أطفال بلا جذور
نشر بواسطة: Adminstrator
الأحد 31-05-2009
 
   
الاسبوعية - لينا سياويش
عراقيون قاصرون في السويد
عندما يصل الطفل العراقي الى السويد، مدفوعاً من أهله، بهدف الحصول على اقامة تسمح له لاحقاً بـ«سحب» أهله (اي استقدامهم للعيش في السويد)، هو يواجه نوعين من المخاطر، احتمال رفض طلب اقامته، واحتمال تعرضه لضغوط نفسية تؤدي احياناً الى حالات مؤسفة. ما هي هذه الحالات؟

سنوياً يصل الى السويد، مئات الأطفال والشباب دون سن الثامنة عشرة من عمرهم، وحدهم من غير ان يرافقهم في رحلة سفرهم الطويلة والشاقة والمحفوفة بالمخاطر، اي فرد بالغ من عائلاتهم او ذويهم، بحثاً عن «الاقامة». معظم هؤلاء الأطفال ينحدر من البلدان الفقيرة او التي تعاني من الحروب كالعراق وافغانستان والصومال.
عائلات عراقية غير قليلة، يقيم اغلبها في دول الجوار العراقي، دفعت، ولا تزال، بأبنائها وبناتها من هم دون سن الثامنة عشرة للسفر الى السويد، ليتمكن الطفل مستقبلاً بعد ان يحصل على الاقامة من «سحب» عائلته بعد أن تكون الأخيرة، خسرت محاولاتها في بلوغ بلد اوروبي ينقذها من قرار العودة الى العراق. غير ان الأطفال ليسوا في منأى عن قرارات دائرة الهجرة السويدية التي رفضت الكثير من طلبات منحهم الاقامة.
ويقول الدكتور رياض البلداوي رئيس مركز صحة الشرق للطب النفسي في ستوكهولم في حديثه لـ «الأسبوعية»: ان الكثير من الأطفال الذين حولوا الى المركز واعمارهم تتراوح بين 9 و16 عاماً، جاءوا الى السويد من دون ان يرافقهم احد من العائلة. وصلوا مع مهربين بعلم عائلاتهم وهدفهم الحصول على «الاقامة»، ليتمكنوا بعد ذلك من سحب عائلاتهم المقيمة في سوريا والاردن. ويضيف ان هؤلاء الأطفال يتعرضون لمخاطر نفسية واجتماعية، وتبدلات «كثيرة» في سلوكيات حياتهم، وهي تبدأ لحظة تركهم كنف العائلة، لتتزايد بعد ذلك في البلد الاجنبي الذي يصلون اليه، هذا اذا حالفهم الحظ ووصلوا اليه آمنين.
وتشير الاحصائيات الواردة في الصحف السويدية الى ان 111 طفلاً عراقياً من الذين وصلوا الى السويد خلال العام 2008 ووجهوا بـ«رفض» طلب اقامتهم في السويد بخلاف السنوات الماضية، اذ كان معظمهم يحصلون على «الاقامة» التي جاءوا بحثاً عنها.
عدد الاطفال الذين قصدوا السويد خلال العام 2008 يقدر بـ931 طفلاً بينما وصل 1264 طفلاً الى السويد خلال العام 2007، وبين 390 و470 طفلاً حصلوا على الاقامة.
وفي حين يضيع عدد من الأطفال في الطريق، وتختفي اخبارهم من دون ان يتركوا أثراً، تتضاءل فرص حصول الواصلين منهم الى السويد على إذن «الاقامة» خصوصاً بعدما قامت دائرة الهجرة السويدية في 5 حزيران (يونيو) 2007 برفض طلب الاقامة الذي تقدم به فتى عراقي، تشير المعلومات الى ان والده تعرض الى الاختطاف من قبل الميليشيات التابعة لاحد المذاهب في بغداد، ولم يبق له احد من افراد عائلته في بغداد ليعود اليه، وعللت دائرة الهجرة رفضها للطلب بان صاحبه وان كان يمر بـ «ظروف مؤلمة للغاية» غير انه لا يعتبر لاجئاً وهو لا يحتاج الى الحماية امام القانون، وأنه لا يستطيع الحصول على تصريح الاقامة رغم ان لا اسرة له.
ووفقاً لدائرة الهجرة فإن حصول الأطفال على الاقامة في السويد من دون ذويهم ليس «الطريقة الفضلى» لحمايتهم، والحكومة تعمل على لمّ شمل الأطفال مع الأهل في الوطن كلما كان ذلك ممكناً، لكن الجديد أنه حتى الأطفال الذين لا والدين او عائلة او اقارب لهم يمكن رفض طلباتهم. ويقول مدير دائرة الشؤون الاجتماعية في احدى مناطق مدينة يوتوبوري، احدى مدن الجنوب الغربي في السويد فريد باسيل رداً على سؤال لـ«الأسبوعية»: من الصعب على الأطفال الذين يصلون الى السويد من دون عائلاتهم استيعاب القدر الكبير من المتغيرات الحياتية والفكرية التي تطرأ على احوالهم، فهم ينتقلون الى وضع مخالف تماما لوضع بلدهم في المعتقدات والسلوك والعادات، وفي غياب من يوجههم من الوالدين او المقربين، تختلط عليهم الأمور مما يجعلهم يعيشون صراعات داخلية حادة بين المسموح واللامسموح.
يضيف باسيل: ان الوالدين خصوصاً الاب عندما يجتمعان مع ابنائهما في السويد لا يدركان حجم المتغيرات التي طرأت عليهم في الفترة التي أمضوها وحدهم، ويطالبونهم بالطاعة العمياء، وهذا ما يعمل كالفتيل المشحون القابل للانفجار، في توتير العلاقات العائلية. ويوضح: يُنظر الى الطفل في السويد كانسان وليس كقاصر كما نعتبره في مجتمعاتنا، لذلك من الخطأ املاء الأوامر عليه لغرض تنفيذها، وعلى الوالدين ان يدركا عند لقائهما طفلهما من جديد أن هناك الكثير مما يجب فعله لتعود العلاقة الاسرية كما كانت سابقاً، وهذا يعتمد على المستوى الثقافي والاجتماعي للوالدين واسلوب تربيتهم ابناءهم، وتقبلهم طبائع وعادات المجتمع الجديد. ويتابع: ان «السلوك الخاطىء» في تعامل الأهل مع أطفالهم يعمل على زيادة الحوادث المؤسفة التي تحصل، وحدوث العديد منها جعل الكثير من العائلات تعيد ترتيب سلوكياتها في تعاملها مع ابنائها.
ويخلص الى القول: ان الامعان في التشدد يولد لدى الأطفال فكرة التمرد، والحل الأمثل هو محاورتهم بطريقة تضمن مشاركتهم في المحاججة، وصولاً الى الحل الأفضل.

