مطالبات بفتح تحقيق دولي بقتل المتظاهرين
تجري الاستعدادات في محافظة ذي قار لإحياء الذكرى السنوية الخامسة لضحايا مجزرة جسر الزيتون التي راح ضحيتها 50 شهيدا و500 جريح من متظاهري المحافظة المذكورة، فيما دعا ناشطون واسر ضحايا قمع التظاهرات الى فتح تحقيق دولي لمحاسبة قتلة المتظاهرين والمتورطين بقمعهم.
وتشهد مدينة الناصرية سنويا وبالتزامن مع حلول ذكرى مجزرة جسر الزيتون التي وقعت خلال يومي (28 و29 تشرين الثاني 2019) انطلاق مسيرة راجلة من ساحة الحبوبي باتجاه جسر الزيتون وسط الناصرية تحمل نعوش رمزية وصور الضحايا وترفع الاعلام العراقية ولافتات تطالب بالقصاص من المتورطين بالمجزرة فيما توقد اسر الشهداء واصدقاؤهم الشموع في الموقع الذي سقطت فيه اجساد الضحايا برصاص العسكر.
وفي هذا العام أطلق ناشطون دعوة لإحياء ذكرى المجزرة جاء فيها "ندعو اهالي ذي قار لإحياء ذكرى ضحايا فجيعة مجزرة جسر الزيتون واستذكار الشهداء السعداء ومطالبة القضاء بالقصاص من قتلة المتظاهرين والافراج عن الاخوة المعتقلين ظلما وأنها هذا الملف التعسفي".
وقال الناشط في تظاهرات الناصرية هشام السومري في حديث مع (المدى)، إن "الاستعدادات جارية لإحياء ذكرى ضحايا المجزرة اذ ستنطلق مسيرة راجلة من ميدان التظاهرات في ساحة الحبوبي باتجاه جسر الزيتون حيث وقعت المجزرة الدامية"، مشيرا الى ان "حلول الذكرى الخامسة للمجزة يتزامن مع حملة اعتقالات واسعة تشنها القوات والاجهزة الامنية لملاحقة الناشطين في تظاهرات تشرين"، مبينا ان "العشرات من المتظاهرين لازالوا رهن الاعتقال منذ أكثر من شهر".
وأعرب السومري عن استغرابه من ملاحقة المتظاهرين وتجاهل اوامر القبض القضائية الصادرة بحق المتورطين بمجزرة جسر الزيتون، داعيا الى "تحقيق العدالة بالقصاص من المتورطين بقمع المتظاهرين السلميين المطالبين بحقوقهم المشروعة".
وشدد الناشط في تظاهرات الناصرية على فتح ملف قمع التظاهرات وغلق الدعاوى الكيدية التي تلاحق المتظاهرين، واضاف ان "لم يحسم ملف قتل المتظاهرين والمتورطين بمجزرة جسر الزيتون من قبل القضاء العراقي فإننا نطالب بتحقيق دولي لمحاسبة المتورطين بالمجزرة وجرائم قمع التظاهرات في المدن العراقية".
وأفادت مصادر في حراك المتظاهرين لـ(المدى)، أن «القضايا المتعلقة بالعنف ضد المتظاهرين والبالغة 703 قضايا لم يُستدعَ للتحقيق فيها إلا سبعة متهمين من صغار الضباط والمنتسبين في حين مازال عشرات الضباط الكبار والقادة الأمنيون ومدراء الشرطة وأمراء الأفواج بمنأى عن المساءلة القانونية».
وأكدت المصادر، أن «أسر الشهداء وضحايا القمع قدموا الكثير من الأدلة التي تدين المتهمين بتلك القضايا».
وأشارت، إلى أن «القوات والأجهزة الأمنية تقوم بتنفيذ أوامر القبض في الدعاوى المقامة ضد المتظاهرين خلال بضع ساعات حتى وإن كانت تلك الدعاوى كيدية، في حين لا تحرك ساكناً تجاه قتلة المتظاهرين الذين مازالوا يسرحون ويمرحون ولم يجرؤ أحد على اعتقالهم طوال أكثر من خمسة اعوام».
وأثارت تبرئة المدان الرئيسي في مجزرة جسر الزيتون في اواسط اب من العام الحالي، غضباً واسعاً بين الأوساط الشعبية والرسمية بمحافظة ذي قار. اذ أعربت لجنة الشهداء والجرحى، إضافة إلى نشطاء وذوي الضحايا، عن استيائهم من قرار محكمة التمييز الاتحادية بالإفراج عن الضابط في قوات التدخل السريع، عمر نزار، الذي كان قد صدر بحقه سابقاً حكم بالسجن المؤبد لدوره في تلك المجزرة.
وكانت محكمة استئناف ذي قار، اصدرت في (اواخر حزيران 2023)، حكما بالسجن المؤبد بحق الضابط المتورط في قتل متظاهري تشرين، "عمر نزار"، على خلفية مجزرة الزيتون في محافظة ذي قار، غير ان محكمة التميز الاتحادية قررت الافراج عنه لاحقا.
بدوره، دعا حيدر سعدي وهو شقيق الشهيد منتصر سعدي الى تحقيق العدالة وانصاف الضحايا واسرهم عبر القصاص من القتلة، مبينا ان " مجزرة جسر الزيتون احدثت شرخا بين المواطنين والحكومة اذ تعاطت القوات الامنية مع المتظاهرين وفق سياقات عسكرية لمواجهة اعداء من الدواعش وليس مع متظاهرين سلميين".
ويجد سعدي ان "القوات الامنية المتورطة بارتكاب مجزرة جسر الزيتون كان بإمكانها ان تعتمد اجراءات امنية مغايرة لاحتواء المتظاهرين بدلا من استخدام العنف المفرط ومختلف انواع الاسلحة".
واضاف ان " ذكرى مجزرة جسر الزيتون ستبقى ماثلة في ذاكرة الجيل الحالي من الشباب والاجيال اللاحقة بوصفها جريمة وفعل اثيم يرتكب بحق مواطنين عراقيين استخدموا حقهم الدستوري للمطالبة بحقوقهم المشروعة ".
واضاف ان "المسؤولين الحاليين يقفون بخجل عندما يمر ذكر المجزرة كونهم لا يمتلكون اجابات حقيقية للأسئلة المطروحة من اسر الضحايا وكون تلك المجزرة جزء من الفشل الذي لم تحسن الحكومات السابقة تداركه بحكمة القرار"، واصفا المجزرة بانها جريمة جنائية مركبة تستدعي التحقيق من قبل قضاء لا يخضع للإرادة والضغوط السياسية.
وكانت السلطة القضائية في ذي قار كشفت (عام 2021) عن 1200 دعوى قضائية مقامة ضد المتظاهرين في ذي قار وأن الهيئة القضائية المختصة ماضية بإكمال الإجراءات التحقيقية بالشكل الذي رسمه القانون، فيما أشار ناشطون في حينها الى أكثـر من 700 دعوى قضائية مقابلة أقامتها أسر شهداء التظاهرات وضحايا قمع المتظاهرين ولم تُحسم من قبل محاكم ذي قار رغم مرور مدة طويلة على اندلاع التظاهرات وارتكاب أعمال العنف ضد المتظاهرين.
وكان رئيس الوزراء العراقي والقائد العام للقوات المسلحة الأسبق، عادل عبد المهدي، قد أرسل الفريق الركن جميل الشمري مع قوات عسكرية قبيل وقوع مجزرة جسر الزيتون ليترأس خلية الأزمة في ذي قار ويباشر بإدارة ملف تظاهرات الناصرية، الأمر الذي أسفر عن ارتكاب المجزرة. وقد أدى ذلك فيما بعد إلى سحب يد الشمري من رئاسة خلية الأزمة، واضطر عبد المهدي إلى إعلان عزمه تقديم الاستقالة من منصبه في ليلة 29 تشرين الثاني 2019 بعد حملة إدانة محلية ودولية واسعة لأعمال القمع الوحشي التي طالت المتظاهرين السلميين.
وفي أعقاب المجزرة، قرر مجلس النواب العراقي في جلسته المرقمة 22 بتاريخ 18/12/2019 اعتبار محافظة ذي قار “مدينة منكوبة”، وذلك على خلفية الهجوم الذي شنته القوات الأمنية على المتظاهرين، والذي أسفر عن استشهاد 50 شخصاً وإصابة نحو 500 آخرين.
ويبلغ اجمالي ضحايا تظاهرات محافظة ذي قار التي تواصلت طوال عامين 144 شهيداً وأكثر من خمسة آلاف مصاب جراء استخدام العنف المفرط والرصاص الحي والمتفجرات والقنابل الدخانية وهجمات ما يعرف بمسلحي الطرف الثالث من القناصين وعناصر المليشيات، فيما تقدر منظمات غير حكومية وناشطون اجمالي عدد ضحايا قمع التظاهرات في العراق بنحو 800 شهيد و25 ألف جريح.