منذ انتصار ثورة 1979 وسقوط النظام الشاهنشاهي لم يتوقف النظام "الثوري" في إيران عن مقارعة خصومه ومعارضيه بشتى الوسائل
محاولة اختطاف الناشطة المدنية والمدافعة عن حقوق المرأة مسيح علي نجاد على أراضي الولايات المتحدة الأميركية يعيد إلى الذاكرة ملفات اختطاف لمعارضين إيرانيين من قبل السلطات الإيرانية.
فمنذ انتصار ثورة 1979 وسقوط النظام الشاهنشاهي ولم يتوقف النظام "الثوري" في إيران عن مقارعة خصومه ومعارضيه بشتى الوسائل وأخطر هذه الوسائل اختطاف منتقديها في الخارج ناهيك عن المختطفين في الداخل.
وتصف الأجهزة الأمنية عمليات اختطاف المعارضين ونقلهم إلى الداخل بـ"الاستدراج إلى الداخل" حتى لا تتهم بخرق القوانين الدولية وخاصة انتهاك سيادة الدولة التي تتم عملية الاختطاف على أراضيها.
فخاخ أمنية للمعارضين بأراضي دول الجوار
على مدى العقود الأربعة الماضية، ومع تفعيل الأذرع الخارجية للأجهزة الأمنية الإيرانية، كانت دول الجوار أخطر الأماكن لسفر المعارضين المقيمين في المنافي في الخارج، وتاريخ التصفيات والاختطافات على أراضي تركيا وجمهورية أذربيجان وجورجيا وباكستان والعراق التي تقع جمعيها في جوار إيران، يؤكد ذلك، حيث نفذت قوات الأمن الإيرانية أو المجندون لفائدته أيضا خطط اغتيال في دول أوروبية وحتى في أميركا اللاتينية.
وكانت عمليات تصفية قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني من ضمنهم الدكتور قاسملو وخليفته شرفكندي في فيينا وبرلين واغتيال عضو الحزب الشيوعي الإيراني غلام كشاورز في اليونان واغتيال آخر رئيس وزراء للشاه، شابور بختيار في باريس وتصفية الفنان المعارض فريدون فرخزاد في ألمانيا من أكثر الخطط الدموية التي نفذتها الأجهزة الأمنية الإيرانية على الأراضي الأوروبية.
ولكن بعد تشكيل محكمة لعملية اغتيال أمين عام الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني صادق شرفكندي في مطعم ميكونوس في برلين بتاريخ 17 سبتمبر 1992، وإدانة قادة النظام بالضلوع في الاغتيال واتخاذ الدول الأوروبية موقفا موحدا بقيادة ألمانيا ضد طهران، توقف النظام الإيراني عن التدخل المباشر في التصفيات، وأوكل ذلك إلى عناصر غير إيرانية موالية أو إلى عصابات الجريمة المنظمة مثل اغتيال أحد قادة حركة النضال العربي لتحرير الأحواز أحمد مولى في هولندا بتاريخ 8 نوفمبر 2017، واغتيال عضو سابق في مجاهدي خلق في هولندا بتاريخ 15 ديسمبر 2015 الذي تتهمه إيران بالضلوع في تفجير مقر الحزب الجمهوري الإسلامي في 1981.
وبالإضافة إلى ذلك فضلت الأجهزة الأمنية الإيرانية استدراج خصومها إلى بلدان الجوار ومن ثم اختطافهم إلى الداخل، كما أن عمليات الاغتيال على أراضي دول الجوار استمرت دون انقطاع.
وفي نوفمبر 1988 أوقفت الشرطة التركية سيارة مشبوهة فوجدت في الصندوق الخلفي أبو الحسن مجتهد زاده عضو منظمة مجاهدي خلق مكبلا وكانت السيارة في طريقها إلى إيران وتبين لاحقا بأن أعضاء السفارة الإيرانية في تركيا كانوا ضالعين في العملية بمن فيهم منوتشهر متكي الذي أصبح لاحقا وزيرا للخارجية في حكومة محمود أحمدي نجاد.
