عودة العقول تصطدم بالفساد والأجندات السياسية والروتين الإداري
نشر بواسطة: Adminstrator
السبت 27-08-2011
 
   
كفاءات عراقية تروي تجارب عودتها الفاشلة إلى بلدها
ايلاف:
يرى أصحاف كفاءات وخبرة عراقيون أن الظروف غير مناسبة لعودتهم إلى بلدهم بسبب انتشار الفساد والورتين الإداري وكذلك ظاهرة الأجندات السياسية فيما يقول البعض أن العراق يتعرض لحرب لإفراغه من عقوله.

مازال الإحباط والشعور باليأس من جدوى العودة إلى العراق والمشاركة في مسيرته التنموية ، يمنعان دكتور الفيزياء سليم الأسدي ، المقيم في  ألمانيا من العودة الى بلده، على رغم النداءات المتكررة التي تطلقها الحكومة على لسان مسؤوليها عبر وسائل الإعلام ، وتحث فيها الكفاءات العلمية العراقية على العودة .

واستمرار الإحباط لدى الأسدي الذي التقيناه  إثناء زيارته إلى العراق هذه الأيام ، لم ينجم عن فراغ . ففي زيارته الأخيرة الى بلده عام 2009 ، لم تتغير الصورة التي يحتفظ بها في عقله الباطن عن التعليم العالي ومراكز البحوث العراقية ، فقد وجد الأسدي ان الجامعات التي زارها هي كثرة عددية من دون نوعية ، إضافة إلى ضعف دورها البحثي والتوجيهي في المجتمع ، الذي لا يتعدى دورا تلقينيا محصورا بتدريس طلاب سيحملون شهادات تركن على الرفوف ، ولا توظف بحوثهم وعقولهم في الاتجاه الصحيح ، فهم بين امرين ، اما ان يتحولوا الى عاطلين عن العمل او موظفين يموت طموحهم بمرور الوقت بين  الروتين في دوائر ومؤسسات الدولة المختلفة من دون تسخير لما درسوه الا في مجالات ضيقة .

تفضيل أصحاب الثقة على أصحاب الخبرات
ومن الأسباب التي يٌرجع فيها  الأسدي أسباب عدم رجوع الكفاءات العلمية لاسيما الباحثين منهم في مجالات الطب والهندسة ، والعلوم إلى غياب مؤسسات البحث العلمي والتطوير، وغياب آليات تسويق البحوث والخبرات إلى مجالات التطبيق  .
ويضرب الأسدي مثالا على غياب دور الجامعات و منتجات البحث العلمى عن  قطاعات الإنتاج المختلفة، في ظل استيراد التكنولوجيا  والمنتجات الصناعية والزراعية من الخارج.

وحتى في مجال العلوم الإنسانية ،  فليس ثمة مراكز بحوث سياسية أو اجتماعية تستغل أفكار الجامعيين وتأهلهم إلى المناصب الحساسة ، مما تسبب في أمية اجتماعية وسياسية واضحة في العراق، لاسيما بين المسئولين والقادة الكبار، الذي يفضلون أصحاب الثقة من أقارب وأصدقاء على أصحاب الخبرات والكفاءات في المناصب البلدية والحكومية والأمنية والسياسية .

محاربة  العقول
ويقول الباحث الأكاديمي في جامعة بغداد  ستار فرهود  ان السنوات بعد عام 2003 شهدت مساع محمومة من أطراف خارجية وداخلية ،  لإفراغ العراق من علمائه وكفاءاته العلمية ، عبر الاغتيال والتصفيات ، و الخطف على يد الجماعات المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة والميليشيات الطائفية، مما أدى الى هجرة عشرات الآلاف منهم.

وتشير تخمينات مستقاة من وسائل الإعلام الى  مقتل 350 عالما نوويا عراقيا وأكثر من 200 أستاذ جامعي في شتى المعارف العلمية المختلفة، وأن 80% من عمليات الاغتيال استهدفت العاملين في الجامعات، وأن نصف عدد القتلى يحمل لقب أستاذ أو أستاذ مساعد، كما أن أكثر من نصف الاغتيالات وقعت في جامعة بغداد، تلتها البصرة، ثم الموصل والجامعة المستنصرية.
ويقول ستار الذي يعد دراسة لجامعة بغداد حول طرق استثمار وتوظيف الكفاءات العراقية ، ان هناك قوى عملت ومازالت تعمل ، على محاربة  عقول عراقية تحت ذريعة انهم من "
من بقايا النظام السابق" ، في محاولة لإقصاء الكثير من الشخصيات العلمية المشهود لها بالنزاهة والكفاءة .
ويتابع: بعد العام 2003 ، طُهّرت بعض الجامعات  بطرق (ملتوية ) ، بدت وكأنها مشروعة  لإبعاد  أكاديميين  لا ينتمون إلى  الطائفة التي تشكل الأكثرية في المحافظة التي تقع فيها الجامعة.

