عن عمر 78 عاما رحل عن عالمنا الفنان التشكيلي اسماعيل خياط الذي توفي الخميس، 20 تشرين الاول 2022، في منزله بمدينة السليمانية. لسماعيل خياط من مواليد خانقين عام 1944،
تعرض قبل عاميت الى حادث اثر على صحته وبقى طريح الفراش حتى لحظة وفاته..رفته صالات العرض التشكيلي في بغداد منذ السبعينيات، اضافة االى السليمانية واربيل، محليا، وغالبية الدول العربية واوربا والولايات المتحدة. يكتب الناقد معد فياض ان " الشاغل الفني لخياط، ابداعيا، هو الفكر، وان تتحول اعماله التشكيلية الى خطابات فكرية جمالية تستهدف وعي المتلقي من خلال الموضوع والاسلوب المتفرد واللون، فذهب بعيدا باللوحة لتكون متاحة للجميع عندما رسم صخور الجبل في مدخل السليمانية من جهة مصيف دوكان، وايضا عندا رسم لاول مرة المصغرات وعرضها في الثمانينات في صالة الرواق ببغداد.، قبل ان يشتغل برسم ااقنعة (الماسك) كونها هي من تخفي حقيقة الانسان وتظهره بصورة مغايرة لما في داخله "
عام 2000 عندما عرض اعماله على غاليري الكوفة وسط لندن، توقف الكثير من متابعي ونقاد الحركة التشكيلية، عند اسلوبية وافكار اسماعيل خياط الذي كان يؤكد بان "اللوحة او العمل التشكيلي التشكيلي هومنجز يهم الانسانية جمعاء ولا يمكن ان نصنف بين منجز محلي وعالمي، فمن المحلية الكوردية والوانها وتضاريس جبالها يمكن الانطلاق الى العالمية"، وهذا ما حققه بالفعل، خاصة في تكريس الاسلوب وحركة الخطوط على سطح اللوحة كتضاريس صخرية، والالوان الكوردية الشعبية الشائعة.
حظي الفنان الراحل، اسماعيل خياط، باكثر من تكريم في حياته، حيث اقيمت له اكثر من 60 معرض شخصي، في العراق وخارجه، وكان اهمها المعرض الشخصي الذي اقيم في ذكرى مرور 50 عاما على عمره الفني، في مركز (سه را) الثقافي بمدينة السليمانية بالإضافة إلى ذلك، حصل على جائزة حكومة إقليم كردستان للابتكار الفني.
كما اطلقت تطلق هيئة الشارقة للمتاحف النسخة الثانية عشر من سلسلة علامات فارقة خلال الفترة من 5 تشرين الأول وحتى 27 نوفمبر المقبل في متحف الشارقة للفنون، مسلطة من خلالها الضوء على أعمال الفنان إسماعيل خياط التي تُعتبر إضافة ودفعة قوية للقيم الإنسانية السامية الداعمة لنهج الخير والسلام.
واعدت الهيئة خيّاط والمُلقب بـ "بيكاسو العراق"، "الرجل الحجري" و"جد الفنون الكردية"، أحد أبرز مؤسسي المشهد الفني الكردي الذين تناولت أعمالهم المواضيع الانسانية بصورة جسدت معاناة الناس في كردستان العراق، مما يجعل من أعماله الفنية وثائق تؤكد أهمية السلام.
وقد وجه رئيس حكومة إقليم كوردستان، مسرور بارزاني برقية تعزية بوفاة الفنان الكوردي إسماعيل خياط، عبر فيها عن تعازيه الحارة لعائلة المرحوم وأصدقائه ومحبيه، وخصوصا زوجة الفقيد كزيزة عمر.
وقال مسرور بارزاني "تلقينا خبر وفاة الفنان اتشكيلي إسماعيل خياط بحزن وأسى بالغ، أتقدم بالعزاء لعائلته وأصدقائه ومحبيه».