وفي عام 1992 تم اختطاف عضو آخر لمجاهدي خلق في تركيا يدعى علي أكبر قرباني ووجد جسده بعد بضعة أيام من الاختطاف واعتقلت السلطات التركية بعض الأشخاص وتبين بأنهم قاموا باختطافه وتسليمه لعناصر مخابراتية إيرانية مقابل تلقي أموال من السفارة الإيرانية في أنقرة.
وفي يناير 1992 تزامنا مع اختطاف علي أكبر قرباني تم اختطاف الرائد عباس قلي زاده أحد ضباط الحرس الملكي الإيراني في نظام الشاه وعضو تنظيم "درفش كاوياني" أمام أعين أسرته في تركيا وبعد 9 أشهر تم العثور على جسده المشوه نتيجة لتعرضه للتعذيب.
وفي عام 1993 فقد اختطف عضو الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني محمد قادري في تركيا وبعد فترة عثر على جسده الذي تم التمثيل به.
اختفى المسؤول التنظيمي في منظمة فدائيي الشعب في باكو عاصمة جمهورية آذربيجان في عام 1995 وتبين لاحقا بأنه اختطف ونقل إلى إيران وبقي في السجن لسنوات.
وفي خريف 1996 تم في مدينة السليماني في كردستان العراق، اختطاف عدد من أعضاء الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني وهم أرشد رضائي وعدنان إسماعيلي ويونس محمد بور وعزيز قادري ومعروف سهرابي واختفت أي أخبار عنهم منذ وقتها.
وفي عام 2006 تم على الأراضي التركية اختطاف مدير قناة "اللجنة الملكية الإيرانية" باسم "فرود فولادوند" وعدد من مرافقيه ومصيرهم جميعا لا يزال مجهولا.
وفی فبرایر 2010 أعلن وزير الداخلية الإيراني الأسبق مصطفى نجار عن اعتقال زعيم تنظيم "جند الله" البلوشية المسلحة في خارج إيران ونقله إلى الداخل الأمر الذي أكده وزير المخابرات السابق حيدر مصلحي.
وتحدثت وسائل إعلام إيرانية عن إرغام طائرة ركاب قرغيزية في طريقها إلى عاصمة قرغيزستان بيشكك بالهبوط في بندر عباس بواسطة مقاتلة إيرانية و"اعتقال" عبد المالك ريغي ومرافقيه.
وتقول المعارضة البلوشية إنه تم تسليمه إلى إيران بعد اعتقاله من قبل السلطات الباكستانية، وفي 8 فبراير 2010 أي أسبوعين قبل الإعلان عن اعتقال ريغي التقى رئيس البرلمان الباكستاني وقتها بوزير الخارجية الإيراني الأسبق منوتشهر متكي وأعلن أن باكستان اعتقلت عددا من أعضاء تنظيم "جند الله" وسلمتهم إلى إيران، وتمكنت السلطات الإيرانية انتزاع اعترافات من هؤلاء حول تحركات ريغي الأمر الذي سهل علمية اختطافه.
وبعد "اعترافات" متلفزة، حكمت محکمة الثورة بطهران على عبدالملك ريغي بالإعدام شنقاً، بتهم من قبيل القتل مع سبق الإصرار لعشرات الجنود والتفجير وتهم أخرى، وأعدم فجر الأحد 20 يونيو 2010 بسجن إيفين.
وحسب منظمة العفو الدولية، اختطف الصحافي الإيراني، روح الله زم، الذي فر من إيران بعد الاحتجاجات التي أعقبت انتخابات 2009، وحصل على حق اللجوء في فرنسا؛ وتم الاختطاف أثناء زيارة للعراق في أكتوبر 2019 من قبل الحرس الثوري الإيراني، على ما يبدو، وأُعيد قسراً إلى إيران.
ووفقا للعفو الدولية في يونيو 2020، حكم على روح الله زم بالإعدام من قبل الفرع 15 من المحكمة الثورية في طهران؛ إثر محاكمة بالغة الجور بتهمة "الإفساد في الأرض"، فيما يتعلق بقناته الإخبارية الشعبية، آمد نيوز، التي أدارها على تطبيق "تيليغرام" للتراسل.
وادعت السلطات علناً، وفي وثائق المحكمة، أن عمله الإعلامي ينطوي على "تجسس" لصالح إسرائيل وفرنسا، و"التعاون مع دولة معادية لإيران وهي الولايات المتحدة الأميركية"، و"جرائم ضد الأمن القومي"، و"نشر الدعاية ضد النظام".
وفي يوليو 2020، وبعد فترة وجيزة من الحكم عليه بالإعدام، بث التلفزيون الرسمي الإيراني برنامجاً دعائياً ظهر فيه روح الله زم "يعترف" بـ "جرائمه".
وفي ديسمبر 2020 تم اختطاف القيادي البارز في "حركة النضال العربي لتحرير الأحواز"، حبيب أسيود، في مدينة إسطنبول التركية، ونقله إلى إيران.
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في تقرير لها، عن مسؤول تركي، أن عملية الاختطاف تمت بأوامر من وكالة الاستخبارات الإيرانية، وبمساعدة مهرب مخدرات معروف.
وكشف المسؤول التركي الذي لم تكشف "واشنطن بوست" عن هويته، والمعروف بـ"حبيب أسيود"، تعرضه لعملية خداع، وذلك بعد استدراجه من السويد إلى تركيا على يد امرأة تدعى "س. صابرين".
وذكر تقرير "واشنطن بوست" أن الرئيس السابق لحركة النضال العربي لتحرير الأحواز، اختُطف بواسطة عدد من أعضاء عصابة خطف بعد مغادرته محطة وقود في منطقة "بيليك دوزو" في إسطنبول، حيث مكان لقائه مع المرأة المذكورة، ومن ثم جرى نقله مكتوف اليدين عبر سيارة إلى محافظة "وان" شرق تركيا، قبل نقله إلى إيران.
وبعد ذلك اعتقلت السلطات التركية 11 مواطنا تركيا على صلة باختطاف أسيود لصالح إيران.
وبث التلفزيون الإيراني في نوفمبر الماضي مقطع فيديو لاعترافات حبيب أسيود، بينما نفت حركة النضال العربي لتحرير الأحواز ما جاء في تلك الاعترافات وصفته بأنها "قسرية وغير صحيحة".
وأعلنت وزارة المخابرات الإيرانية في بيان لها في الأول من أغسطس 2020 بأنها اعتقلت المعارض "جمشيد شارمهد" عبر عمليات معقدة على حد وصف الوزارة، وبما أن شارمهد يحمل الجنسية الألمانية ويعيش في الولايات المتحدة، يبدو بأنه كان في زيارة عمل إلى الشرق الأوسط فتم اختطافه من قبل المخابرات الإيرانية.
وفي حين زعم وزير المخابرات الإيرانية محمود علوي بأن شارمهد "اعتقل" داخل إيران وزعم الوزير بأن هذا المعارض كان يحظى بتغطية أمنية أميركية وإسرائيلية، محاولة منها لعرض عضلات المخابرات الإيرانية.
وبعد ذلك ناقض صحيفة "جوان" التابعة للحرس الثوري تصريحات وزير الاستخبارات بشأن اعتقال شارمهد في داخل إيران فذكرت في تقرير لها بتاريخ 2 أغسطس 2020 بأنه اختطف في طاجيكستان الأمر الذي نفته دوشنبه، وازداد التضارب في الأنباء بعد ما أعلن "نادي المراسلين الشباب" بأنه أعتقل على الحدود الإيرانية الباكستانية عندما كان يحاول الهروب من إيران، وترددت لاحقا أسماء دول عربية كمكان لاختطاف جمشيد شارمهد أيضا.