شهدت الأيام الأخيرة اتخاذ مجموعة من القرارات التي تصادر حق الناس في التعبير وإبداء الرأي وتكمم الأفواه، والتي تهلل لها الكتل المتنفذة.
فقد قامت نقابة المحامين بتشكيل لجان تحقيقية بحق محامين يرفضون مساعي الكتل المتنفذة لتمرير تعديل قانون الأحوال الشخصية النافذ رقم (188) في مجلس النواب. كما أصدرت هيئة الإعلام والاتصالات توجيهات باستضافة مجموعة محددة من المحامين في القنوات الفضائية دون سواهم. فيما وجهت وزارة التعليم العالي بمنع أساتذة الجامعات من الظهور الإعلامي دون علم مسبق من جامعاتهم حول المواضيع التي سيتناولونها.
وتأتي هذه الإجراءات في إطار سلسلة من التحركات التي تهدف إلى ترهيب المعترضين على تمرير التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية ودفعهم للتخلي عن حقهم الطبيعي في التعبير عن آرائهم والدفاع عن حقوق الإنسان، ففي وقت سابق واجه الناشط علي العبادي رئيس مركز العراق لحقوق الإنسان في البصرة، دعوى قضائية، على أثر مشاركته في تظاهرة طالبت بقطع الأرض.
إجراءات قمعية
ويصف الخبير القانوني أمير الدعمي، الإجراءات الأخيرة بأنها "قمعية" وتفتح الأبواب أمام عودة الديكتاتورية في العراق، منبها الى أن الدستور العراقي يكفل حرية التعبير والآراء، ولا يجوز تحديد أو قمع الأفكار فقط لأن الفرد موظف في الدولة أو محامٍ في نقابة المحامين.
وفي حديث لـ"طريق الشعب"، أوضح الدعمي أن "نقابة المحامين لا تستند إلى قانون يخوّلها حظر الظهور الإعلامي لأعضائها"، مبينا أن دور النقابة يقتصر على منح التراخيص للترافع أمام المحاكم.
وعدّ الدعمي هذا القرار بأنه يعكس سطوة الديكتاتورية وقمع الآراء المخالفة، محذراً من أنه "لا يمكن منع الأكاديمي أو المحامي لمجرد تبنيه رأياً مخالفاً لرأي الحكومة".
امتيازات مقابل الولاء
من جانبها، أعربت النائبة السابقة ريزان الشيخ دلير عن قلقها من أن سيطرة القوى المتنفذة على مؤسسات الدولة، وصلت إلى مصادرة حريات الموظفين وحقهم في التعبير عن الرأي.
وفي حديث لـ"طريق الشعب"، أكدت دلير أن هناك "مساومات" تتم في العديد من المؤسسات، مثل نقابة المحامين، بهدف تمرير قوانين تتماشى مع مصالحهم، محذرة من ان تلك القوى التي دفعت بالسوداني إلى منصب رئاسة الحكومة، أضحت تلعب دورا سيئا في جميع قطاعات الدولة، بهدف قمع الأصوات المعارضة، حيث أصبح من الصعب على الأفراد التحدث عن قضايا الفساد في الدولة، بما في ذلك القضايا المرتبطة بسرقة القرن.
وتحدثت عن مشروع قانون الجرائم المعلوماتية، مؤكدة أنه يُعتبر قانونًا قمعيًا وليس لمصلحة الشعب، مشيرة الى ان "عشائر ورجال دين أيضًا يسيطرون على الدولة، ما يجعل الأمور أكثر تعقيدًا وصعوبة".
وشددت على أن المجتمع يفتقر إلى المعلومات الضرورية حول هذه القضايا، ما يؤدي إلى قبول الأفراد لكثير من الانتهاكات.
وأكدت دلير، أن الوضع الحالي يعكس دكتاتورية وقمعًا من الدرجة الأولى، حيث تُحكم البلاد بقبضة قوية، مع عدم وجود معارضة حقيقية في مجلس النواب.
ودعت إلى ضرورة التحرك من أجل استعادة حقوق المواطنين وضمان حرية التعبير في العراق.
توجهات بالضد من الديمقراطية
بدوره، أكد الأكاديمي وائل منذر أن "القرارات التقييدية للرأي العام تتعارض مع الأطر الدستورية الموجودة في دستور عام 2005"، مشيراً الى ان المادة 20 في الدستور تكفل حرية التعبير، والمواد 37 و38 و42 تكفل تلك الحقوق أيضا.
وفي حديثه لـ"طريق الشعب"، قال منذر إن هذه الإجراءات "تعكس توجهاً مضاداً لفكرة الديمقراطية، وتتعارض مع البناء الديمقراطي السليم"، معتبراً أن العراق لا يزال في مرحلة بناء تجربته الديمقراطية التي لم تترسخ بعد مرور 21 عاماً على التغيير.
وحذّر من أن السكوت على مثل هذه القرارات وعدم إلغائها يفتح الباب أمام إجراءات تشددية أخرى.
ونبه إلى أن هذه التوجهات تعني "أننا لن نكون أمام حرية تعبير واسعة، وإنما نواجه رأياً حكومياً فقط، وهذا يتعارض مع فكرة رقابة الرأي العام أو الرقابة الشعبية، التي لا تكون إلا من خلال النقاش العام في المنتديات والملتقيات ووسائل الاتصال المختلفة".
وخلص منذر إلى أن هذه الإجراءات "ستؤدي إلى فرض الرأي الواحد وعدم القبول بالتعددية والرأي الآخر".
مقدمة لخطوات لاحقة؟
بدوره، عبّر منتظر ناصر، كاتب وصحفي، عن قلقه الشديد من الإجراءات الأخيرة بالتضييق على الحريات العامة في العراق، مشيراً إلى أنها تتعارض مع الدستور الذي يضمن حرية التعبير بموجب المادة 38.
وفي حديث لـ"طريق الشعب"، قال ناصر أن هذه الخطوات تعتبر "منافية للدستور" وقد تكون جزءاً من "مخطط ربما مقصود أو غير مقصود" لتقويض الحريات العامة.
وأكد ضرورة أن تكون هناك وقفة جادة من قبل المدافعين عن حرية التعبير والحريات الصحفية، بالإضافة إلى المؤسسات الصحفية والناشطين ومنظمات المجتمع المدني، لمواجهة هذه الانتهاكات. كما طالب البرلمان بتحمل مسؤولياته تجاه هذه الخروقات الدستورية.
وأضاف ناصر، أن هناك مخاوف جدية من هذه الإجراءات، مشيراً إلى أنها قد تكون مقدمة لخطوات لاحقة من قبل وزارات أخرى تقوم بتطبيق نفس السياسات.