العيادات الخاصة.. مقامرة ومتاجرة بارواح العراقيين بانتظار من ينظم عملها
نشر بواسطة: Adminstrator
الخميس 21-07-2011
 
   
العالم / بغداد - حيدر الكاظمي - ناصر البجاري
يشكو العراقيون من تحول العيادات الطبية الخاصة الى مصدر لاستنزاف اموالهم والمقامرة بارواحهم وعافيتهم، في ظل تردي واضح لقطاع الصحة الحكومي الذي تمثله المستشفيات والمراكز الطبية.

وبعد ان حظي العراق باشادة منظمة الصحة العالمية خلال عقد الثمانينات، كونه نجح في بناء نظام رعاية صحية يعد الاول في منطقة الشرق الاوسط، انقلب الوضع في العقود اللاحقة ما انعكس على فقدان ثقة العراقيين بمؤسساتهم الصحية لحساب القطاع الخاص الذي تناسى مهامه الانسانية وبات "بورصة" للربح و تضخيم الثروات على حساب معاناة الناس.

تجارة مربحة
المواطنة هديل حسن تقول لـ "العالم" ان "اجور الكشف في العيادات الخاصة شهدت في العامين الاخيرين زيادة غير طبيعية، فهي تتراوح ما بين 10 الاف دينار وصولا الى 100 الف دينار".

وترى ان "العديد من الاطباء وصلوا، وخلال سنوات قليلة، الى مرحلة الثراء الفاحش الذي لا يمكن ايجاد ما يماثله الا في هذا البلد الذي تحول كل شيء فيه من الحالة الانسانية الى المصلحية والنفعية".

وتضيف هديل "قد لا يصدق البعض ان اطباء عراقيين، اما مغتربون او هاجروا بعد احداث 2003، لكنهم يتمتعون بسمعة حسنة في مجال تخصصاتهم، بدأوا ينظمون زيارات محددة للعراق لفحص مرضاهم واجراء العمليات".

وتوضح "مثلا يأتي في الشهر الواحد مرة واحدة ويبقى خمسة ايام في العراق لانهاء جدول اعماله".تشير الى ان اجور "كشفية هذا النوع من الاطباء بلغ 200 دولار للكشف الواحد، وكما ذكرت لبعض الاطباء دون غيرهم ، فهناك اقل من ذلك".وبشأن تباين اسعار الكشفيات بين طبيب وآخر، تقول المواطنة "اعتقد ان الامر خاضع لاجتهاده الشخصي فهناك طبيب مغزى حضوره لبلده بعد اغترابه هو تقديم فائدة لابناء شعبه، واخرون قد لا يفكرون كذلك".

عيادات نصب
الدكتور فريد، اخصائي الامراض الجلدية، في مقابلة مع "العالم"، قال "بعض الاطباء رفعوا قيمة الكشف لاجل الايقاع بالزبون وليس العكس، فهذه نظرية غريبة يلجأ اليها تجار وصيادلة واصحاب حرف بسيطة وحتى الاطباء".ويوضح "كلما عرضت الخدمة او البضاعة بسعر اغلى، سيقول الزبون اذن فهي الافضل، وهنا سيكون المحدد فقط هي مخافة الله وحده، البعض يرضى بالحرام والبعض الاخر يرفضه".ويتابع اخصائي الامراض الجلدية حديثه بالاشارة الى ظاهرة باتت لافتة للعيان لدى بعض العيادات الطبية وهي "الخدمات الشاملة".

ويرى الاخصائي، الذي فضل ذكر اسمه الاول، ان "الخدمات الشاملة او الابنية الشاملة، اسماء قد تثير الاستغراب، لكن نخبة من الاطباء توصلوا لهذه النظرية الاقتصادية الرائعة، فتمكنوا وعبر سنوات من الهيمنة على كامل البناية سواء كانت عمارة او دار، وهنا ستجد غرفة للطبيب والاخرى مختبر والثالثة اشعة والرابعة سونار وايكو وفحص جهد القلب وصولا للحديقة التي تحولت لصيدلية".

ويضيف "كل هذه التفاصيل تكون تابعة لذات الطبيب ولا يسمح باجراء اي فحص الا في المكان الذي دلك عليه، فهو يدار اما من قبل زوجته او ابنائه، وهنا سيدخل المريض ليس لبناية وانما احدى صالات القمار التي لن يخرج منها الا بعد نفض اخر فلس في جيبه".ويؤكد الاخصائي ان "هذه الفحوصات اجبارية حتى وان لم تستدع الحالة المرضية ذلك".

الصحة تعترف
تحدثت "العالم" الى الدكتور عادل محسن عبدالله، مفتش عام وزارة الصحة، حول ارتفاع اسعار الفحوصات لارقام بدأت تثقل كاهل المواطنين العراقيين، فأقر بذلك مشيرا الى ان "تحديد اسعارالكشوفات للاسف لا يخضع لقانون وزارة الصحة اطلاقا، بل يعد من صميم عمل نقابة الاطباء ويحدد في قانون نقابتهم، ومن الناحية القانونية لا توجد لدينا اي دالة على الاطباء بينما النقابة لديها هذه الدالة عليهم".

ويؤكد محسن انهم في وزارة الصحة "نمارس رقابة على العيادات الخاصة لكن من ناحية النوعية اي نوعية الخدمة هل الاختصاص الذي اعلنه الطبيب صحيح؟ هل يمارس خدمته بالشكل الصحيح ؟ هذا من طبيعة عملنا لكن كم يأخذ من المريض لا نتدخل بالامر كما ذكرت".

وحمل المسؤول البارز في وزارة الصحة مسؤولية ارتفاع اسعار الكشفيات لنقابة الاطباء التي قال ان "اعضاء هيئة النقابة سواء المركز العام او فروع المحافظات منتخبون، وهنا لا يستطيع عضو الهيئة الادارية تحديد الاسعار كونه سيخسر شعبيته ولن ينتخب مرة قادمة ، وسيخسر معها العديد من الامتيازات ايضا".

وبشأن تراجع واقع المؤسسات الصحية الحكومية واثره فتوجه المواطن للعيادات الخاصة، قال مفتش عام وزارة الصحة "هناك شكاوى قد ترد من داخل المستشفيات الحكومية عن وجود زخم حاصل في مؤسسة معينة على استشاري محدد، مثلا طبيب قلبية يضطر لفحص 100 مراجع باليوم، هذا لا نقبل به لان زيادة العدد سيؤثر على نوعية الفحص واعطاء العلاج المناسب، هنا نقوم بحل المشكلة اما عبر زيادة عدد المختصين او الاحالة الثالثة وغيرها".

اصلاحات صحية
بدوره الدكتور زياد العلي، المتحدث باسم وزارة الصحة، يرى ان "النظام الصحي العراقي بات قديما ولا يتكيف مع التحديات والمستجدات التي يشهدها البلد، وبات اصلاح هذا النظام امرا لا يقبل الشك".

ويشدد العلي على اهمية الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص لتقديم الخدمات الطبية للمواطنين، ويكشف عن مقترح لوزير الصحة الحالي يقضي بفصل القطاع الخاص عن العالم.

ويوضح المتحدث باسم وزارة الصحة هذا المشروع بالقول "ان يخير الاطباء بين العمل في عياداتهم الخاصة او العمل في القطاع الحكومي مقابل توفير مرتبات تغنيهم عن العمل خارج الاطار الحكومي".لكنه يقر بان هذا المشروع يواجه تحديات سياسية وفنية حول "قدرة الوزارة على فصل القطاعين وجعل الاطباء يختارون بين العمل الخاص والعمل العام مقابل زيادة بالمرتبات".ويتساءل العلي "هل الدولة مستعدة لاستقبال نحو 20 الف طبيب سيقررون العمل في القطاع العام وغلق عياداتهم التي تحمل جزءا من العبء على سلبياتها واللانظام الذي تعيشه هذه العيادات من ارتفاع اجور المعاينة والنظافة وما الى ذلك".

ويؤكد المسؤول البارز في وزارة الصحة ان "الدولة حاليا تفكر حاليا بهذا الخيار رغم خطورته وابعاده السياسية والفنية"، لكنه يؤكد ان "الشق السياسي منه هو هل الحكومة مستعدة لتلقي الضغط على مؤسساتها من قبل المراجعين وغلق العيادات الخاصة؟ والشق الفني يتعلق بامكانية توفير المرتبات لكوادر طبية بهذا الحجم".

عرض وطلب
تحدثنا الى الدكتور علي العنبوري، رئيس الجمعية العراقية للادارة والتنمية الصحية عن هذه الظاهرة فرأى ان "عمل الاطباء في عياداتهم يندرج ضمن العمل في القطاع الخاص، وهذا العمل يخضع للعرض والطلب".

واستدرك بالقول "هذا لا يعني ان تكون هناك مبالغة في الاسعار وبالتالي يصعب على المواطن الحصول على الخدمات التي يقدىمها الطبيب الخاص".

وعن اسباب تفشي هذه الظاهرة التي تؤرق قطاعات واسعة من العراقيين ممن لا يجدون العلاج في مؤسسات الدولة، يقول العنبوري "التقصير بشكل اساسي حول هذا الموضوع تتحمله وزارة الصحة، لان عجزها عن تقديم خدمات جيدة في مؤسساتها، التي يعمل فيها ذات الاطباء الذين لديهم عيادات خاصة، ما ادى بالمواطن اللجوء الى القطاع الخاص، سواء في المستشفيات او المراكز الصحية، وازداد الطلب على القطاع الخاص، وهذه الزيادة ادت الى ارتفاع الاسعار وهذه قاعدة اقتصادية طبيعية".

ويدعو "نقابة اطباء العراق ووزارة الصحة والاطباء الى "الجلوس لطاولة حوار، وان تحدد آليات عمل تحترم المهنة والمواطن وتحترم كفاءة الطبيب للوصول الى اسعار مقبولة ومعتدلة". ويرى العنبوري تباين اسعار الكشفيات انه نابع من "عدم وجود رقابة على معاينة الطبيب الخاص وكل واحد منهم يضع السعر الذي يراه مناسبا حسب قدرته العلمية، وعدد المراجعين لعيادته بصورة يومية وكل ما ازداد الزخم عليه يعتقد ان قدراته اصبحت اكبر ويرفع سعر معاينته".

ويلفت رئيس جمعية التنمية الصحية الى ان "الرقابة على الاسعار لم تكن موجودة في اي وقت من الاوقات، ولكن بين الحين والاخر كانت الحكومة، وهذا الكلام قبل 2003، من خلال ضغطها على نقابة الاطباء تصدر تعليمات تقيد الاسعار".

ومع ذلك يدعو العبنوري الاحتذاء بتجارب دول الجوار في تنظيم اسعار الكشوفات الطبية، فيقول "لو اخذنا انموذج الاردن فهناك ضوابط تصدرها نقابة الاطباء الاردنيين تحدد بجدول خاص اسعار المعاينات والتداخلات الطبية والتشخيصية بحد اعلى معين وحد ادنى للمعاينة والعملية وقد تكون معاينة طبيب جراح بين 10 دينار اردني في ادناه 20 دينارا كحد اعلى، والطبيب هو من يحدد ان يأخذ السعر الاعلى او الادني او ما بينهما وهذا للاسف ما لا نجده في بلادنا".

ويكشف العنبوري عن وجود حالات "بيع العمليات الجراحية والحالات المرضية" بين الاطباء مقابل عمولات بالباطن، ويؤكد ان هذه الظاهرة الجديدة "بات امرا معروفا في اوساطنا الطبية، وسبب هذا الامر هو سوء النظام الصحي في العراق".

وعن سبب لجوء بعض الاطباء للمبالغة في رفع اسعار الكشفيات رغم الزيادة الهائلة في المرتبات الحكومية، يقول العنبوري ان "السبب هو وجود خلل في المنظومة الصحية ككل، وبالتالي يجب مراجعة هذه المنظومة ووضع المعالجات المناسبة للقصور الذي يشوبها لتوفير خدمات ذات جودة جيدة لكل المواطنين في كل الاوقات للتخفيف عن القطاع الخاص وبالتالي تحجيم سوء ادارة القطاع الخاص".ويرى ان "الوزارة يتلاعب بها افراد لايعدون اصابع اليد ويتحكمون بمسيرتها ويسيئون الى المهنة، ويوفرون مناخات عمل سيئة للكوادر الطبية والتمرضية والادارية تصعب من مهمتهم في اداء واجبهم على اتم وجه".ويؤكد ان ذلك "يدفع الكادر الطبي الى بذل جهود اكبر في القطاع الخاص اكبر من الجهود في القطاع الحكومي وبالتالي ينعكس على مستوى الخدمة في القطاع العام".

في ملعب البرلمان
مستشار قانوني لنقابة الاطباء، وعضو في لجنة مراقبة العيادات الخاصة، فسر لـ "العالم" اسباب ارتفاع اسعار كشوفات الاطباء العراقيين المغتربين الذين بدأوا يعودون للعراق بـ "انهم اعتادوا في الدول التي كانوا فيها على اجور مرتفعة".

ويضيف الخبير النقابي ، الذي طلب عدم كشف هويته، "كما يعلم الجميع ان الخدمات الطبية تعد الاعلى في الغرب، كما انهم يتحملون تكاليف سفر ذهاب واياب وجلب اجهزة وعلاجات معهم".وحول شكاوى المواطنين في بغداد وبقية المحافظات من ارتفاع اسعار كشفيات ودور النقابة في ذلك، فيقول "هناك لجان طبية تفتيشية ميدانية تعمل بشكل يومي، تقوم بزيارة عيادات الاطباء ومراقبة عمله النوعي وصحة تشخيصه وصحة العلاج المصروف للمريض، فهذا الامر لا يمكن تركه بدون رقابة كونه يتعلق بحياة المواطنين".ويستدرك بالقول "النقابة لا تتدخل في الاجور، وهذا ما يمكن وصفه بالمشكلة الكبرى التي تعاني منها النقابة حاليا، بسبب حجم التعقيد الذي يشوبها، فالكل يعلم ان الايجارات ارتفعت هذه الايام وقد يصل ايجار شقة في منطقة متميزة لاكثر من 5 الاف دولار شهريا واكثر من ذلك".

ويضيف الى ذلك "خدمات الكهرباء والتنظيف والعاملين بالعيادة وحتى تأمين حماية امنية لبعض العيادات كلها صرفيات تتطلب عائد جيد لسدها". ويشير مستشار نقابة الاطباء الى ان "تحديد الاجور من اختصاص النقابة وتحديدا المفتشين بالتعاون مع وزارة الصحة، وحتى الان نعمل بالقانون 81 لسنة 1984، الساري المفعول، لنقابة الاطباء".

وكشف عن "اعداد مسودة قبل اربعة سنوات تمهيدا للمصادقة عليه، لكنه يؤجل كلما يعرض على البرلمان، ولهذا لا يمكننا تحديد الاسعار، وهنا خضع الامر للاجتهادات الشخصية للاطباء، وحتى اسعار الدواء لا تخضع للرقابة والقوانين، وقد تجد علاج محدد بسعر 10 الاف دينار في مكان وذات العلاج في مكان اخر بخمس اضعافه".

بانتظار القانون الجديد
النائبة آمنة سعدي، عضو لجنة الصحة والبيئة البرلمانية، تؤكد لـ "العالم" ان "قانون نقابة الاطباء بصدد دراسة وتعديل المسودة الخاصة به داخل لجنتنا وخلال شهر من الان سيتم طرحه على البرلمان ليأخذ مساره في التشريع".

وتشدد على ان "القانون الجديد تضمن الكثير من التعديلات التي تتناسب ووضع العراق الحالي ، خاصة وان اخر قانون شرع للنقابة كان عام 1984"، وترى ان "القانون الجديد يضع مصلحة المواطن والبلد ضمن الاولوليات". وتضيف النائبة سعدي "بما ان نقابة الاطباء تعد هي الرقيب على موضوع تحديد اسعار الكشوفات الطبية، لهذا سيتم ومن خلال التحاور مع وزير الصحة ونقيب الاطباء وحتى الاطباء انفسهم لتحديد محددات سعرية مناسبة للجميع وبخاصة المواطن الذي بدأت ترهقه ارتفاع اسعار الكشوفات".

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced