هو بإحساس الشاعر المرهف، وانا برغبة الفتى الطامح الى ولوج عالم الادب والثقافة، اصبحنا صديقين، رغم اكثر من ربع قرن من الزمن تباعد بين عمرينا.
لا ادري ان كان من حسن او سوء حظي ان الازمه في السنوات الاخيرة من حياته كانت في الايام التي كان يعرف جيداً وبحدس الشاعر انها ما تبقى له من رصيد حياته المكتنزة بتجارب ثرة في الشعر والسياسة والصحافة والصداقة ايضاً.
كان هو في صومعته يسمع قبساً من الموسيقى، ويطمئن على قناعته بأن الشعر هو الخلاص الوحيد ويستقبل الاصدقاء الذين وجدت نفسي بينهم نلتقي صباح كل يوم في بيته (الشاعر عبد الرحمن طهمازي، الصحفي المخضرم منير رزوق، المثقف الموسوعي محمد علي السامرائي، الموسيقار الراحل فريد الله ويردي، والطبيب نزار المفتي)،هذه الصحبة التي قال عنها في احدى رسائله لي (ان عالمنا الفكري والثقافي المحدود يتسع شيئاً فشيئاً عبر هذه المجموعة الصغيرة التي تجمعت بشكل عفوي وبدأت تشترك في الاهتمامات الفكرية بشكل جدي، شعر، قصة، مقالات، سينما، موسيقى... اتمنى ان تتسع فهي نواة رائعة لمجموعة من المواهب المختلفة)، ومن هذه الصحبة تعلمت الكثير، كنت انهل من زادها المعرفي وبمرور الوقت امتلكت الجرأة على محاورتها وابداء رأيي بلا تحفظ وكم كنت سعيدا بأن تجد ارائي صدى لها، زرع في نفسي ثقة لا حدود لها عندما كنت باستحياء ادفع له اولى محاولاتي في كتابة النقد السينمائي ولم يكن يكتفي بتشجيعي بل كان يأخذ على عاتقه نشرها في الصحف.
كانت الرسائل، التي يرسلها لي ، والتي يدون بها يومياته، الوسيلة التي قهرت شرور الحرب عندما منت في اقصى نقطة من خارطة الوطن جنديا، ومن هناك كتبت له سيناريو الانفال التي كانت تعبث بمصير شعب على طريقة (الكولكس كلان) سيئة الصيت لافاجأ بعد حين برسالة منه مرفقة بقصيدته (السبي) التي ما زلت احتفظ بها بخط يده فيما الرسالة تقول: أستطيع ان اغفر لكل انسان، حتى انسى حتى جرية اليد التي تريد ذبحي، لكثي لن اغفر .. لن أغفر.. لت اغفر لأصبع واحدة تريد تلويث وطنب تريد اغتيال شعبي".
جل ما كان يخشاه هو ان يرحل من هذا العالم قبل ان تتحقق امنيته في ان تنتهي حياته من دون أن يفرغ ذهنه، باختصار ان لا ينطفئ بسبب نضوب الزيت، العمر لا يكفي كما يرى لذا كان يعجب من اولئك الذين لا يعرفون كيف يبددوا اعمارهم.. فليس ما تمثله حياته الماضية مجرد رمال انه غابة حقيقية قد يصيبها الجفاف زمنا غي ان الجذور تظل ضاربة الجذور في الارض، وهو ما يسعف الغصون بالخضرة.
ومن هنا كان يرى في كتابة الشعر عبادة لا يستطيع الهرب من طقوسها السحرية. ومثل كافافي لم يكن الحلم هو في الوصول الى (إيثاكا) بل الحلم كل الحلم هو في شقاء الرحلة صوبها ذلك ان للشقاء وجها اخر افلا تمنح الظلمات التي تملأ النفس أيام الشقاء الوان اكثر بهجة لأيام سعيدة خالية ، تعكس الصورة وتلونها وتندفع الاحلام الى النفس بهيجة ومترعة بالنشوة والتطلع، فللشقاء قيمته ايضا وتلك احدى متواليات الحياة او معادلاتها لا فرق.
ما زلت اتذكر يوم تعبنا في جمع مجموعاتك الشعرية لغرض طبعها في الشؤون الثقافية باستثناء (همسات عشتروت)، وعندما اكتملت بالعثور على عشتروت، ونحن في طريقنا الى الشؤون الثقافية (طارت) اما كيف؟ فقد تسربت أوراقها بالهواء .. لقد ضحكت يومها، بينما تلبسني الحزن. يبدو انك ما زلال لديك يعض من قصائد لم تقلها.
اودعني مكاتباته مع اصدقائه الشعراء وبالاخص الشاعر الراحل محمد سعيد الصكار يومياته التي كانت عبارة عن رسائله التي كان يكتبها لي وانا في جبهة الحرب ... كانت يوميات تؤرخ تفاصيل حياتنا في ظل الدكتاتورية .. ما زالت احتفظ بها وستجد يوما طريقها للنشر.