بدأت مسيرتها الإبداعية من البصرة، ثم ارتحلت إلى موسكو لدراسة الفن، ثم إلى إيطاليا حيث أطياف عصر التنوير الأوروبى مازالت حاضرة، قبل أن تستقر فى هولندا..
رحلة مفعمة بالألوان شكّلت عالم الفنانة التشكيلية العراقية البارزة "عفيفة لعيبي"، التى تزين لوحاتها مساء القاهرة، في معرض: "محطات الغربة".
معرض الفنانة العراقية الذي افتتح في كاليري بيكاسو، بحضور لفيف من الفنانين التشكيليين وبعض من الشخصيات العامة، ويضم نحو 30 لوحة، ﺗﺳﺗﺧدم فيها اﻷﺧﺿر ﺑدرﺟﺎته ﺑﺟﺎﻧب اﻷﺻﻔر، وﺗﻘﺗرب ﻣن ﺑﻌض ﻣوﺿوﻋﺎت اﻟﻣدرسة الوحشية.
تعد " لعيبي" حلقة فى دائرة فنية تضم عظماء مثل إلیزابیث جیرشو وجوان أیردلي وأنتونیا براندیز، وتقترب كثیرًا من الإسبانیة العظیمة روزاریو دى فلاسكو، مكرسةً للتشكیل كل حیاتها، فهى تعدو وراء طیف الفن فى ترحالها الدائم، فضلا عن أنها أحد أقطاب الحركة النسائية باﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ وفى اﻟﻐﺮب أيضا، عُرفت من خلال تاريخها وﺣﺮﻛﺘهﺎ اﻟﺪاﺋﺒﺔ بين الأقاليم الجغرافية والثقافية، وأصبحت تيمة مميزة بين ﻋﺸﺮات التيمات ﻓﻲ اﻟﻔﻦ التشكيلي، إذ إنها جسدت ما یُعرف بـ"عزلة وتوحد الفن التشكیلى النسائي " وهو وجود الأنثى فى بؤرة الأعمال الفنیة بشكل دائم، كأن الفنانات التشكیلیات یَدُرن فى فلك ذاتي أو یحاولن التعبیر عن العالم من خلال رؤیة أنثویة ذاتیة، البطلة دائما هى الأنثى بین الرمز والتعبیر، وتفتح بابا لعالمها من خلال رؤیتها الخاصة.
فيما يعد التنوع الفكري والثقافي أحد معضلات إبداعها، لأنها لا تنسب لمدرسة أو تیار بعینه ؛ بل توضع فى مجمل صورة الحركة التشكیلیة النسائیة وفى طلیعتها كأحد إرهاصات عوالم التشكیل النسائي، وتمتد تجاربها فى المدارس الحداثیة الأكثر إغراقا فى الرمز، لدرجة أنها تكون - أحيانا - سریالیة وتتعدى موضوعاتها أعتى السریاليین، كما تعد الحركة الأیقونیة من أهم ما یمیز أعمالها، مثل اتجاه حركة الوجه، وضع الذراعین، مقاییس الجمجمة، وأحيانا تقترب تقنیتها اللونیة من المدرسة الوحشیة.. لكن بكثافة أكبر.
تأثرت عفيفة لعيبي بالفن السوفيتي، بسبب إقامتها بموسكو فى سبعینیات القرن الماضى، لذا نجد روح " موسكو الحمراء" فى أعمالها، فمن حیث المقاییس الجسدیة فى لوحاتها فإنها سوفیتیة بامتياز، فيما بدا أن رحلة إیطالیا كانت أكثر تأثیرًا، خاصة فى أعمال الطبیعة الصامتة، التى تظهر فیها المدرسة الإیطالیة الحدیثة فى موضوعات مثل اختیار طبق وبقایا الطعام أو ثمار صغیرة، مع وجود ترف فى تصویر القماش والنسیج.
تبرز فى أعمال " «لعيبي" إشكالية ارتباطها بالمكانية وظلال الذكريات، وتحولها إلى مساحات أكثر رحابة للإبداع، مثل لوحتها " بولشینیللا"، فيما تعد لوحتها " بلا أمل" طرحًا سریالیًا متزنًا وواضح الرموز، تلك الأنثى المبتورة التى تشبه إلى حد بعید أفرودیت التى تمد بقایا ذراعها المحطمة لتلتقط الملابس من على حبل الغسیل، وبینهما كرسى متحرك.. اللوحة تنطق بالعجز، وهو الطرح السریالى الصریح ذاته فى لوحتها " ذاكرة"
عفيفة لعيبي من مواليد 1953 فى مدينة البصرة أقصى جنوب العراق، بدأت دراستها فى معهد الفنون الجميلة فى بغداد أثناء عملها كرسامة فى الصحافة، قبل أن تغادر إلى الاتحاد السوفيتى فى عام 1974 للدراسة والتخصص فى الفن بمعهد سويكوف الشهير.. وبسبب الوضع السياسي فى العراق، لم تتمكن من العودة بعد الانتهاء من دراستها، وقررت الانتقال إلى إيطاليا والعودة لاحقًا إلى موسكو، قبل أن ترحل إلى اليمن للعمل فى معهد الفنون الجميلة، ثم استقرت بشكل نهائى فى هولندا وتواصل المساهمة فى الأنشطة الثقافية لدعم الحركة الديمقراطية العراقية والدولية، وفى الكفاح ضد الإرهاب والعنصرية والحرب.
رغم أنها لم تعد إلى العراق لمدة 35 عامًا، لكنها نجحت فى بناء علاقة قوية مع كل بلد كانت تعيش فيه من الناحية الثقافية والشخصية، بالإضافة إلى ارتباطها بالإنسانية والثقافات المختلفة من خلال الجمع بين التأثيرات المختلفة من رسم عصر النهضة إلى الرموز الدينية والواقعية الاجتماعية، باستخدام الصورة الأنثوية كعنصر متكرر لإظهار الجمال .