أرق

ويستشهد البلداوي بحالات أطفال يعانون من قلق شديد وكآبة حادة ومشاكل في النوم بسبب الانفصال عن عائلاتهم وهي حالات تدوم في الكثير من المرات سنوات عدة. ويقول ان الصغار يشعرون بـ«الحقد» على ذويهم لأنهم اجبروهم على تحمل ظروف اقسى من قدراتهم، ويرى ان المشكلة الرئيسية تتمثل في كيفية اعادة صياغة العلاقة العائلية من جديد، فيتقبل الاطفال «وصاية» الوالدين بعد ان اعتادوا على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم.
من بين المشاكل الاخرى التي تزيد «العزلة» لدى الطفل عندما يصل الى السويد، وهو في عمر يتجاوز الـ 14 عاماً، أن اعمارهم تكون اكبر من المستوى التعليمي الذي يلتحقون به في السويد. ووفقاً لاعمار المرحلة المتوسطة في الدراسة، التي لا تعادل المرحلة الابتدائية الثانية في التعليم السويدي، يوضع الأطفال في مستوى اكبر من استعدادهم العلمي، مما يؤدي الى ان يكونوا غير مؤهلين للدارسة، الأمر الذي دفع الى تحويل هؤلاء الطلبة الى صفوف خاصة منعزلة مما يصعب عملية تأقلمهم. هذا باختصار ما يحصل عندما يضطر الطفل الذي يصل الى السويد حديثاً للعيش مع اقاربه. من الامثلة على ذلك، شقيقتان عراقيتان في عمر الـ 13 و14 عاماً، دفعتهما عائلتهما المؤلفة من 9 افراد الى السفر وحدهما. وبوصولهما سكنتا في منزل احد الاقارب، لكن لم يمض اسبوع حتى تركت الصبيتان المنزل، واخبرتا ادارة المدرسة انهما خائفتان من استمرار العيش مع تلك العائلة بفعل ما تتعرضان له من مضايقات من أحد افرادها الذي يتعاطى الكحول، وقد اتصلت ادارة المدرسة بدائرة الضمان الاجتماعي التي حولتهما بدورها الى مركز لأقامة الشباب يقع في منطقة منعزلة، مما جعلهما تتعرضان لضغوط نفسية شديدة، ادت بالصغرى الى محاولة الانتحار، الى ان تم تحويلهما مجدداً الى مركز الطب النفسي في ستوكهولم.
غير ان المشكلة لم تقف عند هذا الحد، اذ رغم ما تعرضت له الفتاتان فإن عائلتهما، واقاربهما لم يرحموهما، وبعد عامين ونصف العام من الفراق، وصلت العائلة ففوجئت الفتاتان بموقف الاب غير المتفهم، والمبني على افتراءات قدمتها العائلة التي كانتا تسكنان عندها.
نموذج آخر هو الطفل حسين البالغ من العمر 11 عاماً اضطر للعيش في بيت عمه المؤلف من غرفتين ومطبخ، بينما يبلغ عدد افراد العائلة 12 شخصاً، مما قاده الى النوم في المطبخ، والى الوقوف صباحاً في الطابور من اجل ان يغسل وجهه.
اطفال اعتبرهم اهلهم الورقة «الرابحة» او «الضائعة»، تاهوا بين «هنا وهناك» فلا هم كبروا في كنف عائلاتهم وتربوا، ولا عائلاتهم تعرفت عليهم بعد طول غياب.

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced