المكان (مكان عام كأن يكون شارع او مول او سوق، شاشة عرض اعلى المسرح، بعض المكعبات موزعة عشوائيا على المسرح كموضع ثابت لمجموعة ترتدي كمامات وكفوف وكأنهم تماثيل كل واحد منهم يحمل عصا، رجل مُلقى على الارض، ضجيج من خلف المسرح مع اضطراب في الاضاءة وهمهمات واصوات بشرية غير مفهومة توحي بحالة من الذعر والطوارئ مع ضربات قلب متسارعة، مع خفافيش تملأ المكان عن طريق الاضاءة، والمجموعة تحاول طرد تلك الخفافيش)
الطبيب: (يتصل بالهاتف) اسعاف ...ارجو القدوم الى هنا بسرعة ...هناك حالة حرجة (الى المجموعة) ارجوكم افسحوا لي المجال انا طبيب...اسمحوا لي بفحص المريض. (المجموعة تتوزع على المسرح مستلقية كأنها المريض ذاته، بينما يتفحص الطبيب مريضه بسرعة محاولا اجراء تنفس اصطناعي، وما ان يفشل حتى يخلع كمامته ويقوم بعمل قبلة الحياة للمريض، تقدم المجموعة ردة فعل المريض نتيجة هذه الاجراءات حتى يعود للحياة، وما ان يعود حتى يصعق الطبيب)
الطبيب: انت؟! كيف يمكن لذلك ان يحدث؟ اي صدفة تلك التي تركلني خارج المعقول والمقبول؟ (يضحك بهستيريا من هول صدمته، يجلس المريض وهو يسعل مقتربا من الطبيب)
الطبيب: ابتعد عني ... لا اطيق النظر الى وجهك؟ (يحاول صفع وجهه) يبدو انني في حلم نعم حلم...لا بل هي الاحدى برامج كاميرا الخفية (تقوم المجموعة بتجسيد دور المصورين والمنفذين، مع ضجيج الكواليس) يا لتفاهتكم حتى الوباء صار مادة لسخريتكم وعبثكم... (يصرخ بهم) اغربوا (تتساقط المجموعة واحدا تلو الاخر، ومع كل سقوط يرتفع جسد المريض حتى يستقيم وقوفا) استغلالكم للوباء لا يبيح لكم استغلال وجعي، ااااه هل من العدل ان يموت الانسان مرتين؟ مرة عندما نُحرت روحي امام عيني، (يذهب الى المريض ويقتاده من شعره وسط المسرح ويجبره على الركوع، بينما تقف المجموعة بشكل دائري وهي تحمل العصي)
الطبيب: (يجسد دور الارهابي، بينما يجسد المريض دور الضحية)
منذ متى وانت تعالج جرحى جيش النظام؟
الا تعرف ان هذه جريمة تستدعي اقامة الحد عليك؟
الم نمنعك من دخول المشفى الحكومي؟ (تنهال المجموعة بالضرب على المريض مع اصوات تكبيرات مع تسليط بقعة ضوء عليهم). اتذكر هذا الحدث؟
وكيف تم اقتيادتي الى جحوركم المظلمة لأني كنت اسعى لأداء واجبي، كل من يعمل مع الحكومة مجرم... آثم ...عميل... خائن (يذهب الى المريض، ويحاول اعادته الى وضع الجلوس، ويبعد عنه المجموعة التي تتحول الى مجموعة جنود في تدريب عسكري والعصي هي البنادق) وتلك البراعم الفتية (يشير الى المجموعة) ما ذنبها وهي تصطف في طابور الموت المحدق تحت وجوهكم العفنة، اتذكر ذلك الشاب؟ ولدي الذي كان يرنو من نافذته العسلية الى مستقبلٍ لا دماء فيه لا جوع لا حسرات...كم توسلت اليه ان يرث عني مهنة الطب، ان يبتعد عن الحرب والسلاح والعسكرة ( تهرول المجموعة مع انشودة طالعلك يا عدوي طالع من كل بيت وحارة وشارع)، كان مغرما بدور الحمزة في فلم الرسالة، وعمر المختار وصلاح الدين الايوبي و كان ينشد دوما “وطن اذا ذكروه لي وبي الغليل وجدت بردا... ولو استنشقت ترابه لوجدت عيشي فيه رغدا” عشِقَ الترب حد الهيام ، كان يردد على مسامعي دوما(يقوم بإداء دور الابن) عندما يحملني صحبي اليك مُكفنا بالعلم، توجه نحو التراب واستأذنه في ان يضمني اليه حتى وان كنت مقصرا في عطائي له، واطلب منه متوسلا ان لا يمنع عني قداسة ملامسته...(يعود الى المريض) اتعرف من نحرت بسكينك الصدئة بكفك الملوثة هذه، قتلتني، قتلتَ حبا دام عشرين عاما، حلما لا يفصله عن الحقيقة سوى هذا الخط (يرسمه على الارض) لكنكَ محوته ...قطعته...احرقته، والان علي انا الذبيح من القفا ان اقف معك ضد من هو اخسُ منك واحقر، كيف؟ من يرتضي ذلك؟ (يمسك براسه ويتحرك على المسرح بقلق) هل علي ان اكون مخلصا لمهنتي وقَسَمي؟ ام لأبوتي وحياتي لمدينتي لأهلي الملتحفين بالعراء؟ (يصمت قليلا، مع شريط من الذكريات يمر عبر الشاشة، يعرض يوم ولادة ابنه ولحظات وفاته، وهجرة النازحين بعد هجوم داعش، بينما تجسد المجموعة مشهد عزاء عبر حركات من اللطم والبكاء باستخدام العصي) جاء دوري للانتقام... لن ينقذك احد من يدي( تحاول المجموعة منعه عبر احاطة المريض بدائرة تمنع وصول الطبيب الى المريض، مع اصوات لأداء القسم الخاص بطلبة كلية الطب، ممتزجة بحوار ولده وهو ينطق الشهادة قبل مقتله على يد المريض)
الطبيب: لن يمنعني عن قتلك اليوم احد، لن ينقذك مني اليوم احد... ، ولن اخالف قسمي وميثاقي الغليظ، ساترك مهنة الطب واعتزل الناس سأغادر اي شيء يجبرني على الاعتناء بك ورعايتك، لكني لن اقتلك بيدي سأتركك لأضعف خلق الله فهو كفيل بهزيمتك ستنتزع روحك كما تسحب الاشواك من اناء العجين، وانت تعاني الالم بقدر ما اذقتنا اياه... ستذوق وجع اب ثُكل بولده، او طفل تكنى باليتم على يديك، حرارة “تنور” القهر الذي اسعرته في رحم ام حملت لسنين في جوفها شابا ليكون لك عددا في الوصول الامارة او الخلافة ستعرف عندما يغتصب الفايروس رئتيك حجم الالم لكل فتاة سحقت عذريتها بنيرانك الاثمة، عندها سأعود لمهنتي وعملي وميثاقي.
(المجموعة تتساقط ارضا مع شعور بالاختناق وسعال، وكأن الجميع اصيبوا بالكورونا، مع انتشار الخفافيش على المسرح مرة اخرى)
(صوت مقدمة برامج في التلفاز): البلد سيوشك على انهيار صحي، اذا انهار خط الصد الاول، املنا كبير بجيشنا الابيض ان يكون قويا مهنيا.
الطبيب: كفى ...كفى لا يمكنني احتمال ذلك.(يحمل احدى العصي لمواجهة الخفافيش)
صوت المذيعة: على كل الخريجين من الاختصاصات الطبية ان ينخرط في الحفاظ على امن الوطن الصحي، الوقت يمضي والوباء يحصد.(تتخذ المجموعة دور المزارعين وهم يحصدون بالعصي، يا عشك الكاع حب يسري بشراييني، عزيزة الكاع والماي الي يرويني).
الطبيب: الوباء يحصد ...الفساد يحصد...الجهل يحصد...(ينظر الى المريض) وانت تحصد...انت والوباء صنوان ... هناك من بهم حاجة الي ولن اخذلهم (يتناوب في حركته بين المصابين محاولا علاجهم وتفحصهم، وهو في زحمة حركته يقف امام المريض الارهابي) كيف يمكنني التخلص منك ومنه وانقاذ الزرع من معاولكم الخِربة... (يضطر لعلاجه) ما لي بد سوى ان اعالجك فانت الان بحاجتي وان كنت عدوي، هذه شيم فرسان بلادي( يسعل ويشعر بالدوار والوهن، مع اصوات لسيارات اسعاف متسارعة وحركة مضطربة للمجموعة وهي ترتدي رداء الممرضين، مع اضاءة متناوبة على المسرح، يختفي بعدها المريض، مع تدهور حالة الطبيب الذي يوضع على سرير متحرك في المشفى ويقوم احد افراد المجموعة بوضع المغذي والبلازما له، بينما يترقب هو حركات الممرض).
الطبيب: (يتحدث الى الممرض) دمي من فئةo+)) فما نوع هذه البلازما (ينظر الى الممرض وهو يحاول مقتربا ازاحة اللثام عن وجهه، فيصدم للمرة الثانية) انت؟ مرة اخرى، الم يكفيك ما فعلت؟ جئت تلوث عروقي بمياهك الاسنة؟ خذ دمك الفاسد وارحل عني... وعن ابنائي واخوتي ...انت هو الفايروس القاتل ...انت هو القاتل.(تقترب المجموعة من الطبيب وتقوم برفعه وكانه نعش، وكل واحد منهم يحمل معه كيس بلازما للطبيب، بحيث يكون الطبيب في اعلى مستوى بعد ان ترتب له المجموعة المكعبات،)
الطبيب: (ينتصب واقفا) حان وقت الحساب ...جاء وقت الحساب. ها قد انتهت المعركة(تذهب المجموعة الى المريض وتشكل على راسه عن طريق العصي مقصلة (صوت اجراس الكنائس وتكبيرات العيد بصوت الطبيب)