مع حلول الذكرى الخامسة لانتفاضة تشرين، لا تزال عوائل الشهداء الذين قدموا أرواحهم من اجل تحقيق العيش الكريم والعدالة الاجتماعية لأبناء الشعب، تطالب بمحاسبة قتلة أبنائها وتقديمهم للعدالة، وسط تجاهل وتسويف ملحوظين من قبل الجهات المعنية.
وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني تعهد بكشف نتائج التحقيقات حول المسؤول عن قتل المتظاهرين في انتفاضة تشرين 2019، قبل نهاية العام 2023، لكن يبدو أن ثقل الملف وتعقيداته وضعته في خانة التسويف.
نجدد العهد لشهدائنا
حسن الشمري، والد الشهيد صلاح العراقي، يقول إن "عوائل الشهداء قدمت الغالي والنفيس فداءً للوطن وللقضية الحقة، لكن لم يتم إنصافهم، فلم يحاسب القتلة على جرائمهم برغم مرور خمس سنوات".
ويضيف الشمري في حديثه لـ"طريق الشعب"، أن "الجرح لا يزال نازفًا ويتجدد مع كل ذكرى، خصوصًا أن القتلة لا يزالون طلقاء، ولم تصِبهم يد العدالة". ويستذكر الشمري رمزية الأول من تشرين لعوائل الشهداء، حيث تتجدد فيه مطالبهم بمحاسبة قتلة أبنائهم.
ويؤكد بالقول: "نجدد العهد لأبنائنا الشهداء بالاستمرار على دربهم"، مشيرا الى ان "القوى المتنفذة تتستر على القتلة، ولا نعوّل على تلك الجهات في تحقيق أية نتائج في هذا الملف".
وحول ابنه الشهيد صلاح، يوضح الشمري: "كان شابًا بسيطًا متزوجًا، يكافح من أجل قوت يومه، لكنه كان يحمل طموحًا بأن تتغير الأحوال إلى الأفضل. خرج مع رفاقه بعد أن أدركوا بؤس الأوضاع، واستشهد برصاصة غدر، تاركًا وراءه زوجة وأربعة أطفال".
ويتساءل الشمري في ختام حديثه: أين وعود السوداني بكشف نتائج التحقيق بقتلة متظاهرين تشرين؟
مسؤولية الجميع
مثل صلاح، هناك الكثير من الشهداء الذين اغتيلت أحلامهم. يوسف خماس، والد الشهيد مؤمل، يصف ولده بأنه "شاب مؤدب وخلوق، محبوب من الجميع، وشغوف بلعب كرة القدم".
يروي خماس لـ"طريق الشعب"، قصة الاستشهاد قائلا: أن مؤمل "ذهب إلى ساحة التحرير خفية دون علمي، وحين اكتشفت طلبت منه عدم الذهاب خوفًا على حياته. لكنه فاجأني بردوده التي أكدت ضرورة الحضور والمشاركة في مواجهة الظلم والفساد، ومن أجل تأمين حياة أفضل للأجيال القادمة".
ويضيف خماس، أنه لم يمض وقت طويل حتى أصيب مؤمل في 23 نوفمبر 2019 برصاصة في رأسه. واستشهد بعد عدة أيام متأثرًا بجراحه: "كلمات مؤمل لا تزال تتردد في ذاكرتي، وتزيد من شعوري بالمسؤولية".
يقول خماس: "الأول من تشرين له رمزية خاصة بالنسبة لنا، مرتبط بأولادنا وسيبقى عالقًا في أذهاننا إلى الأبد".
شاب طموح قتلته الرصاصات
محمد ستار، والد الشهيد مصطفى، يتحدث عن ولده الذي كان "طالبًا جامعيًا في المرحلة الأخيرة، وكان يحلم بالعيش بكرامة واستقرار". لكنّه أشار إلى أن "مصطفى اغتالت أحلامه رصاصة قناص في ساحة التحرير".
يقول ستار في حديث لـ"طريق الشعب": إنّ "الشباب من جيل التسعينيات عانوا أسوأ الظروف، نتيجة لفشل القوى السياسية في خلق مستقبل واضح لهم"، مضيفا أن "سلوك السلطة غير المسؤول واستهتارها بمعاناة الشباب أوصلتهم إلى مرحلة لم يعودوا قادرين فيها على الصبر. لذا اندفع الشباب إلى ساحات الاحتجاج بشجاعة واستبسال، مقدمين أرواحهم في سبيل انتزاع حقوقهم".
ويضيف أن "تراكم الاحتجاجات وتفاقم الأزمات زاد من وعي الشباب بحقوقهم، وأدركوا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، ما ميزهم وجعل انتفاضتهم لحظة فارقة".
استمرار التجاهل والتسويف
ستار انتقد "تسويف وتجاهل المنظومة السياسية لمطالب الانتفاضة وعوائل الشهداء"، مشيرًا إلى أن "السلاح المنفلت والفساد المستشري يزيدان من تغول السلطة على رقاب الناس".
وقال إن "عوائل الشهداء لن ينسوا مطالبهم، وعلى رأسها محاكمة القتلة والمجرمين وإنصاف ضحايا الإرهاب"، مضيفا ان رئيس الوزراء وعد بكشف نتائج التحقيق في انتهاكات الانتفاضة، قبل نهاية العام الماضي، لكنه وبعد مرور قرابة عامين لا يزال الملف طي الكتمان.
العدالة المؤجلة
ومع استمرار نفوذ المتورطين في قتل شباب الانتفاضة، تبقى مطالب عوائل الشهداء معلقة في ظل غياب العدالة. ورغم الإصرار على محاسبة القتلة، يظل التسويف والتجاهل هما السمة الغالبة على تعامل السلطات مع هذه القضية، ما يزيد من معاناة العوائل التي فقدت أبناءها في سبيل الوطن.
وفي الذكرى الخامسة لانتفاضة تشرين، تتجدد المطالب بتحقيق العدالة للشهداء، وسط استمرار الاحتجاجات والمطالبة الشعبية بالتغيير، فهل ستستجيب السلطات أخيرًا؟ أم أن العدالة ستظل مؤجلة إلى إشعار آخر؟