التنمر: برنامج اسكندنافي يقلل عدد حالاته بين طلاب المدارس
نشر بواسطة: mod1
الخميس 05-01-2023
 
   
بي بي سي

ليدي غاغا، شون مينديز، بليك لايفلي، كارين إلسون، إمينيم، كيت ميدلتون، ومايك نيكولز - هؤلاء هم عدد قليل فقط من الأشخاص الذين تحدثوا عن تجاربهم كضحايا للتنمر في المدرسة، وما تسبب فيه من آلام في مرحلة الطفولة وما بعدها.

شخصيا، كان لي غريمان عندما كنت تلميذا في ريف مقاطعة يوركشير. كان من عادتهما تقليد كل شيء أقوله والسخرية منه، لدرجة أنني لم أكن أجرؤ على التحدث داخل الفصل.

شعور بالخزي لعقود

أي شخص كان ضحية للتنمر في مرحلة الطفولة سيتفهم مشاعر الخزي التي من الممكن أن يتسبب فيها ذلك النوع من التجارب.

والآثار لا تتوقف عند هذا الحد. فقد أظهر بحث أجري مؤخرا أن تأثيرات التنمر في الطفولة قد تبقى لعشرات السنين، وتؤدي إلى تغييرات طويلة الأمد من شأنها أن تجعلنا أكثر عرضة لمخاطر الإصابة بالأمراض النفسية والعضوية.

هذه النتائج دفعت عددا متزايدا من خبراء التعليم إلى تغيير آرائهم بشأن التنمر، واعتباره انتهاكا لحقوق الأطفال، بدلا من اعتباره عنصرا حتميا من عناصر مرحلة النمو.

وتشرح لويز أرسينو، أستاذة علم النفس التطوري بجامعة كينغز غوليدج لندن أن "الناس اعتادوا على النظر إلى التنمر بوصفه سلوكا طبيعيا، بل وفي بعض الأحيان، بوصفه شيئا جيدا، لأنه يساعد في بناء الشخصية".

"لقد استغرق الأمر وقتا طويل قبل بدء [الباحثين] في اعتبار التنمر شيئا من شأنه التسبب في ضرر كبير".

ومع أخذ هذا التغيير في الحسبان، يعكف الكثير من الباحثين حاليا على اختبار برامج لمكافحة التنمر، يحتوي بعضها على استراتيجيات جديدة مثيرة تهدف إلى خلق بيئة مدرسية أكثر رفقا ولطفا بالأطفال.

تأثير ضارعلى العقل والجسم

ما من شك في أن التنمر يشكل خطرا كبيرا على الصحة النفسية والعقلية للأطفال على المدى القصير، وأكثر ما يلاحظ من أضراره: التوتر الزائد، الاكتئاب، والتفكير بشكل ينم عن القلق المبالغ فيه أو انفصام الشخصية.

وفي حين أن بعض تلك الأعراض قد يختفي بشكل تلقائي، بعد توقف التنمر، فإن معاناة العديد من الضحايا تتواصل بسبب زيادة خطر تعرضهم للإصابة بأمراض نفسية وعقلية.

اضطراب الهلع والانتحار

أشارت دراسة نشرتها جامعة هارفارد مؤخرا إلى أن المرأة التي تتعرض للتنمر وهي طفلة يزداد احتمال إصابتها باضطراب الهلع في مرحلة الشباب بمعدل 27 ضعفا مقارنة بأخرى لم تتعرض له.

وبين الرجال، يتسبب التنمر خلال الطفولة في زيادة قدرها 18 ضعفا في حالات الأشخاص الذين يفكرون في الانتحار أو يقدمون عليه. كما أن للتنمر آثارا سلبية تدوم لفترات طويلة على حياة الناس الاجتماعية. فالكثير من الضحايا يجدون صعوبة أكبر في تكوين صداقات في مراحل تالية من حياتهم ويكونون أقل احتمالا للعيش مع شريك حياة لفترة طويلة.

صعوبة في الثقة بالناس

من بين الآثار المحتملة أيضا هو أن ضحايا التنمر يجدون صعوبة بالغة في وضع ثقتهم فيمن حولهم. تقول البروفيسورة أرسينو: "الأطفال الذين تعرضوا للتنمر ربما يفسرون العلاقات الاجتماعية على أنها تمثل مخاطرة أو تهديدا". وأخيرا، ثمة تكلفة أكاديمية واقتصادية للتنمر. فهو يؤدي إلى انخفاض درجات الطلاب، ما يؤدي بدوره إلى تقليل فرصهم في العمل - وهو ما يعني أنهم يكونون أكثر تعرضا لانعدام الاستقرار المالي والبطالة في مرحلتي الشباب والكهولة.

زيادة الالتهاب

تشير أبحاث أرسينو إلى أن حالة القلق والتوتر الناتجة عن التنمر قد يكون لها آثار ضارة على الجسم لعقود، حتى بعد توقفه. وبعد تحليلها لبيانات دراسة استمرت 50 عاما، وجدت صلة بين التنمر في المرحلة العمرية من 7 سنوات إلى 11 سنة، ومستويات الالتهاب المرتفعة في سن الـ 45.

واستمرت تلك الصلة حتى بعد الأخذ في الاعتبار عوامل أخرى، مثل نوعية غذاء ضحايا التنمر ومدى ممارستهم للنشاط البدني وما إذا كانوا يدخنون.

وهذا أمر في غاية الأهمية، لأن ارتفاع مستوى الالتهاب في الجسم من شأنه أن يؤدي إلى تعطيل الجهاز المناعي، ويسهم في تلف الأعضاء ويؤدي إلى أمراض كالسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية.

شبكات أمان

بالنظر إلى جميع تلك النتائج، نجد أنها تشير إلى أن محاولة القضاء على التنمر ليست فقط ضرورة أخلاقية لتخفيف معاناة الأطفال، ولكن قد يكون له أيضا فوائد صحية بعيدة المدى.

عندما كنت طالبا مدرسيا في المملكة المتحدة في فترة تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي، لم تكن هناك حملات منتظمة للتعامل مع مشكلة التنمر.

كان المدرسون ينهرون التلاميذ إذا صدرت عنهم بعض التصرفات - فقط عندما يشهدون تلك التصرفات. لكن المسؤولية كانت تقع على عاتق التلميذ للإبلاغ عن المشكلة، ما يعني أن الكثير من الحالات كان يتم تجاهلها. وبعض المدرسين كانوا يؤيدون التنمر ضمنيا من خلال غض الطرف عن مشكلات واضحة، في حين أن آخرين - وهم قلة ولكنها قلة سامة - كانوا يتعمدون التحيز إلى المتنمرين.

تنمر بمجتمع الميم

بعض أنواع التنمر قد يتم التسامح معها أيضا لأنها تعكس تحيزات اجتماعية. على سبيل المثال، نسبة كبيرة من أطفال الأمهات المثليات الذين شملتهم إحدى الدراسات تحدثوا عن تعرضهم للمضايقات أو التنمر بسبب نوع أسرتهم، وإن كان دعم أمهاتهم لهم قد خفف من آثار ذلك. كما أن الشباب الذين ينتمون إلى مجتمع الميم هم أيضا أكثر عرضة لأن يصبحوا ضحايا للتنمر وغيره من التصرفات العدوانية في المدرسة. وعادة ما كانت المدارس تتجاهل التنمر النابع من كراهية المثليين في الماضي.

استراتيجية اسكندنافية لمكافحة التنمر: برنامج أولفياس

لحسن الحظ، الأبحاث التي تُجرى حاليا بإمكانها تزويدنا ببعض استراتيجيات مكافحة التنمر التي أثبتت قدرتها على المساعدة في القضاء على تلك الظاهرة.

"برنامج أولفياس لمنع التنمر" من بين البرامج التي تم اختبارها بشكل موسع. طور البرنامج عالم النفس السويدي-النرويجي الراحل دان أولفياس، الذي أشرف على الكثير من أوائل الأبحاث التي أجريت حول الإيذاء الذي يتعرض له الأطفال.

يعتمد البرنامج على فكرة أن حالات التنمر الفردية غالبا ما تكون نتاجا لثقافة أشمل تتسامح مع إيذاء الآخرين. ومن ثم، يحاول التعامل مع نظام المدرسة بأكمله حتى يتوقف السلوك السيء عن النمو والاستفحال.

ومثل العديد من وسائل التدخل الأخرى، يبدأ برنامج أولفياس بالاعتراف بوجود مشكلة. ولهذا السبب، ينبغي على المدارس إجراء استبيان لسؤال الطلبة عن تجاربهم. تقول سوزان ليمبر، أستاذة علم النفس التطوري بجامعة كليمسون بولاية ساوث كارولينا الأمريكية إن "معرفة ما يجري في مبناك مهم للغاية، ومن شأنه أن يساعد في توجيه دفة جهودك الرامية إلى وقف التنمر".

قواعد السلوك المقبول

يشجع برنامج أولفياس المدارس على وضع قواعد واضحة لما يعتبر سلوكا مقبولا - وعواقب انتهاك تلك القواعد.

تقول ليمبر إن العقوبات "لا ينبغي أن تكون مفاجئة للطفل". ويجب على البالغين أن يكونوا قدوة إيجابية، يشجعون على السلوك الحسن ولا يتسامحون على الإطلاق مع أي شكل من أشكال الإيذاء.

كما أن عليهم أيضا أن يتعلموا كيف يحددون المواقع التي يزيد فيها احتمال حدوث التنمر داخل المدرسة، وأن يراقبوها بانتظام.

تقول ليمبر: "كل شخص بالغ في المدرسة بحاجة إلى تدريبات أساسية حول التنمر - يشمل ذلك الأشخاص الذين يعملون في الكافيتيريا، سائقي الحافلات، وعمال النظافة".

على مستوى الفصل، ينبغي أن يجتمع الأطفال أنفسهم لمناقشة طبيعة التنمر - والطرق التي يستطيعون من خلالها مساعدة ضحايا السلوك العدواني.

الهدف من ذلك كله هو ضمان أن تكون رسالة رفض التنمر مترسخة في ثقافة المؤسسة التعليمية.

عدد أقل لحالات التنمر

عكفت ليمبر، من خلال عملها ضمن برنامج أوليفاس، على اختبار البرنامج في العديد من الهيئات التعليمية، بما في ذلك 200 مدرسة في ولاية بنسلفانيا.

تشير تحليلات فريقها البحثي إلى أن البرنامج أدى إلى انخفاض عدد حالات التنمر بمعدل 2000 حالة خلال عامين. كما لاحظ الباحثون أيضا تغييرات في الموقف الإجمالي للطلبة والعاملين في المدارس إزاء التنمر، بما في ذلك زيادة تعاطفهم مع الضحايا.

النتائج التي توصلت إليها ليمبر ليست الوحيدة التي تظهر أن حملات مكافحة التنمر المنتظمة بإمكانها إحداث تغيير إيجابي. فقد خلص تحليل حديث لنتائج 69 تجربة إلى أن حملات مناهضة التنمر لا تؤدي فقط إلى تقليل عدد الضحايا، بل أيضا إلى تحسين الصحة العقلية والنفسية للطلاب بشكل عام.

ومن اللافت أن الفترة الزمنية لتلك البرامج لم تكن مؤشرا على فرص نجاحها. يقول ديفيد فراغواس من معهد الطب النفسي والصحة العقلية التابع لمستشفى كلينيكو سان كارلوس بمدريد، وهو كبير الباحثين الذين أجروا الدراسة، إن "مجرد بضعة أسابيع من التدخل كانت فعالة".

بيد أنه رغم وجود أدلة قوية على نجاحها، فإن وسائل التدخل هذه لم يتم إدماجها ضمن برامج التعليم الوطنية في غالبية المدارس. يضيف فراغواس: "نحن لا نطبق الشيء الذي نعلم جيدا أنه فعال".

المشاركة تعني الاهتمام

مكافحة التنمر، بالطبع، لا تقتصر على المدارس، وتقول ليمبر إن الآباء ومن يقومون برعاية الأطفال ينبغي أن ينتبهوا إلى الإشارات التي تدلل على وجود مشكلة. تضيف:"يجب أن يكون التدخل استباقيا من خلال الحديث عن الموضوع - لا تنتظر أن يثار. يمكنك مثلا أن تجعله جزءا من السؤال عن حال الطلبة: ’كيف تسير الأمور بينك وبين أصدقائك؟ هل هناك أية مشكلات’؟"

وتشدد ليمبر على أهمية أن يأخذ البالغون مخاوف الطفل على محمل الجد - حتى ولو بدت تافهة من منظور خارجي، وفي الوقت ذاته، عليهم أن يحتفظوا بالقدرة على التفكير بذهن صاف.

"استمع بدقة وحاول أن تسيطر على انفعالاتك بينما تستمع إليهم". ينبغي على الشخص القائم على رعاية الطفل أن يتفادى إعطاء نصائح متسرعة بشأن كيفية تعامل الطفل مع المشكلة، لأن ذلك قد يؤدي في بعض الأحيان إلى خلق شعور بأن الضحية يقع على عاتقه اللوم بطريقة ما.

ينبغي على ولي أمر الطفل، إذا كان ذلك ملائما، أن يبدأ حوارا مع المدرسة، والتي يتعين عليها أن تضع على الفور خطة للتأكد من أن الطفل يشعر بالأمان. "أهم شيء هو التركيز على الطفل وعلى تجربته أو تجربتها".

عملية النمو نادرا ما تسير بسلاسة: فالأطفال والمراهقون يتعلمون كيف يُكونون علاقات اجتماعية، وهذه عملية مصحوبة بالألم والحزن.

لكن عندما نصل إلى مرحلة البلوغ، بإمكاننا أن نحسن الطريقة التي نعلّم بها الأطفال أن بعض السلوكيات ليست مقبولة على الإطلاق، ولا ينبغي توجيه اللوم إلا للمتنمرين أنفسهم. مثل هذه الدروس قد يكون لها تأثير واسع النطاق على صحة وسعادة العديد من الأجيال المقبلة.

* ديفيد روبسون عالم وكاتب من لندن. أحدث كتبه هو "تأثير التوقعات: طريقة تفكيرك من الممكن أن تغير حياتك".

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced