ترى أنها اختارت الشيوعية بعد ان نضج لديها الوعي .. وهذا الاختيار ليس قدرا
حاورها :علاء المفرجي
الدكتورة سلوى زكو صحافية ومترجمة عراقية تقيم الآن في عمان. تخرجت من دار المعلمين العالية قسم اللغة الانكليزية 1956..
ثم التحقت لدراسة الدكتوراه في جامعة موسكو كلية الصحافة 1969 ، حيث التحقت بقسم الدراسات العليا في كلية الصحافة بجامعة موسكو في ستينيات القرن الماضي، نالت شهادة الدكتوراه، وكانت من الناشطات في مجالي العمل الاجتماعي والعلمي في موسكو. كتبت نصًا مسرحيًا وقصصًا قصيرة (تُرجم بعضُها إلى الإنكليزية والروسية). عملت منذ عام 2003 في حقل الصحافة والإعلام في العراق. عملت في صحف البلاد الجمهورية.
ثم عملت في شركة التأمين الوطنية عشر سنوات حتى 1988 .. مارست التدريس في مدرسة بغداد الدولية عشر سنوات حتى 2001 .. اعتقلت غي 1979 بسبب انتمائها للحزب الشيوعي ، وافرج عنها بعد فترة، بعدها تركت العمل الصحفي حتى سقوط النظام الدكتاتوري 2003، حيث عملت خلال هذه الفترة كرئيسة تحرير في جريدة المدى، ثم رئيسة للتحرير في جريدة النهضة، قبل أن تتولى تحرير مجلة تواصل.
(المدى) حاورت الدكتورة سلوى زكو للوقوف عن أهم محطات سيرتها الحياتية:
نبدأ من الطفولة للحديث عن ميولك للكتابة والعمل في الصحافة .. ما هي المراجع والمصادر منذ الطفولة التي غذت هذه الميول وجعلتها طريقا لك؟
- لكل منا طريقه الى الكتابة، وكان طريقي مختلفا على نحو ما. كثيرون يبدأون بتجارب عديدة في الكتابة ثم يهملون كتاباتهم الاولى وهو المنحى الطبيعي للتدريب على الكتابة والوصول الى الاسلوب الخاص بالكاتب. بالنسبة لي تفجرت الكتابة لدي فجأة واول عمود صحفي كتبته وجد طريقه الى النشر بلا عوائق. ربما كان الجندر هو السبب، ان يكون هناك قلم نسائي يكتب العمود الصحفي ولعلها كانت اول تجربة في الصحافة العراقية. بقية من عملن في الصحافة يومذاك كان يعهد لهن بتحرير صفحة المرأة، وكانت معظم الصحف تخصص صفحة اسبوعية للمرأة تخاطب في معظمها اهتمامات ربة البيت من تدبير منزلي وتربية الاطفال ..الخ. لماذا تفجرت عندي الكتابة فجأة؟ ليس لدي تفسير واضح ربما بسبب القراءات المبكرة. يقال ان القراءة تجلب الكتابة لكن هذا لا يحدث دوما. لاحظ اننا نتحدث عن جيل كانت القراءة متنفسه الوحيد. كان ذلك جيل يقرأ ويحفظ الشعر. كنا نحفظ مئات الابيات من الشعر كي ندخل مع بعضنا في منافسة كانت تسمى المطاردة الشعرية. لعل ما ساعدني وجود مكتبة في البيت بدأت في التهام كتبها واحدا بعد الآخر. كانت هناك كتب في التاريخ وعلم النفس والاجتماع وروايات مترجمة عن الادب العالمي، تلك التي كانت تنشرها دار النهضة الدمشقية.
انت من رواد الصحافة وكنت من اولى النساء اللواتي دخلن هذا المجال. هلا اعطيتنا فكرة ولو مختصرة عن مسيرتك المهنية منذ منتصف الخمسينات وحتى عام 2003
- كان من عادة والدي ان يعود الى البيت بمجموعة من الصحف اليومية كنت اقبل على قراءتها بشغف ربما لأنها تختلف عن الكتب. وجدتني فجأة أكتب عموداَ صحفياً في موضوع لا أتذكره اليوم ومؤكد أنه كان ساذجا. كنت يومذاك في الحادية والعشرين وفي السنة النهائية من دراستي الجامعية. ارسلت العمود إلى جريدة البلاد عن طريق البريد فوجئت به منشورا بعد يومين. ارسلت الثاني والثالث ثم استدعاني الراحل كمال بطي وكان رئيسا للتحرير وكلفني بكتابة عمود ثابت كل اسبوع وبقي الأمر على هذا الحال زمنا. استدعاني يوما لمقابلته وطلب مني ان اكتب الأن عموداً في موضوع معين. أجلسوني الى طاولة كتابة صغيرة في مكتب رئيس التحرير كتبت العمود وسلمته. قرأه رئيس التحرير ثم علت وجهه ابتسامة عريضة وهو يقول لي أتدرين كنا جميعا قد شككنا بأن هناك وراء هذا العمود رجل يتخفى خلف أسمك وأنك مجرد واجهة للنشر. انتهى اللقاء بتعييني محررة بدوام يومي وبراتب شهري قدره 11 دينارا. كنت الوحيدة بين مجموعة من الرجال جئت بلا خبرة صحفية على الاطلاق. نظموا لي برنامج تدريب مكثف أمضيت فيه اسبوعا في كل قسم من اقسام الجريدة. في جريدة البلاد تعلمت الصحافة ومعنى ان تكون صحفيا. جاءت ثورة تموز وسرعان ما تدهور المناخ السياسي فغادرت الى الاتحاد السوفييتي لاستكمال دراستي للصحافة. أمضيت هناك سنوات كان العراق فيها يخوض في بحر من الدم ولم اعد الا عام 1969، بعد ان هدأت الامور قليلا. لم اعثر على عمل رغم تكرار المحاولة مع الجامعة والمؤسسات الصحفية التي كانت كلها تابعة للدولة. وبتدخل من زملاء في نقابة الصحفيين تم تعييني في وزارة الإعلام والقوا بي الى دائرة تدعى رقابة المطبوعات كانت تسمى منفى وزارة الاعلام. أمضيت فيها اربع سنوات وبتدخل من عدد من الزملاء الصحفيين تم نقلي الى جريدة الجمهورية، ومن الجمهورية الى النقل المفاجئ الى شركة التأمين ثم وجدت طريقي الى طريق الشعب تلاها الاعتقال فالصمت التام عن الكتابة. مر اكثر من عشرين عاما لم انشر فيها حرفا واحدا حتى سقوط النظام .. قصة طويلة يصعب سرد تفاصيلها هنا في سطور قليلة.
عاصرت تجربة العمل في صحافة الحزب الشيوعي منذ بدايتها تقريبا . أي الفترات تجدينها اكثر عطاء وايها التي تركت لديك الكثير من الذكريات؟
- لم اعمل في صحافة الحزب الا في السبعينات يوم التحقت بطريق الشعب. كانت تجربة لا تشبه كل ما سبقها. كانت طريق الشعب مدرسة لكل من عمل فيها، هناك تتعلم معنى مهنية الصحافة. كان العمل جماعيا بمعنى الكلمة الكل يشارك في مناقشة الموضوع المرشح للنشر. جئت الى طريق الشعب من جريدة الجمهورية هناك عندما تريد ان تقابل رئيس التحرير عليك ان تمر بالسكرتير لتشرح له اسباب المقابلة يقتنع بأسبابك فيسمح لك او لا يقتنع. في طريق الشعب وجدت باب رئيس التحرير مفتوحا لنا جميعا ومن شاء ان يناقش (ابو مخلص) في أي موضوع يخص عمله سيجده في انتظاره بلا تذمر او تهرب. كانت لطريق الشعب شبكة واسعة من المساهمين في تحريرها من كل المحافظات. كنا نتلقى يوميا بريدا هائلا من التحقيقات الصحفية والتقارير والمقابلات والنتاج الابداعي نمضي وقتا طويلا في فحصها وفرزها، وهذه لم اجدها في أية صحيفة اخرى. في طريق الشعب تدربت على العمل الصحفي أعداد كبيرة من الشباب اصبح بعضهم اسماء لامعة في الصحافة. حتى ان قاسم (جايجي) الجريدة وكنا نسميه قسومي لصغر سنه بدأ يكتب موضوعات صحفية، ورعاه يومذاك الراحل حميد بخش وظل زمنا يصنع الشاي ويكتب. غادر قسومي مع من غادر ليصبح اليوم واحدا من الاسماء الصحفية في بلدان المهجر. من عباءة السبعينات ومن طريق الشعب خرج طيف واسع من المثقفين انتشر في المهاجر وواصل كثيرون منهم عملهم الصحفي والابداعي. تسلمت في طريق الشعب رئاسة القسم الثقافي وكانت هناك صفحة ثقافية يومية. وجدت ان الصفحة كلها مكرسة للأدب شعر وقصة ونقد ادبي، ربما لان معظم العاملين في القسم او كلهم جاءوا من بوابة الادب وكنت الوحيدة من بينهم لا اكتب الشعر ولا القصة ولا الرواية لكني جئت من بوابة الصحافة. سعيت الى انفتاح الصفحة على الثقافة بمفهومها الواسع فأصبحت هناك صفحة اسبوعية للمسرح واخرى للسينما وثالثة للتراث وهكذا. غضب علي بعض من زملائي في القسم لكنهم تفهموا الامر بعد ذلك وسارت بنا الامور بسلاسة. كانت السبعينات فترة عصيبة على كل من عمل في الجريدة وهي فترة الجبهة. كان زمنا مليئا بالريبة بين الطرفين المتحالفين انعكس بطبيعة الحال على عملنا الصحفي. في كل اجتماع اسبوعي للجبهة كان وفد الحزب يجد على طاولة الاجتماع نسخا من طريق الشعب مؤشر على سطورها بالأحمر والبعثيون يلومون الشيوعيين على خروجهم عن التحالف. كان نوعا من الابتزاز السياسي والدفع بالحزب الى موقع الدفاع عن نفسه. في تلك الاجواء الملغومة تعلمت معنى دقة العبارة ان كنا نكتب بلا مواربة ولا إيحاءات بين السطور ولا معنى مزدوجا للكلام وظلت هذه ترافقني زمنا طويلا الى ان تعلمت مجددا كيف امرر الفكرة بلا كلمات مباشرة.
عملت بعد التغيير برئاسة تحرير صحيفتين هما الاهم في الصحف التي صدرت في تلك الفترة واعني بهما (المدى والنهضة) ما هو تقييمك لحرية العمل الصحفي في تلك الفترة، وهل ادت اغراضها؟
- كانت الامور يومذاك في بداياتها والصحف تصدر بالمئات سيتلاشى معظمها بعد زمن قصير. كان التنافس على الصدارة بين المدى والنهضة لكن هذه الاخيرة توقفت فجأة اثر خلاف دب بين اصحابها (تجمع الديمقراطيين المستقلين) وظلت المدى تعاند الزمن كل هذه السنين. وانت تعمل بلا ضوابط ولا مصدات في ظل نظام جديد لم تتحدد هويته بعد يصعب ان تسمي ذلك حرية صحافة لأنها لم تكن مرسومة ولا مقصودة جاءت في خضم ايام عاصفة من التحول من النظام الدكتاتوري الى الصراع من اجل رسم ملامح المرحلة الجديدة. كانت تلك مرحلة مرت سريعا وعندما تحددت هوية النظام برز الوجه الحقيقي للموقف من الحريات. ما يحسب للمدى انها حافظت على خطها الذي رسمته منذ عددها الاول ولم تنزلق الى اي من الخنادق التي حفرت فيما بعد. كثير من وسائل الاعلام سقطت في هذا المنزلق؟
ما الانطباعات التي تحملينها عن عملك في المدى والاشخاص الذين عملوا معك؟
- كانت المدى مشروعا في رأس الاستاذ فخري كريم رغم كل النجاحات التي حققتها مؤسسته الثقافية، وما ان سقط النظام حتى بدأ بتحقيق حلمه. كان (ابو نبيل) ما يزال في دمشق يوم كلفنا نحن الاربعة ومعي سهيل سامي نادر وزهير الجزائري ورياض قاسم بالشروع في التأسيس للمدى. بدأنا العمل من بيوتنا اذ لم يكن لدينا مقراً، ولم يكن ممكنا ان ننتظر المبنى القديم الذي خصصه ابو نبيل للمدى فلقد كان بحالة مزرية ويحتاج الى شهور من الترميم. وجد لنا زهير الجزائري مكتبا في شارع فلسطين يعود لاحد أقاربه تنازل عنه للمشروع الجديد. بدأنا بتكوين كادر المدى والتف حول المشروع الواعد عدد من خيرة المثقفين اذكر من بينهم عبد الزهرة زكي، د. حيدر سعيد، وجمال العميدي وقاسم محمد عباس وعلاء المفرجي، وصفاء صنكور، واحمد السعداوي، ووارد بدر السالم، ومحمد درويش، وخالد محفوظ وعدنان منشد.. وآخرون ثم انضمت الينا السيدة غادة العاملي التي وضعت التصميم الاساس للمدى.
