مع حلول الذكرى الخامسة لانتفاضة تشرين في الخامس والعشرين من تشرين الأول 2019، تظاهر المئات من المواطنين وعوائل الشهداء مطالبين بملاحقة قتلة المنتفضين وإيقاف التضييق على الحريات والحقوق المدنية، ومكافحة آفة الفساد، والتي يُلخصها شعار الانتفاضة: نريد وطن.
وفي الوقت الذي يُحيي فيه المحتجون هذه الذكرى للانتفاضة التي انطلقت للمطالبة بالإصلاح السياسي ومكافحة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية، اكدوا عبر شعاراتهم وهتافاتهم تمسّكهم بأهداف الانتفاضة وبمطالبهم المحقة.
ساحة التحرير
وشهدت ساحة التحرير، وسط بغداد، أمس الاول الجمعة وقفة احتجاجية لمئات المتظاهرين وذوي الشهداء والجرحى، احياءً للذكرى الخامسة لانتفاضة تشرين، مجددين المطالبة بـ"وطن نعيش فيه بكرامة".
وقالت اللجنة المنظمة للاحتجاج في بيان لها "نعود اليوم وناصرية الثورة ترزح تحت َظلم وقمع في محاولة يائسة لإسكات صوت أبنائها الأبطال"، مشيرة الى ان "قوى الشر والظلام لا تريد للبلاد سوى التدمير والتخلفِ".
وتضمن بيان اللجنة عددا من المطالب، شملت التأكيد على "إيقاف تفشي المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت، ومنع الانتهاك المتكرر للسيادة الوطنية، ومعالجة تردّي الواقع الصحي والخدمي، والقضاء ُعلى البطالة، والحدّ من ظاهرة انتشار التلوث في العراق، عامةً وفي العاصمة بغداد خاصة".
ودعا البيان الى "إعادة تشكيل لجنة فعلية لتقصي الحقائق الخاصة بقتلة متظاهري تشرين 2019، وإنصاف الجرحى، وبيانِ مصير المغيبين".
وخصّت اللجنة المنظمة للاحتجاج مدينة الناصرية بثلاثة مطالب يتصدرها "إقالةُ محافظ ذي قار، وإقالة قائد شرطة المحافظة، ومعالجةُ قضايا المعتقلين والناشطين وفق الإجراءات القانونية المعمول بها، بعيداً عن الترهيب والاستهداف العشوائي".
احتجاج واسع في الحبوبي
وشهدت ساحة الحبوبي في مدينة الناصرية تظاهرة حاشدة شارك فيها المئات من الناشطين والمواطنين، لإحياء ذكرى تظاهرات 25 تشرين التي انطلقت في عام 2019.
وطالب المشاركون في التظاهرة بالإصلاح السياسي ومحاسبة المسؤولين عن قتل المتظاهرين، والكف عن حملة الاعتقالات التي طالت عددًا من الناشطين في إطار الحملة الأمنية الحالية، مجددين المطالبة بإطلاق سراحهم وإسقاط الدعاوى القضائية الموجهة ضدهم.
كما نظم العشرات من المتظاهرين في محافظة ميسان وقفة احتجاجية قرب المقبرة الرمزية لشهداء انتفاضة تشرين.
وخلال الوقفة، عبّر عدد من المتظاهرين عن مشاعرهم بالقول إنهم اجتمعوا لتذكر الذين قضوا نحبهم نتيجة القمع، وكذلك الذين وصلوا إلى مواقع الحكم وتخلوا عن رفقائهم وحقوقهم التي خرجوا للمطالبة بها. ورفع المتظاهرون شعارات تحيي حب الوطن وتطالب بالحرية لزملائهم المعتقلين في عموم المحافظات.
ضعوا حدا للانتهاكات
ورغم مرور خمس سنوات، لا تزال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مستمرة، بدءا من القمع المفرط للاحتجاجات، مرورا بحالات الاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية، وصولا إلى عدم محاسبة المسؤولين عن العنف، ومقابلة اصحاب الرأي بالاغتيال او الدعاوى الكيدية بأفضل الاحوال، كل هذا والمزيد، دفع باتجاه تصاعد الدعوات لوضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان وضمان العدالة للمواطنين.
وفي هذا الصدد، قال رئيس جمعية المواطنة لحقوق الإنسان، محمد السلامي: إن "هذا اليوم هو امتداد ليوم الأول من تشرين الذي كان شرارة انطلاق الانتفاضة، نتيجة تراكمات كبيرة قاساها الشعب العراقي وخصوصاً شريحة الشباب الذين عانوا وما زالوا من عدم وجود خدمات وعمل لائق، لذلك انفجر الشعب بوجه قوى السلطة".
وأضاف السلامي في حديث مع "طريق الشعب"، ان هناك استمرارا على نهج الديكتاتورية وتجاهلا لمعاناة الشعب، وإيغالا في التضييق وتكميم الافواه، ما دلل على ان المنظومة السياسية لم تتعظ من الدروس السابقة، وهو ما يتجسد بوضوح في حجم القمع، الذي جوبهت به الاحتجاجات الأخيرة في مختلف مناطق البلاد.
وتابع، انه "بموازاة هذا نجد أن الخبرة التي تراكمت عند الشعب تنفجر بأشكال مختلفة، بينما المطالب التي نادى بها المتظاهرون لم يحققها الذين يديرون الحكم، بل أمعنوا بتكريس نهج المحاصصة والفساد وتشريع القوانين وإصدار القرارات التي تحفظ وتضمن لهم بقاءهم في السلطة".
وعن تقييم واقع حقوق الانسان والحريات في البلاد، يرى السلامي أن "جميع الحكومات في مرحلة ما بعد التغيير، لديها سجل سيئ في الانتهاكات، التي كان آخرها ما حصل في ذي قار، أخيرا، من سلب لحق الحياة وحرية التعبير، واعتقال الناشطين، بدلا من ملاحقة القتلة".
وواصل حديثه أنّ "الدعاوى الكيدية التي تختلقها قوى السلطة تهدف لقمع الحريات واسكات الأصوات الحرة".
كفى تسويفاً
سعد محسن، والد احد شهداء الانتفاضة، قال ان "المنظومة السياسية التي قتلت الشباب في انتفاضة تشرين، ما زالت ـ بعد مرور 5 سنوات ـ مستمرة بسياستها الرعناء التي دمرت حلم الاف الشباب"، مشيرا الى انها تجيد "تسويف مطالب ذوي الشهداء والجرحى، وتغييب العدالة، والالتفاف على القصاص من القتلة".
وأضاف محسن في حديث لـ"طريق الشعب"، ان "مشاركتنا في ذكرى الانتفاضة الخامسة تأتي للتأكيد على أن الجرائم التي ارتكبت بحق الشباب لن تسقط بالتقادم، وان عوائل الشهداء تجدد اليوم المطالبة بالعدالة وإنصاف أبنائهم".
حق التعبير.. في القاع!
الى ذلك، قال المحامي محمد جمعة، ان "أوضاع حقوق الإنسان وحرية التعبير في العراق ما زالت سيئة جداً، حيث وصلت الى ادنى مستوياتها، وما يحصل في الناصرية يمثل مثالا بسيطا على ذلك؛ فالناس ما زالت تتعرض للاعتقال بسبب منشور أو تعليق على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا هو ادنى ما يمكن ان نصل اليه من قمع لحرية التعبير".
وأضاف قائلاً: ان "حقوق الإنسان وحرية التعبير وحق التجمع والتظاهر السلمي، ليست سوى حبر على ورق. نجدها مكتوبة في متون الكتب لكنها لا تنفذ ولا تطبق"، مشدداً على ان "القوى المتنفذة في السلطة كانت وما زالت تنتهج وتمارس التضييق على هذه الحريات الدستورية المكفولة".
ورأى جمعة، ان ذلك "يستدعي استمرار ورفع وتيرة الضغط الشعبي من اجل تطبيق مواد الدستور التي كفلت هذه الحريات وغيرها، وإيقاف هذه الانتهاكات واحترام الدستور"، مشدداً على ان "الاستمرار في هذا النهج بانتهاك الحريات وحقوق الإنسان، لا يمكن ان يستمر، وإن هذه الممارسات وان كانت فاعلة في الوقت الحالي، إلا ان تداعياتها مستقبلاً ستكون كبيرة على قوى السلطة".
جيل ثوري
ولفت إلى ان هناك جيلا شابا نشأ في انتفاضة تشرين، وهذا الجيل اليافع تشبع بالثورية ونبذ السلطة الفاسدة وممارسات القمع والتنكيل والاضطهاد، وهو بطبيعته غاضب وناقم على السلطة التي حرمته من ابسط حقوقه، وبالتالي فإنه نتيجة لاستمرار ممارسات هذه السلطة وتنكيلها بالشباب، قد يعود هذا الجيل وينتفض من جديد".