شكسبير يُجدد رؤاه.. فـيــلـــــم هـنــري الــخــامـــس
نشر بواسطة: Adminstrator
الأربعاء 06-01-2010
 
   
علي عبد الامير محمد
مات الملك.. عاش الملك..ببراعة حاذق ونظرة خبير يأخذ كينيث براناه التاج بلباقة مولّه شكسبيري من الاستاذ اوليفييه ليجلسه فوق رأسه مستحقا من خلال منجزه الرائع فيلم هنري الخامس (1989) بعد ان استقر في الاذهان ولعقود عديدة إنطباع واحد مستمد من رؤية لورانس اوليفييه لمسرحية وليام شكسبير كفيلم بذات العنوان في العام

1944،شريط براناه يكسر قيود هذه النظرة بأعادة استقراء النص وفق المرتكزات الانسانية لمجتمعنا المعاصر "قبل اي شيء اردنا خلق فيلم وليس متحف أدبي كما فعل معلمي.. استعملنا كل شيء مفيد بعالمنا لخدمة شكسبير وتحديث انشغالاته".
..فالمؤلَف الشكسبيري ينفتح دوما على النوازع البشرية المختلفة مؤطرا لدقائق تفاصيلها ضمن متن النص وهيكلية الشخصيات منها ماهو ظاهر ومنها ماهو خبيء، ومن هنا احتفظت اعماله الادبية بديمومتها لان كينونة الذات الانسانية هي عينها مهما تبدل المكان او تسارعت عجلات الزمن تطوي الاعوام،لقد كانت معالجة اوليفييه للمسرحية تنسجم مع الظروف العصيبة ايام الحرب العالمية الثانية والحاجة لمنتج سينمائي يرفع المعنويات ويشحنها بطاقة جديدة،يرسم صورة نبيلة لانكلترا وفرسانها والمحصلة فيلم فاخر اعطى للعالم البطل الذي يحتاجه،مع براناه حزمة الضوء ستُنير جنبات النمو لشخصية الملك الشاب وتقلبات ذاتها مابين الأحاسيس المختلفة،شجاعته النبيلة،جرأته المتهورة،قسوته وندمه،ابتسامته وتكشيرة الغضب،لمعان لحظات العاطفة المشبوبة في خلجاته،فحين تفتتح الصورة مع الراوي (ديريك جاكوب) متجولا في الاستوديو المعد لتصوير الفيلم كخلفية بصرية لخطابه الافتتاحي نرى ملك الانكليز هنري (كينيث براناه) وهو يستعد لغزو فرنسا مدعيا ان له حقا في العرش الفرنسي مسندا ذلك بشواهد سابقة تثبت شرعية مايصبو اليه،في المقابل نجد الملك الفرنسي (بول سكوفيلد) غارقا في تأمله الحزين لحال بلاده الغارقة في التناحر وعدم وحدة الكلمة وغياب البصيرة لدى قادته كحال ابنه البكر (مايكل مالوني) الذي يحثه وبشدة للدخول في معركة دموية من اجل ردع هنري وتحجيمه،يسرع ملك انكلترا لقيادة جيشه خائضا به العديد من المعارك منتهيا الى حقل اغنكورت موقعة النزاع الختامية وهو يعاني من الاعياء وقلة المؤن وبعد الطريق عن الوطن،بعد ان انخفضت المعنويات لجنوده وهم يترقبون تقدم الجيش الفرنسي الذي يفوقهم اضعافا وتجهيزات ووساوس الشك اخذت تراودهم حول شرعية حملتهم وقانونية ادعاءات الملك وهل تستحق كل هذه التضحيات،وهي تساؤلات يحاول ان يجيب عليها هنري اثناء حديثه مع رجاله بعد ان زارهم متخفيا في تلك الليلة التي سبقت يوم المعركة،لقد كشفت الحوارات للملك الصورة الحقيقية لعمق المأساة التي وضع نفسه وجيشه فيها فتجتاح ذاته عاصفة من الندم تنسكب دموعا تنساب على وجنتيه وهو يناجي الرب طالبا مساعدته في تحقيق النصر محاولا اقناع نفسه قبل الجميع انه جندي الله وان لحملته شرعية مقدسة بعد تشجيع رجالات الكنيسة له ودفعه للغزو تحقيقا لغاياتهم الشخصية،ومع نهوض فجر يوم المعركة يهز الملك الشاب روح رجاله بعنف معيدا لها حياة تضج بصخب الشجاعة من خلال كلمات خطابه الحماسي الشهير يحثهم فيها على قطف ثمار المجد الدانية،وفي الادب الغربي لن تجد في باب الحماسة اروع من خطبة هنري الخامس لقواته في يوم سانت كريسبن عبارات ظل صداها يتردد اعواما طويلة،تنطلق السهام الانكليزية تجاه مقاتلي فرنسا المهاجمين وصوت نفيرها يمزق الروح والجسد حيث تحتدم الطبيعة مع الاجساد المصطرعة، فالسماء تنفث مطرها غزيرا عنيفا والارض تزجر وحلها بغضب تحت سنابك الخيل واقدام المتحاربين،وحينما يسفر النصر عن مجده لهنري وجيشه تكشف الحرب حقيقتها المرعبة،رجالٌ ادماها كثرة الطعن وجثث صبغت بدمائها ارض المعركة،ويعطي منظر الملك المنهك القوى والمصدوم من هول ما رآه-مشهد الفتية الملتحقين بالجيش وهم صرعى- صورةً لمجدٍ مدمر متجهم،نصرٌ تسربل بالحزن وانين الثكالى يوضح ذلك بوضوح أكثر مشهد الذروة للفيلم ومحور الرسالة التي أراد إيصالها حين يسير وسط حقل الموتى حاملا على ظهره جسد فتى قتيل وجميع من حوله منتصرٌ ومهزوم يلملمون جراحهم ويدفنون قتلاهم..لكن المخرج براناه يحملنا بانتقاله غير متوقعة من مأساة ساحة المعركة الى أجواء تحفل بكوميديا رومانسية ظريفة من خلال محاولات هنري التقرب والتودد الى كاثرين ابنة الملك الفرنسي (ايما تومسون) والتي ستصبح زوجته المستقبلية في مشهد مطول يختتم الفيلم مع ظهور الراوي لمرة اخيرة منهيا الحكاية. لقد منحت النظرة الواعية لبراناه المخرج دفعا قويا لبراناه الممثل من حيث قدرته على رؤية نفسه كملك فالمسرح الشكسبيري يحتاج الى بصيرة شاعرية من قبل الممثلين المُدركين بعمق لمعاني ماينطقونه ومقدرة استثنائية لايصاله الى المشاهد وهو مابرع فيه براناه الممثل فالحاجة الى ممثلين عظماء اكبر من تأثير اي مؤثرات خاصة،من جانب اخر فقد عمل على صياغة فيلمه بمنهجية المسرح دون الاخلال بثوابت السينما ملتزما بمحاكاة كبيرة للنص الاصلي من خلال استعماله لاساليب خطابية وبصرية اكثر وضوحا وصدقية عن تلك التي تضمنتها نسخة اوليفييه، ولاجل ايصال لغته الشكسبيرية لاقصى مدى يعمد براناه لاختيار اللقطات المقربة على نطاق واسع لجعل المتلقي يعيش اجواء العالم زمن القرون الوسطى وبتأثير ازياء على درجة كبيرة من التطابق لملابس تلك الحقبة –فاز الفيلم بأوسكار افضل تصميم ازياء-،مع استخدامات حاذقة للموسيقى التصويرية التي وضعها باتريك دويل وعزفتها الفرقة السمفونية لمدينة برمنغهام مشكلةً تموجات عاطفية ترتفع هنا وتنخفض هناك حسب الدلالة الدرامية للمشهد مانحة للرائي دفقا كبيرا من الاحاسيس، ومن خلالها نجح براناه في تجاوز عقبة الايقاع البطيء للفيلم في دقائقه الاولى. 
ان المنظور الذي استقاه المخرج في هنري الخامس يعتمد على معالجة تسوق الحكاية نحو اطار صورة ضد وحشية الحرب وحقيقتها الهمجية والتي مهما كانت مكاسبها لن تكون أفضل للإنسانية من لحظة سلام ترفل بمحبة صادقة.

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced