يشهد العراق في السنوات الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في تعاطي وترويج المخدرات، سواء من حيث انتشارها أو الجهود المبذولة لمكافحتها. وبينما تتباين الآراء حول وجود صناعة محلية لهذه الآفة داخل البلاد، لا تزال التقارير تشير إلى أن العراق يعد بشكل رئيس مستوردًا لهذه المواد.
وتعاني البلاد من تحديات كبيرة في تأمين حدودها الطويلة، خصوصًا مع إيران، ما يزيد من تدفق المخدرات إلى الداخل. وعلى الرغم من الجهود الحكومية والأمنية المتزايدة لمواجهة هذه الظاهرة، بما في ذلك ضبط كميات كبيرة من المخدرات وتفكيك شبكات تهريب دولية، لا يزال الموضوع يشكل خطرًا كبيرًا على المجتمع، وخاصة بين فئة الشباب.
نائب يؤكد صناعته محليا
وقال رئيس لجنة حقوق الانسان أرشد الصالحي، إن "خطر تعاطي المخدرات موجود ووصل لمستوى العثور على معامل لصناعة المخدرات بعدد من محافظات العراق بفضل جهود الأجهزة الأمنية والحكومية والتي نثني عليها، وكذلك فإن موقف المرجعية العليا حول خطورة آفة المخدرات جاء في محله".
وأضاف: "نعتقد في لجنة مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية بضرورة التنسيق بين الأجهزة الأمنية كافة بعد بيان المرجعية العليا الذي كان واضحاً جداً، وتضمن تحريم التعاطي".
تستهدف الجامعات والمدارس
من جانبها، قالت عضو لجنة مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية النيابية مديحة الموسوي، ان "انتشار المخدرات وصل إلى الجامعات والمدارس، خصوصًا الأهلية منها"، مؤكدة على "ضرورة سيطرة القوات الأمنية على منابع توريد المخدرات إلى البلاد".
وتطرقت الموسوي إلى "تحول العراق من كونه مجرد معبر لمرور المخدرات إلى سوق مهم لتجارتها"، داعية إلى "تعديل بعض فقرات القانون التي تساوي بين المتعاطي والتاجر". وحذرت الموسوي من "انتشار المخدرات داخل السجون"، مؤكدة أن "هذا الأمر يزيد من أعداد المتعاطين ويفاقم المشكلة".
ارتفاع أسعارها في السوق السوداء
يقول عصام كشيش، رئيس منظمة التعافي للحد من خطورة المخدرات، أن موضوع "صناعة المخدرات في العراق غير ثابت أو مؤكد بشكل نهائي، مضيفا أن "الأمر قد يكون متداولًا إعلاميًا، وخصوصًا في مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنه لم يظهر في الإعلام الرسمي بشكل موثوق حتى الآن. وقال: "حتى اللحظة، لا يوجد دليل على وجود صناعة للمخدرات في العراق، ونحن لا نزال دولة مستوردة للمخدرات".
وأضاف كشيش لـ"طريق الشعب"، أن العراق شهد ارتفاعًا ملحوظًا في كمية المخدرات المضبوطة خلال السنوات الأخيرة. ففي عام 2022، تم ضبط نصف طن من المخدرات، بما في ذلك الكريستال والكبتاجون، بينما ارتفعت الكمية في عام 2023 إلى طن وربع، وفي عام 2024 وصلت إلى أربعة أطنان". كما أشار إلى ارتفاع أسعار المخدرات في السوق السوداء، حيث كان سعر الغرام الواحد سابقًا 25 ألف دينار، لكنه ارتفع الآن إلى ما بين 100 و150 ألف دينار، وأحيانًا يصل إلى 250 ألف دينار في المناطق الراقية، ما يدل على وجود تحرك جدي من قبل الدولة لمكافحة المخدرات في الداخل.
الحدود خارج السيطرة!
وأشار كشيش إلى، أن "العراق يعاني من مشكلة كبيرة تتمثل في عدم السيطرة الكافية على الحدود، حيث قال: "نحن نعالج النتيجة وليس السبب. العراق حدوده مفتوحة، خاصة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث تأتي المخدرات عبر الحدود".
وبيّن، أن السيطرة على حدود تمتد لمسافة تقارب 1200 كيلومتر ليست سهلة على الإطلاق، ما يزيد من صعوبة مكافحة تهريب المخدرات.
إنتاجها محلياً غير مؤكد
وفي ذات السياق، قالت إيناس كريم، رئيس منظمة نقاهة لمكافحة المخدرات، أنه لا يوجد دليل رسمي وواضح من الأجهزة الأمنية يثبت وجود صناعة محلية للمخدرات في جميع المحافظات، مشيرةً إلى أن الأمر قد يكون محصورًا في محافظة أو اثنتين فقط. وأوضحت، أن المخدرات تدخل العراق من الخارج وتنتشر في المحافظات، لكن الحديث عن صناعة محلية على نطاق واسع غير دقيق.
وأضافت كريم في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "هناك جهودًا حكومية ملحوظة في التعامل مع ملف المخدرات مقارنة بالسنوات السابقة"، مبيّنة أن العمل الأمني قد تحسن بشكل واضح، حيث يتم القبض يوميًا على مئات تجار المخدرات وتعرض هذه العمليات على وسائل الإعلام. كما أشارت إلى الاهتمام المتزايد بفتح مستشفيات خاصة بعلاج الإدمان في بغداد والمحافظات.
وأكدت أنه سيتم افتتاح مستشفى في منطقة الكرخ قريبًا، بينما تم افتتاح مستشفى في منطقة الرصافة قبل عام، فيما حذرت من "وصول هذه المخدرات إلى المدارس والجامعات وتعاطيها حتى من قبل الفتيات".
وعلّلت كريم تفاقم انتشار المخدرات بـ"عدم ضبط الحدود"، موضحة أن "الكريستال والكبتاغون والحشيش لم تعد الأكثر انتشاراً بين الشباب، بل ظهرت أيضاً العقاقير المهدئة التي يحصل عليها الشباب من الصيدليات دون رقابة أو وصفات طبية".
ونبهت إلى أن تجار المخدرات ليسوا المسؤولين الوحيدين عن انتشار المخدرات، بل يتحمل أصحاب الصيدليات والمذاخر الذين وصفتهم بـ’الخونة’ جزءاً من المسؤولية أيضاً.
وأشادت كريم بالتوجه البرلماني الحالي لتعديل قانون المخدرات رقم 50، حيث ذكرت أن رئاسة مجلس الوزراء أصدرت قرارًا مؤخرًا يعيد القانون إلى مجلس النواب بعد أن قضى قرابة عام في مجلس الدولة. وأضافت: "القانون الآن في مرحلة الإقرار، وهذا يعتبر تقدمًا مقارنةً بالوضع السابق".
ووافق مجلس الوزراء، يوم 17 من الشهر الجاري، على مشروع قانون التعديل الأول لقانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50) لسنة 2017.
وقال رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، إن هذا التعديل يهدف إلى رفع مستوى دائرة مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، لتتمكن من مواجهة هذه الآفة الخطيرة، بحسب تعبيره.
وتضمن المادة 40 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017، إعفاء المتعاطي الذي يقوم بتسليم نفسه للمؤسسة الصحية من العقوبات الجزائية، وتوفر له حقوقا منها، اعتبار المتعاطي مريضاً وليس متهماً، ووضعه تحت الملاحظة الصحية لمدة 30 يوماً، وتلقيه العلاج لفترة تتراوح ما بين 90-180 يوماً. وتشترط المادة على المتعاطي الالتزام بالعلاج ومراجعة العيادة النفسية الاجتماعية بعد الشفاء لفترة محددة ووفي حال عدم الالتزام أو التخلف يتم إشعار المحكمة المختصة باتخاذ الإجراءات القانونية بحق المتعاطي.
وأعلنت المديرية العامة لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية في نهاية شهر آب الماضي، عن إحصائية بعدد عملياتها وعدد المقبوض عليهم والصادرة بحقهم أحكام قضائية خلال العام الجاري. إذ كشفت المديرية عن اعتقال نحو 10 آلاف متهم بجريمة المخدرات، فيما صدرت الأحكام القضائية بحق ما يقارب 5500 منهم منذ مطلع العام الحالي، مشيرة إلى تفكيك شبكات دولية عبر تبادل المعلومات وتكوين قاعدة بيانات بعمل دولي مشترك.
المديرية تابعت أن المصحات تستقبل المئات من المتعاطين لتلقي العلاج، مؤكدة أن من يلجأ اليها من تلقاء نفسه لا يحاسب قانونيا وفق المادة 40 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية. وأشارت إلى صدور 140 حكما بالإعدام و500 حكما بالسجن المؤبد بحق تجار مخدرات للفترة من مطلع العام الماضي ولغاية شهر أغسطس من عام 2024.