خلال الأيام الماضية، ازداد الجدل في مصر بشأن تعدد الزوجات بعد تصريحات رجل دين أزهري اعتبر فيه أن "من ينكر التعدد خارج عن ملة الإسلام".
وتزامن هذا الجدل مع المساعي الحثيثة التي يبذلها المجلس القومي للمرأة في مصر لتغيير قوانين الأحوال الشخصية القديمة واستبدالها بنصوص جديدة لتنظيم الأسرة يراها محافظون أنها منافية للشريعة.
ويشير تقارير الجهاز المركزي للإحصاء في مصر إلى إن 4 بالمئة تقريبا من الرجال على ذمتهم أكثر من زوجة. وفي أرقام منشورة عام 2019، أوضحت السجلات أن عدد عقود الزواج لمن يجمع بين زوجتين بلغت 41.2 ألف عقد، بالإضافة إلى 2363 عقدًا لزوج يجمع بين 3 زوجات، و390 عقد زواج لمن لديهم 4 زوجات في آن واحد.
وتطالب مراكز حقوقية مدافعة عن المرأة بالتحالف مع المجلس القومي للمرأة في مصر، بتنظيم المسألة، ليتضمن إجبار الزوج على إخطار زوجته بالزواج الثاني قبل وقوعه.
وأثارت تصريحات، صدرت مؤخرا عن أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر في مصر، أحمد كريمة، بشأن مساعدة الزوجة لزوجها على الزواج بامرأة أخرى بغرض "تجنب الفاحشة"، جدلا واسعا في مصر.
وقال كريمة في مقابلة تلفزيونية إن "من يجحد التعدد أو ينكره خارج عن ملة الإسلام"، مضيفا: "كنا نعاني فاشية دينية أيام الإخوان والسلفيين والآن نعاني شراسة العلمانيين".
واستدعى الأمر إقدام الأزهر على إعادة نشر تعليق سابق لشيخه، أحمد الطيب، أكد فيه أن من يقولون إن الأصل في الإسلام هو "التعدد" مخطئون وأن هذا الرأي ينطوي على ظلم للمرأة وللأبناء في كثير من الأحيان.
وأضاف بحسب ما نشرت جريدة "صوت الأزهر" الرسمية أن "المسلم ليس حرا في أن يتزوج على زوجته الأولى، فهذه رخصة مقيدة بقيود وشروط، والتعدد حق للزوج لكنه حق مقيد".
ورفض كريمة في مقابلة مع قناة "صدى البلد" المصرية الرد على آراء شيخ الأزهر بشأن تعدد الزوجات، قائلا: "أنا راجل غلبان لا يمكنني التعليق على شيخ الأزهر".
"الجدل بسبب إنصاف المرأة"
ويرى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر وعضو المجلس القومي للمرأة، سعد الدين الهلالي، أن أسباب الجدل تعود إلى أن "الدولة متوجهة إلى إنصاف المرأة ووضع قانون للأحوال الشخصية يوازن بين حقوق الزوجين دون مزايدة أحدهما على الآخر ودون التحيز لأحد على الآخر بقدر المستطاع".
وقال الهلالي لموقع قناة "الحرة" إن قانون الأحوال الشخصية في مصر مضى عليه 102 عام بعد صدوره عام 1920، متسائلا باستنكار: "هل يعقل أن القانون الذي ضع قبل أكثر من 100 سنة بأعراف وتقاليد وثقافات سابقة يصلح لهذا الزمن بعرفه وحضارته؟".
ودلل الهلالي على رأيه بقوله إن "أكبر دليل على ذلك هو اختلاف وجهة نظر الفقيه - أي فقيه تختاره – بين فترة شبابه ونضجه وشيخوخته. كما تختلف وجهة نظره الفقيه الذي حبس نفسه في بلده والفقيه الذي تعدد في سفره والتقى حضارات مختلفة".
وأضاف: "المسلمون يجب أن يعلموا أن فهم الفقه متغير والتغيير يرجع إلى الأعراف والتقاليد والأوضاع التي نعيشها مع تطور الزمن ... الفقه السلفي قدم لنا فقه الدين على أنه ثابت والحقيقة أن فقه الدين متغير بتغير الأوضاع والأزمنة".
وكان كريمة وصف المجلس القومي للمرأة الذي يعمل على إعداد قانون جديد ينظم مسائل الأسرة في مصر بـ "مجلس هوانم" مما جعل رئيس المجلس، مايا مرسي ترد عبر صفحتها في فيسبوك بقولها: "سيدي الفاضل المادة 214 من الدستور تلزم أي قانون له علاقة بالمرأة من بعيد أو قريب أن يعرض على المجلس القومي للمرأة، فهذا هو الدستور".
وقالت مرسي: "المجلس القومي للمرأة وصفته بأنه مجلس هوانم في حوارك اليوم باستنكار، وكأنها سبة، على فكرة سيدات مصر كلهم هوانم زعلان حضرتك ليه".
وكان المجلس القومي للمرأة في مصر، أعلن الأسبوع الماضي عن رؤيته بشأن قانون الاحوال الشخصية الجديد الذي سيتم مناقشته بمجلس النواب قبل تشريعه بعد أن قدمته الحكومة للبرلمان مطلع العام المنصرم مما أثار وقتها انتقادات حقوقية وجمعيات نسائية.
وفي أبريل، أثار القانون الجديد الذي تقدمت به النائبة، نشوى الديب، جدلا واسعا بعد أن تضمن نصا يجبر الرجل الذي يرغب بتعدد الزواج على الحصول على أمر قضائي، الأمر الذي لاقى غضبا من قبل بعض الذين يعتقدون أن ذلك ضد النصوص الدينية.
وبالعودة إلى القضية التي لا تزال تثير جدلا واسعا، لم تقتصر الآراء المؤيدة للتعدد على كريمة فقط بل هناك آراء كثيرة مؤيدة، بما في ذلك تصريحات الداعية، عبدالله رشدي، بين فترة وأخرى حول هذه القضية. كما كانت هناك ردود فعل مؤيدة على مواقع التواصل الاجتماعي لظاهرة تعدد الزوجات التي يرى فيها المؤيدون أنها تطبيقا لأحكام الشريعة الإسلامية المنزلة في القرآن.
وفي هذا الإطار، أشار الهلالي إلى أن الآراء المؤيدة للتعدد تمثل "فكرة الاستقواء بالذكورة على الأنوثة، ولا تنظر إلى حق الإنسان أن يكون معينا على إعمار الأرض وحضارتها".
أثارت تصريحات، صدرت مؤخرا عن أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر في مصر، أحمد كريمة، بشأن مساعدة الزوجة لزوجها على الزواج بامرأة أخرى بغرض "تجنب الفاحشة"، جدلا واسعا في مصر، استدعى نشر رأي سابق لشيخ الأزهر، أحمد الطيب.
في وقت سابق من الشهر الحالي، قال الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، إن البلاد بحاجة إلى قانون أحوال شخصية "عادل" يعالج قضايا الأسرة بحيادية.
وفي حديث لقناة "صدى البلد" المصرية، استبعد السيسي أن يكون منحازا للمرأة التي يرى فيها أنها "مظلومة" طبقا للقوانين الحالية، مشيرا إلى أنه يريد تحقيق التوزان في قانون الأسرة.
"تمييز صارخ"
ودعا الرئيس المصري مؤسسات الدولة، بما في ذلك البرلمان والأزهر إلى وضع قانون "متزن" ينظم العلاقات الأسرية في مصر على اعتبار أن هذا المشاكل موجودة لدى المجتمع منذ 40 سنة، على حد قوله.
من جانبها، تعتقد الناشطة بمجال حقوق المرأة، نهاد أبو القمصان، أن الجدل المستمر لدى المجتمع المصري بشأن تعدد الزوجات يرجع إلى الأحكام الخاصة التي يفصلها بعض الذين يتحدثون باسم الدين، وفق قولها.
وقالت لموقع "الحرة" إن هؤلاء يتحدثون بآراء شخصية ويصدرونها للرأي العامة بسهولة ودون تدقيق في "تمييز صارخ غير مقبول دينيا". وتوضح قائلة: "الناس مصدومة من الرأي الذي يتحدث عن زواج الرجل للعفة دون مراعاة للمرأة التي أيضا بحاجة إلى ذلك".
واستدلت أبو القمصان وهي رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، على تصريحات أحمد الطيب بشأن "زوجة واحدة تكفي"، قائلة: "شيخ الأزهر ذكي وفطن لهذا الجدل وأعاد تصدير تصريحاته التي تقول إن الأصل واحدة والتعدد له شروط معينة".
وقالت إن الآراء التي تحض على تعدد الزوجات تعتبر "تحريضا على تدمير الأسرة"، لافتة إلى "أنه أعاد تصحيح تصريحاته ووضعها للمغترب" في إشارة لحديث كريمة.
وعاد كريمة لاحقا، وأصدر "توضيحا" بشأن تصريحه المثير للجدل، قال فيه إنه كان يراد به "الزوج المغترب، الذي أراد الزواج ليعف نفسه عن الحرام، ولا يستطيع أن يتواصل مع زوجته".
وأضاف عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، الأربعاء، "هنا يمكنه الزواج بأخرى حتى لا يرتكب الفاحشة، وإن كان إخبار الزوجة الأولى بالزواج يمكن أن يؤثر على تماسك الأسرة، فالأفضل ألا يخبرها لأن هذا لم يرد نصا في الشرع".
"لصالح الإنسانية"
وتعلق أبو القمصان قائلة إن المسافر "هو في غربة المكان، لكن المرأة الموجودة في بلدها تعيش غربة الحنين أيضا ... ثم إنه يحث على الكذب والغش والتدليس في الزواج رغم أن العقد مبني على الشراكة والمودة والرحمة".
وتساءلت: "لماذا يتم معاملة النساء وكأنهن آلة تستخدم لصنع القهوة. المرأة كذلك لها احتياجات ومسؤولية وبيت وأبناء".
وتابعت حديثها تعليقا على الآراء المؤيدة للتعدد: "هذه مصلحة ذكورية بحتة وسلطة مطلقة وتهديد للنساء ويهدد الأسرة ويغير القيم فيها ويحول الزواج لاستهلاكي بدلا من إنساني".
بدوره، شدد الهلالي على أن تعدد الزوجات هو "مباح مقيد" بمعنى أن الزواج الثاني يكون للاحتياج الشديد والضرورة سواء كان للمرض أو أن تكون الزوجة الأولى عاقرا، بحسب قوله.
ودلل أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر على رأيه بقوله إن الرسول محمد رفض أن يتزوج علي أبن أبي طالب على فاطمة.
وقال إن ثقافة التعدد يجب أن تتغير "لصالح الإنسانية"، مشيرا إلى أن "الرجل يجب أن يتخلى عن فكرة التعدد وكأنها مسار حياة أو موت بالنسبة له ... الرجل يجب أن ينشغل بتربية وتعليم أولادة للارتقاء بفكرهم ورفع مستوى معيشة أسرته بدلا من التركيز نحو شهوته".
ووصفت أبو القمصان، من جهتها، "بعض الذين يتحدثون باسم الدين كأنهم يجلسون في خيمة بالصحراء"، مشددة على أهمية بحث الأزهر لمدى صلاحية الأساتذة الذين يدرسون لديه عقليا وفق وصفها.
وقالت إن ما يحدث يدل "عدم وجود تقييم لكفاءة الأشخاص الذين يدرسون في الأزهر".