بدانا بجهازي كومبيوتر ومروحة منضدية صغيرة واكداس من الاوراق والافلام وشحنة تفاؤل هائلة بالمشروع الصحفي الجديد. في البداية صدرت المدى اسبوعية، ثم عددين في الاسبوع، وعاد ابو نبيل من دمشق ليقود العمل. وانت تعمل مع هذا الرجل عليك ان تلهث راكضا وراء افكاره التي تتناسل كل يوم. فاجأنا يوما ابو نبيل بقوله الاسبوع القادم تصدر المدى يومية. انتابنا جميعا الذعر من الاقدام على هذه الخطوة فالعمل في عدد اسبوعي يكون مسترخيا اما العدد اليومي فسيكون امتحانا صعبا. قال لنا ابو نبيل اسمعوا في اي وقت اقول لكم نذهب الى اليومي سأواجه بمثل هذه الاعتراضات .. كلمة اخيرة الاسبوع القادم تصدر المدى يومية وقد كان. ستتحول المدى بعد حين الى مدرسة صحفية يندر اليوم ان تجد اسما صحفيا لم يمر بالمدى.
وقفنا اولا عند ميولك للكتابة والصحافة، ولكن كيف اذن اقتربت من اليسار العراقي وتحديدا من الحزب الشيوعي بمعنى من كان له التأثير المباشر عليك؟ وهل تعتبرين حتى الان اختيارك هذا قدرا ام قناعة تاريخية؟
- تأخر الوعي لدي الى ما بعد اكمالي لدراستي الجامعية. لم يكن في بيئتي القريبة احد يتعاطى العمل السياسي او حتى الاهتمام بالشأن العام. اكتفت ذلك بالتدريج مع عملي في الصحافة وهو عمل سياسي على وجه من الوجوه. هناك تفتحت امامي عوالم لم اكن اعرف عنها شيئا. كان انضمامي الى رابطة المرأة العراقية مرحلة اخرى قربتني الى اليسار. اليسار ما هو الا موقف من الحياة والبشر الذين يشاركونك رقعة الارض التي تعيش عليها . ان تقترب من هموم الناس وما ان تعرفها حتى يتحدد موقفك منها لتجد نفسك وقد ابتعدت عن نوازعك الشخصية وتخليت عن اطماعك الصغيرة. كانت هذه بالنسبة لي انتقالة نوعية اما الخيار الشيوعي فأنه جاء في مرحلة تالية من الوعي تبنيته عن قناعة تامة بعد ان نضج لدي الوعي لذا لا يمكن ان نطلق عليه انه كان قدرا.
انت ساهمت بشكل فعال في الحركة الثقافية العراقية كتبت نصا مسرحيا وقصصا قصيرة ترجمت الى الانكليزية والروسية وكتبت مقالات فكرية كثيرة لكنك آثرت العمل في الصحافة، لماذا هذا الاختيار؟
-العمل في الصحافة متعة لا تضاهيها متعة. انت هنا امام تحد دائم ان تقدم الجديد كل يوم فالخبر (البايت) خبر ميت وتحليل الحدث، ان جاء متأخراً لا قيمة له وان كررت نفسك ستنتهي صلتك بالصحافة. الصحافة مهنة تضع ذهنك وقدراتك في حراك دائم تظل معه تتأرجح على حافة القلق ومتعة التحدي هذه لن تجدها في اية مهن اخرى. والعمل في اصحافة له مخاطره وفي تحدي الخطر متعة اخرى اما بقية النشاطات من مسرح وقصة جاءت كلها من باب التجربة لم اتوقف كثيرا عندها.
هناك مفارقة بحاجة الى تفسير منك كونك لم تختاري مغادرة العراق في سنوات القمع التي استمرت لأكثر من ثلاثة عقود، بينما اخترت ذلك بعد فترة من التغيير وانقضاء الدكتاتورية. هل لذلك علاقة بحالة اليأس الكامل من ان ما حصل هو مجرد تدوير لصيغة هذه الدكتاتورية مثلا؟ بماذا تفسرين ذلك؟
- لم اغادر لسبب بسيط اني وقعت في المصيدة قبل الإفلات. اعتقلت في 1979 وبعد هذه التجربة الصعبة لم يكن هناك معنى للمغادرة ومعي ولدين لا يمكن ان اخرج بهما الى المجهول. أتيحت لي فرصة للمغادرة بعد عملية الاعتقال وابو نبيل يعرف ذلك لكني رفضتها. سبق لي ان جربت مرارات الغربة ومعاناتها ولست اليوم نادمة. جاءت المغادرة في 2006 والحرب الطائفية في اوجها والجثث تظهر يوميا مرمية في أزقة بغداد او على مزابلها. في هذا الجو المشحون جاءتني مكالمة تهديد من صوت مجهول اخرجتني من البلد. تلبسني خوف صعب علي ان أصفه لعله بسبب تراكمات الخوف القديمة. لا علاقة لمغادرتي باليأس اذ ما زلت اعيش على الامل حتى وانا بعيدة.
سيرتك الروسية، واسمحي لي ان اصف ذهابك الى موسكو بداية الستينات بهذا الوصف، ما الذي اضافته لك هذه التجربة؟
- السيرة الروسية وحدها حكاية. ان ترى حلم الاشتراكية مجسدا امامك على ارض الواقع في مفردات يومية قد تكون صغيرة لكن دلالاتها كبيرة. كنت مهتمة على نحو خاص بالجانب الثقافي. الكتب معروضة في كل مكان تشتريها (بتراب الفلوس) والكل يقرأ حتى عاملة المصعد تجد الكتاب بيدها تقرأ بضعة سطور بين طابق وطابق. عروض الباليه والاوبرا الباذخة وكونسرتات الموسيقى متاحة للجميع بتذاكر رخيصة الثمن. كان هناك مسرح للغجر في موسكو هؤلاء الذين نسميهم عندنا (كاولية) كان يحظى بإقبال جماهيري واسع وفنانو الغجر يحظون باحترام المجتمع ، ما داموا يقدمون فنا. مئات الجامعات والمعاهد التي تنتشر في كل مكان وتدفع الدولة لطلبتها رواتب شهرية.. حراك ثقافي هائل شهدت تفاصيله على مدى اعوام عشتها هناك. لكن المشهد في عمومه كان مليئا بالشوائب تكتشفها بالتدريج كلما طالت اقامتك في البلد وازدادت صلتك بأبنائه. هذه الشوائب ستتراكم لتطيح بالنظام الاشتراكي بعد مغادرتي بأكثر من عشرين عاما. لكن قناعتي الراسخة ان حلم الاشتراكية لم ينته. كانت تلك التجربة الاولى للبشرية ستعقبها تجارب اخرى بتنويعات مختلفة واشكال اخرى لكن الجذر سيبقى واحدا. لاحظ ان اتجاه مجتمعات الغرب نحو الضمان الاجتماعي كلها مستقاة من الحلم الاشتراكي.