يشهد العراق ارتفاعاً غير مسبوق في حالات الطلاق، إذ تسجل آلاف الحالات سنوياً، الامر الذي ينتهي بغالبية تلك الأسر الى التفكك، تاركة وراءها تداعيات خطيرة على الأطفال والنساء الذين يدفعون الثمن الأكبر.
نزف مجتمعي
ووصفت الباحثة الاجتماعية بلقيس الشمري هذا الوضع بأنه “نزف مجتمعي” بات بحاجة إلى إجراءات عاجلة.
وأرجعت الشمري هذا التفشي إلى تداخل العديد من العوامل المتراكمة التي تساهم في تفكيك الأسر، مشيرة الى ان “الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والبيئية، تلعب دوراً في تفاقم هذه الظاهرة. فمثلاً، تدني الوضع المادي يدفع كثيراً من الأزواج للعيش مع أهل الزوج، ما يخلق توترات وخلافات مزمنة تحت سقف البيت الواحد، غالباً ما تنتهي الى الطلاق”.
وأشارت الشمري في حديث لـ”طريق الشعب”، إلى أن “التوظيف السلبي للتكنولوجيا الحديثة، خاصة شبكات التواصل الاجتماعي، يلعب دوراً متزايداً في هذه الظاهرة. فقد أظهرت حالات كثيرة ارتباط الطلاق بخيانات زوجية وابتزازات إلكترونية، إضافة إلى التحرشات عبر هذه الوسائل”.
الزواج المبكر
وترى الشمري، أن الجانب الرقمي بات أحد التحديات الجديدة التي تؤثر سلبا على المجتمع العراقي. كما أن أحد أخطر العوامل وراء الطلاق هو الزواج المبكر، حيث يتم تزويج الفتيات والفتيان في سن صغيرة، ما يؤدي إلى مشكلات اجتماعية خطيرة، نتيجة لعدم نضوجهم العاطفي والاجتماعي.
ووفقاً للشمري، تنتشر هذه الظاهرة بشكل كبير بين الفئات الأقل تعليماً، والمناطق الأكثر فقراً.
وتعتبر البطالة والفقر من العوامل الرئيسة التي تغذي الطلاق في العراق؛ فمع قلة الفرص الاقتصادية والتدهور العام في الظروف المعيشية، تجد العديد من الأسر نفسها غير قادرة على الصمود أمام الضغوط المتزايدة.
وترى الشمري أن “معالجة هذه الظاهرة تتطلب تضافر الجهود الحكومية والمجتمعية”. وتدعو إلى تشريعات تقنن الزواج المبكر وتمنعه بشكل صارم، نظراً للتداعيات الاجتماعية والإنسانية الخطيرة التي تنجم عنه. كما تؤكد على أهمية توعية المجتمع حول تأثيرات الطلاق على الأطفال والنساء، وتعزيز دور الاستشارات الزوجية والدعم النفسي للأسر التي تواجه صعوبات.
وفقاً للمركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان فأن أكثر من 357 ألف حالة طلاق سجلت خلال 4 سنوات في عموم العراق، ووفق إحصائيات مجلس القضاء العراقي، فإن “عام 2021 شهد تسجيل (73155) حالة طلاق، في حين شهد عام 2022 تسجيل (68410) حالة، وعام 2023 (71016) حالة، و(45306) حالة طلاق خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي 2024”.
إجازة قانونية لاغتصاب الاطفال؟
تعلق الناشطة النسوية إسراء سلمان على تلك الأرقام بالقول: أنها “ترتبط بشكل طردي مع زيادة تعداد السكان”، موضحة أن “ارتفاع عدد السكان يؤدي بشكل طبيعي إلى زيادة معدلات الزواج، الوفيات، الولادات، وحالات الطلاق أيضا”.
وتقول سلمان لـ “طريق الشعب”، أن “الإحصائيات الصادرة عن مجلس القضاء الأعلى، تسلط الضوء على ظاهرة الزواج والطلاق الخارجي، أي العقود التي تتم خارج أسوار المحكمة”، مشيرة إلى أن “هذه العقود تشمل غالباً فتيات دون السن القانونية، أي أقل من 15 عاماً، رغم أن القانون العراقي يسمح بالزواج ابتداءً من هذا العمر”.
وتؤكد أن “الفتيات في هذا العمر غير مؤهلات للزواج وإدارة الأسرة، وهو ما يفسر فشل العديد من هذه الزيجات”، موضحة أن “صغر سن المتزوجين، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، يعتبر من العوامل الرئيسة التي تؤدي إلى ارتفاع معدلات الطلاق”.
وبيّنت، أن “الزيادة الأخيرة في حالات الطلاق تعود إلى انتشار الزواج خارج المحكمة، وليس إلى قانون الحضانة”، معتبرة “محاولات إلغاء قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959، الذي يعد من القوانين التقدمية في المنطقة العربية، ستكون بمثابة كارثة اجتماعية”.
وتابعت سلمان أن “هذا القانون، المستند إلى الشريعة الإسلامية، ينظم العلاقات الأسرية، بما في ذلك الزواج والطلاق والحضانة. وفي حال تم إلغاؤه، سنشهد زيادة في حالات زواج الأطفال، الأطفال غير المسجلين، وانتشار الأمراض المنقولة جنسياً، مما سيؤدي إلى تفكك المجتمع العراقي”، بحسب قولها.
واختتمت حديثها بالتحذير من أن “تعديل هذا القانون يعني إعطاء إجازة قانونية لاغتصاب الأطفال تحت ذرائع غير مبررة، وهذا سيشكل خطراً كبيراً على المجتمع العراقي ويهدد بتدميره”.
اين يحدث الطلاق؟
ويقول حقي كريم هادي، رئيس جمعية حماية وتطوير الأسرة العراقية، حول ظاهرة ارتفاع حالات الطلاق في العراق، ان “الموضوع يُعتبر من القضايا المهمة التي تحتاج إلى اهتمام كبير”، مشيرة الى أن هناك العديد من الأسباب التي تسهم في زيادة هذه الظاهرة، ولذلك يجب تسليط الضوء عليها.
ويضيف هادي لـ”طريق الشعب”، أن “العامل الاقتصادي يلعب دوراً رئيسياً في هذه المشكلة، إذ أن البيئة التي يعيش فيها الزوجان تؤثر بشكل مباشر على استقرار الزواج.
على سبيل المثال، نلاحظ أن معظم حالات الطلاق تحدث في المناطق العشوائية والفقيرة، لأن الأوضاع الاقتصادية السيئة تزيد من الضغط على الأسر”.
علاوة على ذلك، يشير هادي إلى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، حيث ساهمت بشكل كبير في زيادة حالات الطلاق.
كذلك عدم الإنجاب يعد سبباً مهماً في فشل بعض الزيجات، بالإضافة إلى تدخل الأهل من كلا الطرفين (أهل الزوجة وأهل الزوج) في شؤون الحياة الشخصية للزوجين، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلات.
ويضيف على ذلك بأن العادات والتقاليد القبلية والعشائرية تلعب دوراً في ارتفاع حالات الطلاق، خصوصاً في المناطق الجنوبية من العراق.
واختتم هادي حديثه بالدعوة إلى ضرورة البحث عن حلول فعّالة للحد من هذه الظاهرة، مؤكداً أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تحتاج إلى معالجة جذرية لتقليل حالات الطلاق والحفاظ على استقرار الأسرة العراقية.