على الرغم من إنشاء أغلب الوزارات مراكز لتمكين المرأة وإطلاق حملات منظمات المجتمع المدني دفاعاً عن ضحاياه، مازال العنف الأسري خطرا كبيرا يواجه النساء والفتيات، حتى باتت ممارساته أمرا عاديا ومسكوتا عنها، في إطار المنظومة الذكورية التي تستمد تأثيرها من العادات والتقاليد، فلا يسمح للضحية بالإبلاغ عن الإعتداء ورفع الشكوى ضد معنفيها، مما يجعلهم يتمادون في انتهاكاتهم.
دور شكلي
تقول النشاطة النسوية سارة جاسم لـ»طريق الشعب» إن «مراكز تمكين المرأة في الوزارات والدوائر الحكومية ما يزال اداؤها شكليا، وأن إجراءات وزارة الصحة قاصرة أمام التبليغ القانوني عن حالات النساء المعنفات». وترى الناشطة ان العامل الاقتصادي وزواج القاصرين (نساء ورجال) في مقدمة الاسباب التي تؤدي إلى ارتفاع نسب العنف الأسري في البلاد. وعن دور الشرطة المجتمعية تفيد الناشطة أن «اجراءاتها غير رادعة وتقتصر على التراضي بين الاطراف المتنازعة مهما كان مستوى الضرر الذي تعاني منه الضحية، بسبب عدم توفر دور لايواء المعنفات».
خسائر اقتصادية
وتفيد د. صفاء البكري التدريسية في كلية الادارة والاقتصاد جامعة بغداد لـ «طريق الشعب» بان تعاطي المخدرات وانتشار البطالة فضلا عن زواج القاصرات والتحديات الاقتصادية في مقدمة الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع نسب العنف الأسري، الذي لم يؤثر على التفكك الاجتماعي فحسب، بل وكانت له آثار أخرى على الموازنة السنوية، تمثلت بارتفاع نسب الكلف، وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام.
وتشير في هذا الشأن إلى أن «العنف ضد النساء يؤثر على الموازنة العامة السنوية ويتأثر بها. فزيادة اعداد العاملين في الرعاية الصحية والاطباء المختصيّن في المستشفيات الحكومية والمراكز المعنية بالعنف، فضلا على التكاليف المالية التي تصرف على مرتكب جريمة التعنيف نفسه حال اعتقاله، يزيد من الأعباء السنوية على الموازنة الحكومية، بسبب الحاجة لزيادة الأجور والرواتب والتكاليف المكتبية الاخرى».
خسائر في الميزانية
وترى د. البكري أن «هذه الكلف المالية وعلى الرغم من الاجراءات الحكومية، باتت بنسب مرتفعة سنويا، فقد ازدادت النفقات العامة لوزارة الصحة على حالات التعنيف التي وردت اليها بشكل كبير من (1.665.900) دينار عام 2019 إلى (9.903.178) دينار عام 2023، فيما ارتفعت نفقات وزارة العدل من (655.958) دينار عام 2019 إلى (1.000.096) دينار عام 2023».
وتقول د. البكري أيضا «أما وزارة الداخلية فان نفقاتها التي تخص حالات جرائم العنف الأسري تتسم بكبر حجمها بالمقارنة مع باقي الوزارات المعنية حيث ازدادت من (10.852.649) دينار عام 2019 إلى (13.887.487) دينار عام 2023».
تأكيد على المطالبة بتشريع القانون
وترى البكري أن «تشريع قانون مناهضة العنف الأسري بات ضرورة ملحة، وأن هناك حاجة إلى تخصيص مبالغ في الموازنة العامة لأغراض مواجهة العنف ضد النساء بما ينسجم مع حجم المشكلة الآخذة في التزايد»، مشددة على أن «ذلك يتحقق من خلال توفير مراكز متخصصة ودور إيواء للمعنفات وأطفالهن وزيادة عدد وحدات الدعم النفسي وتسهيل الوصول إلى هذه الخدمات، فضلا عن زيادة الإنفاق الحكومي لوزارة الصحة وبناء مراكز متخصصة لعلاج حالات العنف».
وتقول د. البكري أيضا إنه «نظرا لكون الكثير من حالات العنف الأسري تعود لأسباب اقتصادية وتشريعية، فإن هناك ضرورة إلى التركيز على الأسر الفقيرة والعاطلين عن العمل من خلال زيادة الإنفاق الموجه إلى الرعاية الاجتماعية، وتعديل النصوص القانونية وسد الثغرات التشريعية للحد من العنف ومعالجة جميع انواعه مع التركيز على العنف ضد النساء».
خسائر يصعب إحصاؤها
بدورها، تفيد مديرة تمكين المرأة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي د. احلام شهيد الباهلي أن «أغلب حالات العنف التي تتعرض لها النساء هو نتيجة التراجع الاقتصادي الكبير الذي تعانية أغلب الأسر العراقية»، منبهة إلى أنه «من الصعب تحديد نسب الخسائر المالية الناجمة عن العنف الاسري الذي تتعرض له النساء والاطفال، لكون أغلب جرائم العنف غير معلنة».
وحول تكاليف برامج المعالجة الجسدية والنفسية للمعنّفات وأطفالهن تقول الباهلي لـ»طريق الشعب» إنه «لا توجد احصائيات رسمية بهذا الخصوص فاغلب تلك التكاليف تصرف بصورة عامة كحال باقي العلاجات من الموازنة السنوية للمرضى ولا يوجد هناك استثناء لحالات التعنيف، فالطبيب المعالج يتعامل مع المعنفة كحالة مرضية لا أكثر».
وبحسب دائرة الحماية الاجتماعية للمرأة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية فإن عدد جلسات الدعم النفسي للنساء المعنّفات ارتفع إلى 1114 جلسة في عام 2023 بعدما كانت لا تتجاوز 422 جلسة عام 2020.
وجاء في المسح المتكامل للاوضاع الاجتماعية والصحية للمرأة في العراق الذي أجرته وزارة التخطيط عام 2021 «ان متوسط تكاليف المعالجات الصحية التي تتحملها النساء المعنّفات يبلغ مليوناً و147 ألف دينار».
أما في إقليم كردستان فعلى الرغم من إقرار قانون مناهضة العنف ضد النساء رقم 8 لسنة 2011، ومثابرة حكومة الإقليم ومنظمات المجتمع المدني على الحد من العنف، إلا أن ممارسته ما تزال مستمرة، فقد بينت الإحصاءات الرسمية لوزارة الداخلية عام 2018 أن 91 امرأة قتلن أو «انتحرن» في إقليم كردستان، و203 أمرأة أخرى إما «أحرقت نفسها» أو أُحرقت» وسُجلت 87 حالة اعتداء جنسي، فيما اشتكت 7191 امرأة من التعرض لأعمال عنف.