غادة حبيب تصرخ برومانسية الحلم الهامس
نشر بواسطة: Adminstrator
الإثنين 11-01-2010
 
   
جريدة الصباح
قبل ان نستقرئ تجليات الرمز والاسطورة والبعد  الصوفي في  اعمال الفنانة التشكيلية العراقية  المغتربة (غادة  حبيب) يجب ان نعترف ان اغلب النقاد  الذين كتبوا عن الفنانة استندوا  الى ان اعمالها تستند الى عاهتها

فقد اصيبت بالصمم في سن الرابعة عشرة  متناسين التأثير المباشر للموروث الرافديني والاساطير المنتشرة بين ثناياه  وصورة المرأة فيها ودراسة الفنانة في مركز الفنون الشعبية ببغداد وتأثرها بهذا الموروث، ووعي الفنانة كامرأة عراقية نشأت في اجواء فنية لها مميزاتها ومكابداتها في ظروف صعبة ومحاولاتها الجادة في خلق اسلوب متميز. وهذا ما يذكرنا  بالفنان العالمي (فان كوخ) وقصة ذبحه لأذنه والمشكوك فيها اصلا او حكاية الفنان السوري (فاتح المدرس) وتأثير طفلته المعاقة المنزوية في المنزل وعلاقتها بقصر قامة الاشخاص الذين يرسمهم .
أن اعمال الفنانة تقترن بمدلولات متحركة تحيلنا بين الواقع والاسطورة والرمز  الحلم  فهي  تحول  الرمز والاسطورة  الى واقع  انثوي يومىء من خلال  التجليات  الى ان تصبح  تلك  الانوثة  مغرقة  بالحلم الى اسطورة تمد فضاء الانبعاث في اللوحة، اذ  تتنافذ المشهدية بشكل  منفتح على  المطلق وبوابات هذا الانفتاح تتخذ بعدا ثلاثي  الابعاد حيث تتكافأ معطيات  الحواس المعطلة تنغيما مع  معطيات  الاغتراب وذلك في مقامين هما العشق للوطن وانبثاق اللهفة  واكتسابها شكلا للتنغيم الداخلي والعلوي  فتتحول اللحظة  الى انكشاف باقصى  حالتها وتنعطف البنية  المد لولية الى فضاء  واسع تطرزه  الالوان الزاهية بدلالات استرجاعية  لحلم  ما .
  فالايقاع  الداخلي  لكل  عمل  فني يوحي  بتلك الانفعالات والاشراقات واندماجها بالحلم  كخميلة  الوان  تزدان  بالبهجة والتامل لكنها  في  ذات  الوقت تنكمش  في  حزن  ما  يختزن من حزن  الموروث  العراقي  الشيء  الكثير ومن الايحاءات المغيبة لتكون محورا مركزيا في  نسيج لوحة  الفنانة  (غادة حبيب)  وما تهمس به احتمالات من  عشق  التحول يدور  بين  الانثى  والفضاء واشكالية  (الوطن -  المنفى).
فتتسع  المدلولات  لتصب في ذات  الفنانة مشكلة من  الحيز  الحلمي  للذاكرة  المتأملة عبر تلك  اللوحات ، وتتنافذ تلك  المشاهد بمعنى منفتح على  المطلق  حيث تكشف عن هاجس الرمز الاسطوري للواقع ، فتعريه وتنزع عنه كل  الاقنعة  بسردية تشكيلية متنامية  للصراع  الداخلي  وبذلك يتداخل فضاء الوجود مع  فضاء الفراغ المنفتح على اعماق هذه البنية الدلالية الى اعلى توتر  حلمي  فضائي ملون عبر ايحاءات  الشكل  الانثوي  الطفولي  المظهر والغافي  باغمائة حلم .  فيتشعب  الرمز الى  مدلولات متنوعة بغنائيتها تغري بانبعاث المتجسد الابدي للانثى  الحلم النقيض  الصارخ  للواقع  المؤلم . فالخلق الفني عملية منطقية للانتقال  الى  المتجدد  في  الفن وخلق منظور بصري متميز باسلوبيته  الحلمية  المرتبط  بالحياة انما هو خلق نزعة هادفة الى التحرر من قوانين تشكيل الصورة ومن فرض المحاكاة المتكررة كما في  بعض الاعمال  الفنية، لتنحو صوب اسلوبية مستقلة تبحث عن الجوهر الفني والكشف تفسيرا  لشيئية ما . يقول رولان بارت ( ان الاثر لا يخلد لكونه فرض معنى وحيدا على اناس مختلفين ، وانما لكونه يوحي  بمعان  مختلفة لانسان وحيد ، يتكلم دائما اللغة الرمزية نفسها خلال أزمنة متعددة .. )  فهي  مذ غادرت  بغداد  الحلم  ، بقيت  ساكنة  فترة  من  الزمن  تاركة  ريشتها  والوانها لم  يحركها  ضباب  لندن لترسم  شيئا ما. تشغل  نفسها  او  تتشاغل  بالرسم  على  الزجاج او هموم الاغتراب  عبر نشاطات اجتماعية كثيرة. لكنها  لا تتحمل  ذلك  كثيرا فتعود لتخرج علينا  بمجموعة جديدة  من الاعمال  الفنية التي تتعمق فيها  الفنانة بمدلول الانثى فتصورها باشكال متعددة .  وتطور بذلك  اسلوبها بشكل  لافت  .



فالفنانة (غادة حبيب ) تشتغل  على البوح والرصد  الشعري مثلما تشتغل على  العالم الجمالي  المرتكز على  الايقاع الداخلي  للذات الانثوية في انجاز اللامالوف ، انجازا يتعدى مسافة المدلول الاولي ، ويتحرك في معنى المعنى . تحركا يتناسب طرديا مع حركة الانزياح الايحائي المركب لتخرج بلوحاتها الى ميكانيزما الصورة وحركتها  وحواسها ومخزونها  الثقافي الاسطوري  والحلمي . للتفاعل مع هذه القصدية الانسيابية وتداعياتها مبتعدة عن البنية السطحية للوحة الى البنية المعمقة. وتبقى تجربة الفنانة متميزة بالتجريب التخيلي المرهون بمنظومة العلاقات الانزياحية التي تنتجها القصدية التشكيلية  معتمدة على الابتعاد عن دلالة المطابقة مقتربة من دلالة الايحاء .
ان المتأمل لاعمالها  الاخيرة يلاحظ تناوب  الايقاع بين  المرئي و اللامرئي تبعا لكثافة التخيل ووعي عين المتلقي فيميز ذلك الاندهاش الهامس المنبثق من رومانسية الرمز (المرأة ) وتغليفه بومضات الغموض لتنتج اعمالا ذات بعد حدسي اسطوري. وتخلق نوعا من  الدرامية  المشهدية المكثفة معتمدة على هارمونية لونية باردة  ومنفتحة على التأويل  البصري . وكاننا امام معادل موضوعي بين الجنة بنعيمها وزهو الونها وصورة  المرأة الرمز التي تجسد حلم المعاناة اليومية  والتامل  في حزانها. فما الذي  تريد ان  تقوله  الفنانة  (غادة حبيب)؟ انها تريد ان تذكرنا برصد احلامها  واحلام كل نساء الارض بغد  اكثر  رومانسية وبعيدا كل البعد عن  كل  انواع  الدمار الذي  يشهده العالم انها تقلب  المعادلة فتطرح الجميل  لتذكرنا  بالقبح  اليومي والاستلاب الذي تعاني منه النساء بل الانسان  بشكل  عام .
ان  نساء ( غادة حبيب )  مهوسات  بالحلم  مثلها ، وليبقى الحلم  هو الملاذ في الحياة  والفن .

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced