج إلى رأس مال وتدر علي دخلا جيدا، ففي كل يوم احضر ومعي عدد كبير من الأصدقاء إلى هذا المكان (منطقة الشيشان) في وسط مدينة الكوت حيث يسلفني أحد الأشخاص مبلغا من المال كما يسلف الاخرين يوميا مبالغ مماثلة عندها نتوزع في احياء المدينة لنشتري له الأشياء العتيقة مثل الخفيف والثقيل والسيم والقوطية.
وأوضح أن الخفيف والثقيل هي أنواع الألمنيوم، والقوطية هي علب المشروبات الغازية، والسيم هو أسلاك المحركات الكهربائية والصفر هو الطحين الذي يوزع من الوكلاء، فكل هذه الأشياء نشتريها بأثمان بسيطة وفي بعض المرات نجدها في المزابل لنبيعها في ما بعد الى صاحبنا التاجر على وفق تسعيرة السوق اليومية، فمثلا الخفيف 650 دينارا للكيلو غرام والثقيل 500 دينار والقوطية 900 دينار والخبز اليابس 250 دينارا والسيم 600 دينار والبطارية الكبيرة  12000 دينار والصغيرة ثمانية آلاف دينار ليكون معدل ما احصل عليه يوميا من أرباح صافية مابين خمسة الى عشرة آلاف دينار.
ويقول شقيقه ضياء نحن عبارة عن شبكة من الأشخاص  معظمنا من الأحداث جمعتنا الظروف المعيشية الصعبة لممارسة هذه المهنة ونعمل على وفق نظام المجموعات كل مجموعة تختار منطقة أو حيا سكنيا ليكون محيط عملها ونستبدل تلك المناطق بيننا كل أسبوع.  مشيرا الى أن هذا الامر يحقق بيننا العدالة فبعض المناطق تكون متخمة بالأشياء التي نبحث عنها ونطلق عليها في ما بيننا ( صاكة ) في المقابل هناك مناطق شحيحة ونسميها ( يابسة ) .
ولفت ضياء الى أن تجارة ( القواطي ) والمقصود بها علب المشروبات الغازية المصنوعة من الفافون تلاقي رواجا هذه الايام لكثرة الطلب عليها من قبل التجار الذين بدورهم يبيعونها الى تجار آخرين في بغداد لتذهب الى المعامل ويعاد تصنيعها من جديد.
يقول حسن عبيد البالغ من العمر نحو عشر سنوات و يقود بجدارة مجموعة من العتاكة اختارت منطقة الهورة في وسط مدينة الكوت،180 كم جنوب شرق بغداد مكانا لعملها إن هذه المنطقة والمناطق المحيطة بها تكثر فيها العلب التي نجدها عادة في المزابل وقرب المطاعم أو محال بيع المشروبات الغازية من دون أن نشتريها وبذلك نحصل على ارباح جيدة تصل في بعض المرات الى، 15000 دينار يوميا لكل منا .
وأضاف لـ( النور) هناك منافسون جدد بدأوا يضايقوننا هم أصحاب تلك المطاعم أو المحال أنفسهم اذ اخذوا يجمعون تلك العلب عند إلانتهاء منها من قبل الزبائن وبالتالي يبيعونها علينا الأمر الذي تسبب في تراجع أرباحنا.
ليس الاطفال وحدهم من صار يمارس تجارة العتيق بل هناك من يكبرونهم سنا غادرتهم الدنيا وأخذت من عنفوانهم الكثير، بينهم نساء ورجال كبار جمعتهم الاقدار، كل هؤلاء أدمنوا العمل في العتيق وصاروا كالبراغي في ماكنة تجار العتيق، وانتظموا في مجاميع مشتركة والغريب في الأمر أنهم لا يحبون المنافسة مع تجار من خارج مناطق عملهم أيضا
فالسيد شاكر 45 سنة تحصيله الدراسي جيد يدير مجموعة مكونة من عشرة اشخاص يسلفهم كل صباح ما يحتاجونه من المال وفي المساء تتم تصفية الحسابات على قدر الكميات المشتراة من مختلف الأشياء بأسعار متفق عليها. وهؤلاء أيضا يديرون مجاميع اصغر ترتبط مع كل واحد منهم فيجوبون المناطق لشراء الأشياء العتيقة بشرط ان تكون مطابقة لما يريده شاكر الذي قال  لدي أكثر من مجموعة اقوم بتسليفهم يوميا مبالغ بسيطة لن تزيد عن، 25000 دينار لكل منهم، هؤلاء يعملون بجدية وهم محط ثقة كبيرة بالنسبة لي وكلهم متخصصون بشراء العلب المعدنية المسماة ( قواطي البيبسي ) وانا اشتريها منهم بأسعار متفق عليها تحقق لكل منهم الربح المناسب فيأخذون ارباحهم  وينسلون تاركيني مع مجموعة اخرى مهمتها تنظيف المواد وتعبئتها في اكياس كبيرة ومن ثم اقوم بنقلها الى تاجر آخر وبأسعار تحقق لي ربحا جيدا 
من الجهة الاخرى للشارع توقف الحصان المجهد من العربة التي يجرها خلفه بعد ان وصل الى محطته الاخيرة، فترجل شاب في العشرين ومعه امرأة يدل صوتها الخافت أنها تعيش ظروفا صعبة، كانت  هذه المرأة تضع النقاب على وجهها لكن عينيها فقط لم يلفهما ذلك النقاب الاسود الذي بمثله تلف أيديها وأرجلها، اتكأت على الميزان بعد أن أفرغت حمولة العربة وكانت أكياسا من الخبز اليابس وعلب المشروبات الغازية وراحت تدقق حساباتها مع أبي مالك الذي يشتري منها الخبز اليابس.
وقالت لـ(النور) إن حديثي للصحافة له شرط معكم .وحين سألناها عن هذا الشرط قالت بعفوية ( يمه ما أريد تصوير ) قبلنا ذلك عندها أضافت  إنني ابلغ  من العمر 48 عاما أعيل خمسة اولاد ولي بنت متزوجة وهذا الذي يعمل معي هو زوجها، مارست هذه المهنة منذ مرض زوجي المزمن قبل نحو أربع سنوات حيث أصيب بالشلل الرباعي جراء حادث مروري وقع له. مشيرة الى أنها تختص بشراء الخبز اليابس فيما يختص زوج ابنتها بشراء العلب المعدنية وأن معدل ارباحها يوميا يتراوح مابين عشرة الى عشرين الف دينار وفي بعض المرات يكون أكثر من ذلك بقليل .
وأوضحت أن بعض ربات البيوت يعطنني الخبز اليابس مجانا وأنا أبيعه فيتحقق لي ربح جيد استطيع من خلاله تدبير مصاريف المنزل والأولاد وعلاج زوجي
ظافر عبد النبي، 14 عاما قال  حين لم أوفق في المدرسة تركتها من دون ان أكمل السادس الابتدائي واتجهت للبحث عن عمل مناسب وكانت هذه المهنة هي الأنسب لي لأنها لا تحتاج رأس مال فقد استلفت مبلغ عشرة آلاف دينار من التاجر وكانت البداية بكفالة صديق لي هو من دلني على هذه المهنة".
وأضاف  بداية الأمر ذهبت وحدي أجوب المناطق وفي كل منطقة ادخل أجدها ( محجوزة ) لفريق من العتاكة وكان العراك مستمرا بيني وبين الآخرين فهم يمنعونني من دخول مناطق عملهم  الأمر الذي جعلني أتحسر كثيرا على المدرسة التي تركتها ورميت بنفسي إلى الشارع وهذه التهلكة ..
وأضاف  حاليا  أتحسر كثيرا وأنا أشاهد أصدقائي يذهبون إلى مدارسهم كل يوم وأتمنى ذات يوم العودة إلى المدرسة ولكن عندما يتحسن وضع عائلتي المادي وحين يتعافى والدي من مرضه ويخرج إلى العمل مرة ثانية 
ظافر الذي ترك أحلامه وطموحاته على ذمة المستقبل راح يتوارى عن الآخرين بعد أن تسلم أرباحه ذلك اليوم وكانت أربعة آلاف دينار تاركا تاجر العتيق يدقق حسابات الآخرين من الصبية الذين أجهدتهم ظروف العمل وبورصة العتيق كما يقول مؤيد الذي جاء ببضاعته من الوزن الثقيل وقبض عنها ربحا كان، 13000 دينار.
  بعد ان مالت الشمس نحو الغروب لملم شاكر الأشياء العتيقة التي جمعها الآخرون له ذلك اليوم  وبعثها إلى المخزن المؤجر لهذا الغرض لكنه قبل أن يغادر أتعاب يومه وهمومه الممزوجة بهموم الآخرين قال لـ( النور)  إن الدنيا حلقات مرتبطة ببعضها وما هؤلاء الأشخاص الذين يجمعون العتيق الا مصدر عيش لي ولعائلتي فأنا مثلهم  لم امتلك مالا لكنني استلف مبلغ مائتين وخمسين ألف دينار أسبوعيا من أحد التجار في بغداد وأقوم بشراء العتيق له بواسطة تلك المجاميع من الأطفال والنساء وكبار السن أيضا .
وأضاف أن  معدل أرباحي الأسبوعية مناسب ويكفي لسداد قوت عائلتي . مشيرا إلى أن المستقبل سوف يتغير كثيرا وتزول تلك المهن المذلة فالقادم من الأيام يبشر بالخير لكن متى ما التفتت الحكومة لهذه القطاعات المسحوقة من المجتمع وأوجدت لها القوانين التي تكفل حقوقها وتنصفها ولكي لا يكون الشعب بفئتين إحداهما تعيش التخمة والأخرى تعيش الفقر والجوع والحرمان مثل فئة العتاكة.

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced