لعل الكتابة للمسرح من اصعب انواع الكتابة لاعتبارات عدة، منها رواية حدوتة المسرحية وادارة حبكتها دون السقوط بالمباشرة، التي تؤدي الى تبسيط الفكرة او الذهاب بها بعيدا حتى تصبح عصيّة على الفهم وكأنها طلسم!
فبين هذه وتلك خيط رفيع يمسك به المؤلف- الكاتب، ويسلمه على طبق من قلق للمخرج، الذي يختار الطريقة الابداعية المناسبة لايصال الرسائل المرجوّة الى المتلقي!
الفنان جواد الاسدي مخرج وكاتب سبق إن ادرك “اللعبة” منذ ان انجز، في مقتبل عمره مطلع سبعينيات القرن الماضي، تجربته الاخراجية الاولى في بغداد: “العالم على راحة اليد”. ترك العراق في تلك السنوات ليكمل دراسته الاكاديمية العليا في بلغاريا. وتوالت اعماله الابداعية، كتابة واخراجا، وحصد الجوائز في كل عاصمة حلّ فيها، حتى عودته للوطن بعد غربة دامت اكثر من ثلاثة عقود!
عاد يحدوه الامل، بعد سقوط الفاشية في 2003، بقيام مجتمع يسوده العلم والثقافة والابداع، ويعيش في بحبوحة من الكرامة والأمان!
الا انه فوجيء بـ”فاشيات” جديدة من طراز مختلف، افسدت كل الاماني وكل الآمال في حياة قابلة للعيش، وهذا هو جوهر الموضوع الذي يناقشه في مسرحيته الجديدة “ أمل”.
زوجان مثقفان (يتضح مستواهما المعرفي من خلال الديكور وانتشار الكتب في كل مكان) يختصمان حول الجنين في احشاء الزوجة: أمل وباسم!( جسّد الشخصيتين بشكل رائع الفنانة الشابة رضاب احمد والفنان حيدر جمعة).
والسؤال المطروح هو: هل يتركان الجنين ينمو ويكبر، ليولد الطفل في مجتمع محاصر بالفساد وببنية تحتية متهرئة وتعليم متدني وعصابات مافيوية تمتلك سلاحا منفلتا؟!
هذا السؤال يبقى عالقا في ذهن المتلقي دون ان تمنحه المسرحية جوابا قاطعا، لكن دون ان يفقد هو الامل في مجتمع جديد..
كل عناصر العمل المسرحي الاخرى من سينوغرافيا واضاءة وجو عام، زادت من جمالية العرض الذي بيّن مرة اخرى ان الفنان جواد الاسدي ككاتب نص ومخرج لا يكرر نفسه، وان لكلا المسرحين العراقي والعربي ان يفخرا به.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مسرحية “أمل” قُدم عرضها الاول امس الاول الجمعة على خشبة “منتدى المسرح” في السنك ببغداد، وسيستمر العرض اسبوعا واحدا.