وتابع "الفنان إسماعيل خياط كان فنان ذو تجربة كبيرة وكان فنانا مهما، وقد خدم الثقافة الكوردية خلال سنوات طويلة، وخلف وراءه أرشيفا مهما من اللوحات، لقد فقدنا اليوم فنانا كبيرا». وأضاف " أسأل المولى القدير أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته وأن يلهمكم الصبر والسلوان».، فيما نعى، الفنان التشكيلي فاخر محمد، مدير دائرة الفنون التشكيلية الفنان اسماعيل خياط، قائلا:"خساره جديده ورحيل موجع لواحد من الأسماء المهمه في التشكيل العراقي.. الأخ والصديق اسماعيل خياط... اكثر من ٥٠ عاما من الإنتاج المستمر... روح الأجداد التي تلبست صخور وكهوف وبحيرات وطيور جبال كردستان...كانت حاضره دائما في رسومه منذ ستينات القرن الماضي.. عناصر الطبيعه وزهور براريه كانت ملاذه..وقدره الجمالي. للتعبير عن موقفه الإنساني...
فيما وجهت الدكتورة ريواز فائق رئيسة برلمان كوردستان برقية الى عائلة الراحل اكدت فيها ان الخياط " ماعدا كونه استاذا ادار دورا طليعيا في ايصال عشرات الاجيال الى ماهية الفن الكوردي الاصيل، كان واحدا من الفنانين ذوي المواقف المؤثرة، وكان له دور بارز في شجب الحرب الداخلية عبر فنه " واضافت:" في رحيل هذا الفنان الطليعي والعالمي، خسر الفن التشكيلي الكوردي واحدا من اعمدته البارزة ".
وقد نعى الراحل عدد من الكتاب والصحفين حيث كتب الروائب والناقد زهير الجزائري:" ليس فنانا وحسب، بل (اسماعيل خياط) رجل سلام. لم ألتقه وجها لوجه، لكني عرفت مأثرته. في أيام الهدنة التي تلت الحرب الأهلية بين الحزبين الكرديين سكن هذا الفنان (الأرض الحرام) بين المسلحين في الجانبين وأصابعهم ماتزال على أزندة البنادق متوترين بانتظار أن تنهار الهدنة القلقة. يصعد وينزل التلال الوعرة وينتقي الصخور التي شهدت ذروة العنف ويرسم عليها حمامات وزهور وزخارف من تراث الكرد الجميل ليذكر بخيار السلام بديلاً عن المذابح المتبادلة. المتقاتلون من الطرفين ينظرون له بدهشة وأصابعهم على ازندة البنادق: ماذا يفعل هذا المجنون هنا؟! بصبر وبقلب مجروح كان يرسم، يرسم، يرسم… لعل الجمال يزيح حتمية القتل.في فترة الهدنة القلقة تعرّفت عليه من خلال عمله. كنت ومجموعة من الكتاب والفنانين نعبر منطقة (بيله) الفاصلة بين الطرفين المتحاربين. ننتقل من طرف الى آخر سيراً على الأقدام ونحن نحمل حقائبنا. لا تمر المركبات في هذه المنطقة الملغومة بالموت. ونحن نسير متعثرين، نسينا الحرب، والجثث، وفوهّات البنادق من الجانبين، فقد سحرنا الجمال الملون على الصخور في جانبي الوادي الذي مرّ منه الموت، مهاجماً أو منسحباًً.:هنا ترك فنان السلام رسالته للمتحاربين: كردستان أكبر منكم! يستحق هذا الرجل أن تسمى باسمه واحدة من ساحات بغداد. تحمل ألوانه ورسالته! ".
فيما كتب الباحث والكاتب حسين الهنداوي:" فقدت الحركة التشكيلية العراقية امس رائدا كبيرا برحيل اسماعيل خياط الذي غادر الدنيا من مدينة السليمانية عن 78 عاما، بعد ان اغنى التشكيل العراقي بلوحات متميزة احتضنها نحو 60 معرض رسم في العراق وخارجه. وعرفت اعماله بالتجديد والابتكار ومحاولة الجمع بين الفكر والتقنيات الحديثة مع حضور جمالي ملون للمضامين الإنسانية والتقدمية والكردية خاصة. وإسماعيل خياط في الرسم الكردستاني المعاصر يقابل الكبير شيركو بيكه س رائد الحداثة في الشعر الكردي المعاصر، متميزا بأسلوب جمع بمهارة رفيعة وشفافية فطرية بين التعبيرية والسريالية والاحتراف الأكاديمي المتقن من جهة والمضامين الفكرية الإنسانية الجريئة والتقدمية دائما. واسماعيل خياط المولود في مدينة الجمال خانقين هو صاحب اللوحة الاكبر في العالم ربما وهي تلك التي قام برسمها على سفح جبل ما بين كويسنجق ودوكان للاعراب عن الرفض الشعبي للحرب الكردية الداخلية قبل نحو ربع قرن فضلا عن توثيق معاناة ومقاومة الشعب العراقي عموماً ضد الطغمة الفاشية البعثية التي عاثت بطشا وفسادا في العراق بين 1968 و2003 وكان رمزها الابشع صدام حسين".
وكتب الناقد السينمائ صفاء صنكور:" قرأت على جدار صفحة الصديق الفنان المبدع علي المندلاوي خبرا أحزنني كثيرا عن صحة الفنان المُجيد والصديق والإنسان الطيب، إسماعيل خياط، وأنه طريح الفراش من دون حركة أو كلام. وشعرت بثقل الزمن وأنا استعيد لقاءاتنا في بغداد في ثمانينيات القرن الماضي وفيض محبته وكرمه واحتفائه بي في آخر لقاء لنا عندما زرته في السليمانية أواخر عام ٢٠٠٤.
يقف خياط في مقدمة أكثر فنانينا أصالة وتنوعا إبداعيًا وقربا من الطبيعة على الرغم خياله الجامح الذي يصل حد أسطرة الموضوع الواقعي نفسه. ونتلمس علاقته المميزة بالطبيعة والتحامه بها حتى في أكثر أشكاله تجريدية أو أكثرها تحليقا في الخيال، إنه يلتصق بالجبل وحجارته،بالحصى، بالسماوات بالطير فيها، وبتموجات أجنحته التي ينحتها في صخر اللوحة،فتبدو أعماله أحيانا أقرب إلى المستحاثات "المتحجرات" التي تحفظ حياة وتاريخا طويلا في قلب الحجر.
ولعل محنة من ينطلق من مفهوم التمثيل (representation) في نظرته للفن سيحار في تجربة خياط، ما دامت علاقته بالواقعية أسيرة نظرية المحاكاة، وسينفيه من "جنة" الواقعية إلى حدود الخيال المطلق، وهو مفهوم غائم أبعد ما يكون عن تجربة إسماعيل خياط ومصادره التي تظل واقعية؛ وتحمل آثار نزعة تشخيصية واضحة، حتى في اقترابه من تخوم التجريد في بعض أعماله.
فالصدق الذي تتوفر عليه أعمال خياط يلغي مسافة التمثيل، أو تلك الثنائية (النظرية) بين الطبيعة والثقافة، (كما تطورت في سيمياء الثقافة)، ويجعل أعماله الطافحة بالخيال جزءا لا يتجزأ من الطبيعة نفسها التي لجأ إليها أخيرا ليصب افكاره في أشكالها في الحصى والاحجار وليس على جنفاص اللوحة أو الورق التي تدرب على رسم تخطيطاته عليه، والتي تنوعت من القلم الرصاص والحبر الصيني الأسود إلى الأقلام الخشبية الملونة واكتشاف مديات الرسم باللون الواحد إلى "إيجينغ غرافيك" وانتهاء بالرسم الملون على الحصى والأحجار الجبلية.
كنت قد وصفته قبل أكثر من ثلاثين عاما ًبأنه لو لم يكن رسّاما لكان نحاتا بارعا يستنطق الحجر بحثا عن الافكار الكامنة فيه (على حد تعبير مايكل أنجلو)، فهو يحاور المادة التي يستخدمها في رسومه ويستخلص ما بداخلها من احتمالات كامنة يطوعها لمعالجته الابداعية التي يحتل فيها «texture» الملمس إذا جاز التعبير، جانبا أساسيًا. فهو "يتوغل عميقا في قلب الحجر، ليخلق أسطورته ويستخرج رموزه الخاصة؛ التي لا تفارق تضاريسه وإن اتخذت أشكالا إنسانية أو حيوانية، بل تنعكس فيها في صورة انفعالات لونية، أو تكوينات عاطفية ونفسية.. إنه كما يحب أن يؤكد ‘يؤنسن’ الأرض».
والفقرة الأخيرة جزء من حوار أجريته معه. ومن حسن حظي أنني وجدت في بقايا أرشيفي، الذي فقدت الكثير منه، نسخة من هذا الحوار الذي نشرته في مجلة كل العرب الصادرة في باريس في عام ١٩٩٠، أي قبل أكثر من ٣٠ عاما، وقدم فيه بوحا عن تجربته الاسلوبية الغنية ومصادره الابداعية وعلاقته بالطبيعة والاسطورة ومفاهيم أخرى … أضع صورة من الحوار هنا للتوثيق.
التاقد التشكيلي خالد خضير الصالحي كتب يستذكر الراحل:" حين اقام اسماعيل خياط معرضين متقاربين في الزمن: معرضاً للأقنعة، ومعرضا اقامه في مقبرة, فإنما كان يشعر في قرارة نفسه بالصلة التي نبـّه عنها (رولان بارت) في كتابه (الغرفة المضيئة... تأملات في الفوتوغرافيا) وهي الصلة التي تبدو بعيدة بين الفوتوغراف (كنمط من الرسم) وبين المسرح (الغرفة المضيئة، ص 33) وعبر وسيط وصفه بارت بأنه فريد؛ فقال "من الجائز انني الوحيد الذي يراه، هو الموت"، مذكرا بالصلة ما بين المسرح وعبادة الموتى, ومذكّراً كذلك بالأقنعة التي تعطي احساساً بان الممثل الذي يتحرك امامهم قد تم استدعاؤه من عالم الموتى, وان هؤلاء الموتى يمكنكم ان يؤدوا أدواراً على المسرح، وهو ما كان يستشعره اسماعيل خياط حينما أقام معرضين يبدو وكأن الموت هو الخط الرابط بينهما كانا: معرضا للأقنعة التي تسمح بأداء أدوار الموتى، ومعرضاً اخر اركولوجياً لحفريات صارت طاعنة بالموتً فاستدعاها الرسام في مقبرة اقام فيها معرضه، هي ذات المقبرة التي دفن فيها والده، و بذلك كان اسماعيل خياط يكرس الرسم باعتباره استدعاءً لمفردات متحف بصري يضع قدماً في هذه الدنيا، وقدماً في المقابر, مقابر الناس، ومقابر الكائنات، ومقابر الأشياء الأخرى.
لقد كتبت مقالاً سابقاً عن معرض الأقنعة، و توصلت فيه الى الأستدلال (استناداً الى قاعدة الوضع الأمثل حيث يظهر كل جزء من جسم الأنسان بأفضل وضع في رسوم الحضارات المختلفة الفرعونية والمنحوتات الناتئة الرافدينية) فأستدلت بان اللقطة الجانبية لأعمال (علي طالب) و(فيصل لعيبي) وغيرهما انما هي لوجوه أعتبرُها الآن حية كشرط مهم, بينما اعتبرتُ اللقطات الأمامية للأقنعة فاقدة القدرة على الحياة كشرط أضعه الآن لها لتكون كذلك، ومن هذه الأقنعة ما رسمه اسماعيل فتاح الترك واسماعيل خياط, و ذلك لأن (كل) الحضارات كانت تعتبر الوضع الأمثل للوجه جانبياً بعين امامية بينما لا يمكن الحديث عن قناع الا بوضع أمثل أمامي.
من ذلك نرى ان اشتراطنا التفريق بين الاقنعة والوجوه كان صحيحا حينما قررنا اولا شرط الوضع الامثل الذي يتخذ فيه الوجه وضعا جانبيا بينما يتخذ فيه القناع وضعا اماميا، ولكننا الان، وبعد معرضي اسماعيل خياط الاخيرين هذا العام (2014) بدانا نرى اشتراط وجود الحياة في الوجوه بوضعها الجانبي بينما اشترطنا الموت حالة للاقنعة التي يرسمها امامية، وبذلك يكون الموت فارقا بينا بين الوجوه والاقنعة.".