القلق الأكبر: الأجندات السياسية والطائفية
وتشكل برامج قوى وأفراد يعكسون أفكار  أحزاب سياسية ودينية  ويحاولون فرضها داخل المؤسسات التعليمية لاسيما الجامعية منها ، القلق الأكبر لأغلب أكاديميي  العراق ممن يتمنون العودة الى العراق .

ويتابع ستار : اخبرني بعض الأكاديميين العائدين الى العراق ، انهم يرون تدخلا سافرا
في شؤون الجامعات من قبل أحزاب دينية وسياسية ، عبر محاولات التدخل في توجيه  الإدارات او عبر فرض تقاليد أو ممارسة معينة لا تمت صلة إلى مهمة الجامعة.
ويقول احمد رسول ان والده ( 70 سنة)  العضو في جمعية  الاثارين العراقيين والباحث في التاريخ القديم تعرض للاغتيال وجاءت الإصابة في يديه ، مما اضطره  الى ترك العراق منذ عام 2006.

وفي مقاربة واضحة مع أفكار الأسدي ، يقول الدكتور أحمد حسين الذي درس الكيمياء في الهند ويعمل الان مدرسا في جامعة بغداد  ، ان البحوث في جامعات الهند تمول من قبل شركات القطاع الخاص بغية استثمارها  في تطوير تقنياتها ومنتجاتها .

توسع كمي لا نوعي
وعلى رغم ارتياحه للتوسع ( الأفقي ) للجامعات في العراق ، الا ان حسين ينتقد افتقارها الى الكثير مستلزمات الدراسة الأكاديمية الرصينة لاسيما في المجالات العلمية لاسيما المختبرات التي تشكل العمود الفقري في اية دراسة علمية .

وتعاني اغلب الجامعات العراقية  من ضعف الإنفاق على البحث العلمى . وتذهب اغلب الميزانيات المرصودة للتعليم العالي الى  الرواتب والحوافر وآلة الفساد ، بينما يذهب الجزء اليسير إلى  تمويل البحوث العلمية .
والملاحظة التي يعتبرها حسين مهمة ، أن اغلب جامعات العالم تشرك القطاع الخاص في دعم برامجها البحثية لكن  هذه تغيب في العراق تماما .
ويعزي حسين أسباب عزوف الكفاءات العراقية على العودة الى الروتين المستشري في دوائر الدولة ، ووجود تناقص صارخ بين الواقع ودعوات العودة .

ويتابع : لي زميل دكتوراه في الفيزياء النووية ، كان يتملكه الحافز الكبير لتوظيف خبرته ودراسته التي اكتسبها طوال عمله في كندا ، لكنه حين عاد الى العراق لم يجد ما يساهم به سوى في مجال التدريس الجامعي فحسب ، كما انه حين زار جامعات في بغداد والديوانية وكربلاء لاحظ  غياب مؤسسات البحث العلمي داخل الجامعات اضافة الى  ضعف الأجهزة العلمية والمعدات . ويتابع حسين : الكوادر المتعلمة في العراق هي  نتاج تعليم مؤسّس على التلقين فحسب.

عودة فاشلة
وفي عام 1976 عاد الدكتوراه في الهندسة الكيماوية كريم العلواني الى بغداد بعد سنوات من هجرته الى فرنسا بموجب تسهيلات ومكافآت قدمتها الحكومة العراقية وقتها  لأصحاب الكفاءات الذين عادوا الى العراق بموجي القانون 154 لعام 1975  حيث منح العائدون بموجبه سيارة وقطعة ارض وتسهيلات أخرى إضافة الى تعيين مباشر في المؤسسات والجامعات العراقية .
لكن العلواني اضطر الى الهجرة من جديد منذ منتصف التسعينيات بسبب ظروف الحرب والوضع الاقتصادي المتدهور ، وتدهور مستوى الجامعات العراقية حيث هاجر الى ليبيا ليعمل هناك طيلة سنوات ، حتى أتيح له زيارة العراق هذا العام .

أسباب اقتصادية وامنية
وفي جامعة بابل (100 كم جنوب بغداد) التي حققت نجاحات في مجال التوسع في الاختصاصات ، الا انها مازالت جامعة  تلقينية ،  بحسب الدكتور نادر الخفاجي الذي اكمل دراسته العليا في رومانيا في ثمانينيات القرن الماضي ،  لكنه غادر العراق عام 1992 الى اليمن كمحاضر في جامعاتها . ويشير الخفاجي الى ان هجرته الى اليمن لأسباب اقتصادية بسبب تدني الرواتب في ذلك الوقت وتدهور مستوى التعليم الجامعي مما  تسبب في هجرة الكثير من التدريسيين في الجامعات الى اليمن والأردن وليبيا .

ويضيف :  ان الكثير من زملائه ممن يحملون شهادات  عليا من جامعات غربية هاجروا الى تلك الدول بغية الحصول على فرصة عمل فيها .
ولا يعول الدكتور سليم الجبوري الطبيب الاختصاص في القلب والمقيم في ألمانيا على دعوة الحكومة العراقية الكفاءات الى العودة . ويضيف : بات  الكثير ممن التقاهم يشكون بطأ ( المعاملات الرسمية ) والحصول على عمل مناسب على عكس ما يصرح به المسئولون لوسائل الإعلام من ان الدولة توفر لهم تسهيلات العودة .

وبحسب الجبوري فان مسالة عودة  الكفاءات الطبية العراقية ترتبط اكثر من غيرها بالعامل الأمني ، بسبب تواتر إنباء  خطف وقتل أطباء من قبل عصابات مسلحة .
وبحسب إحصاءات جمعية الأطباء العراقيين العالمية ، فان نحو عشرة الآف طبيب عراقي من مختلف التخصصات اضطروا الى الهجرة لى الخارج ، كما أغتيل  نحو 400 آخرين داخل العراق.

أكاديميون: مصالح شخصية
ويقول الأستاذ الجامعي احمد عبيد، ان هناك من حاول استغلال الفوضى الإدارية والتعليمية  في العراق عبر استغلال ما تقدمه الدولة من حوافر على العودة . ويتابع : هناك أساتذة من أصحاب الشهادات العليا وممن خدموا العراق لفترة طويلة ، يعودون  الى البلد لمصالح  شخصية ضيقة  ولفترة مؤقتة ، بغية الرجوع  الى وظائفهم السابقة واحتساب مدة الخدمة  ، وما ان يتحقق ذلك ، حتى يعودوا الى بلدان المهجر على رغم حاجة العراق الماسة لهم .
ويشير الى أعداد من الأساتذة التي قدمت لهم جامعة بغداد والجامعات الأخرى سبل العودة والتعيين ، واحتساب رواتب جيدة لهم لكنهم للأسف ، دفعت بهم أغراضهم الشخصية الى ترك الجامعات بعدما حققوا ما يريدونه من منافع شخصية .

أما ليث الشمري ( ماجستير هندسة مدنية ) فقد مضى على عودته من النرويج نحو السنتين ، من  دون ان ينجح في الحصول على عمل . يتابع  الشمري : مازلت انتظر ، وربما اضطر إلى العودة الى المهجر إذا ما أستمر الوضع الحالي على ما هو عليه الآن .

غياب فرص العمل
ويشير كاظم ساجت من جامعة كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) الى ان اغلب أصحاب الكفاءات يزج بهم في سلك الجامعات فحسب ، فهذا هو المجال الوحيد للاستفادة من خبرتهم ،بسبب انعدام الحلقة التي تربط البحث العلمي بالإنتاج  ، مما لا يتيح للعلماء والمهندسين الحصول على فرص عمل في  مواقع الإنتاج التي تخلو في اغلبها من مراكز بحثية تخدمها.
وأدى هجرة العقول العراقية إلى الخارج طيلة عقود إلى تأخر مشاريع  التنمية ، وانحسار دور الأكاديمي  صاحب الكفاءة ، وتبوأ أشخاص غير مشهود لهم بالكفاءة ، إدارة الجامعات والمؤسسات التعليمية ، إضافة إلى اضمحلال  العلاقة بين مؤسسات البحوث ومراكز الإنتاج.

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced