صدر كتاب جديد لعالمة الاجتماع البارزة لاهاي عبد الحسين مكرس لمتابعة سوسيولوجية القصة والرواية العراقية .
والمثير في هذا الجهد هو مرحلته التاريخية المؤسسة لعناصرها الجوهرية والمركزية ، مثلما تعارفت عليها حركة الثقافة والمتابعات النقدية ، ولعل مبادرة لاهاي عبد الحسين الرائدة المتمثلة بدراسة المكونات الاجتماعية ، التي تهيكلت عليها سرديات محمود احمد السيد وعبد الحق فاضل ، ولابد من التذكير بأن ما بذلته د. لاهاي مهم جداً ، لانها فحصت الابعاد الاجتماعية ودورها في توصيف الفواعل الثقافية في المجتمع .
وصاغت السنته التي لعبت دوراً بارزاً في توصيف بدئيات الخزان الاجتماعي العام . من هنا كانت دراستها لكل من محمود احمد السيد وعبد الحق فاضل ، متميزة بعمقهما وتجوهرهما ، بحيث تمكنت من وضع العقل الاجتماعي في تمركزاته المؤهلة له والمساعدة على فحص الابنية الاجتماعية والتجاور بينها ، وبين التاريخ، لان سوسيولوجية السرد غير قادرة ان تتجاهل التاريخ ووقائعه وتجوهراته في تكوين تحبيكاته ، التي تعامل معها المفكر بول ريكور . بانها هي المركز الحيوي والذي لعب دوراً مهماً في تكوين الزمان . وهذا ادى لاحقاً الى تكريس فلسفة بول ريكور حول الهرمونيطيقا ودور التاريخ الذي اشرنا له ، لذا انا اعتقد بأن ريكور اسس مشروعاً سردياً ومعقداً يجمع بين الانطولوجيا والتاريخ والهرمونيطيقية ، والسرد والهوية السردية والمتخيل التاريخي والسيري ، وعلينا ان نذكر بأن الثورة التي وحدت المكونات الرئيسية هي « الزمان « وقد برز واضحاً في الجهد النقدي التي تمكنت منه د. لاهاي عبد الحسين . وما اود الاشارة له هو ان التاريخي بوقائعه حاضراً ، لان الاجتماعي تلبسه وتمركز عليه السرد .
لذا ركزت د. لاهاي على ان السوسيولوجية والسرد ، تمكنا من صوغ علاقة وثيقة بين مجالين حيويين من مجالات الثقافة الاجتماعية والمعرفة الانسانية . لذا تمكن علم السوسيولوجية من متابعة العناصر الجوهرية ذات الملامح الاجتماعية ، والتي تمثلها اعمال سردية عديدة دشنت المشترك الاجتما ــ سياسي ، ويكاد يمثل حضوراً مركزياً في كل السرديات العراقية عبر تاريخ طويل امتد منذ 1920 ــ 2020 ومعروف بأن الكاتب القصص منتم للبيئة المغذية لمكوناته الثقافية وتتبدّى تأثيراتها ايجابا او سلباً ، ويساهم هذا التمظهر للتعامل مع الاثر السردي بوصفه مرآة عاكسة للحياة السياسية / والاجتماعية ولأن د. لاهاي متمتعة بذكاء معرفي انفتحت ولم تقدم توصيفا لما هو مشترك بين السوسيولوجية والسرد ، بل استعادت اراء الكثير من علماء الاجتماع البارزين ، ورسمت الحدود المنطقية والعقلية لكل منهما وتأثيره البارز وحواره المعرفي ، مع من يماثله بالوظيفة « وهناك من يرى ان هذا الفرع من فروع علم الاجتماع اقلها تماسكاً ووضوحاً بسبب تزاحم الافكار حول طبيعتيه ووظيفته مما يدخل بجدالات ساخنه ، ولكنه يبقى ميداناً للتفكير والتأمل من حيث ان من خاض فيه وضع خبرات وبيانات وتصورات جادة ومدروسة بطريقة ما تبعاً لخلفياتهم وخياراتهم الشخصية .
ولع اهم توصلات بول ريكور في مجال السرد ، هو ان يكون التاريخ ، ليس علماً بحد ذاته ، انما هو جزء من السرد ، تبلور فيما اصطلح عليه ريكور المتخيل التاريخي ، الذي هو عبارة عن سلسلة احداث تاريخية او سرية مطعمة بالخيال ، لكل شيء يدور في السردية وقضية الانطولوجية والهرينوطيقية التي تساعد الذات المؤله على فهم ذاتها كما قال د. محمود خليف الحياني .
اهم ما يميز الجهد العلمي لدكتورة لاهاي عبد الحسين ، هو تعاملها مع الماضي ، بوصفه ترصيناً للعقول المعنية بسوسيولوجية السرد وتكريسها . لذا قرأت بدقة الافكار والمكونات الثقافية والاجتماعية لأسماء معنية بالاجتماع ، مثل كارل ماركس ، وقد اكدت لاهاي بأن لا احد ينكر الانجاز الفلسفي والاجتماعي المهم لكارل ماركس والذي تمركز مرجعاً فلسفياً وعلمياً على الرغم من وجود تباين بوجهات النظر عنه .
بذلت د. لاهاي جهداً علمياً بملاحقة كثير من الاسماء مثل فرويد وعلى الرغم من ان فرويد عالم نفس ، لكنه زود الفضاءات العلمية بتغذيات للوعي الذاتي للكائن وجعله متجاوراً للجماعة / المجتمع . وظل دور فرويد الابرز بعد كارل ماركس . ولذا وظف السرد كثيراً من توصلات علم النفس في الكتابات القصصية والروائية . ومن الاسماء البارزة : لوكاش / ماركس قيبر / كارل دوركهايم / ومانهايم / وعديد من العلماء البارزين ومنهم من اقترب وتجاور مع الحداثة مثل : دنيس كوش ، في كتابه المهم مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية . وايضا : ايان كريب في كتابه المهم للغاية : النظرية الاجتماعية ، من بارسونز الى هايرماس وبالامكان الافادة من بارسونز ودوره في تكريس علم الاجتماع وقال : اتخذ مؤسس علم الاجتماع الحديث كونت موقفاً وسطاً بين فكر عصر التنوير الثوري ، والفكر المضاد له المتمثل بالحركة الرومانسية وهو موقف تبناه من يخلفه في تيار البنائية الوظيفية .
توفرت دراسات د. لاهاي عبد الحسين على التماعات ذكية ، كاشفة عن المجالات السوسيولوجية المتباينة والمتعددة ، وكشفت بأن هذا الحضور كشاف عن خزان الذاكرة موضحة قوة الارادة المتوفرة فيها مثلما هي استدعاء لمستقبل قادم وتركيز على الحاضر .
هذه المقالة احتفاء بالكتاب ولنا عودة ثانية لفحص ملاحظات د. لاهاي عن بعض الاعمال السردية . لانها تستحق . والمثير في التحقق هو الضرورة التي يعنيها علم الاجتماع على الرغم من ان النقد معني بالجماليات .