لا يزال العراق يتصدر قائمة الدول الأقل سلماً عالمياً، بسبب التحديات الأمنية والسياسية، والتي لم تتمكن الحكومات المتعاقبة منذ العام 2003 على معالجتها، إنما بعض ظواهر العنف أخذت تتصاعد، بسبب السلاح المنفلت وتفشي الأمية والفساد والبطالة والفقر وغيرها.
ووفقًا لمؤشر السلام العالمي في العام 2024، احتل العراق المرتبة 151 من أصل 163 دولة؛ ففي بعض المؤشرات الفرعية، حصل العراق على أسوأ تقييم (5/5) في مؤشرات ضباط الشرطة والأمن، وسهولة الحصول على السلاح، وجرائم العنف.
ويحتفل العالم سنويا باليوم الدولي للسلام في 21 أيلول الذي صادف يوم أمس، إذ أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه المناسبة ليكون يوما موقوفا لتعزيز مُثُل السلام. لكن العراقيين، ما زالوا ينتظرون إحلال الأمن والاستقرار، بعد سنوات طويلة من حروب وصراعات داخلية وخارجية، أنهت آمال أجيال كاملة بالحصول على حياة آمنة ومستقرة.
حصر السلاح بيد الدولة
وأكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، ياسر إسكندر وتوت، أن خطة وزارة الداخلية لحصر السلاح بيد الدولة لن تلغي المظاهر المسلحة في العراق، لكنها قد تسهم في تقليلها.
وقال وتوت في حديث صحفي، أن "هناك عشائر ترفض تسليم أسلحتها حتى وإن عُرضت عليها مبالغ مادية مقابل ذلك"، مشيرا إلى أن "العديد من عشائر الوسط والجنوب تعتبر السلاح رمزا خاصا لها".
وأضاف وتوت أن "انتشار السلاح غير المنضبط بين العشائر يعد سببا رئيسيا في زيادة المشاكل والخلافات والنزاعات العشائرية"، مشيرا الى أن "بعض العشائر تمتلك أسلحة تنافس قوة تسليح الدولة، حيث إنّ هناك عشائر تملك أسلحة ثقيلة وخطرة ليس فقط في مناطق الجنوب، بل حتى في العاصمة بغداد والمناطق الشمالية والغربية". وأشار إلى أنّ "الحكومة أطلقت حملة لشراء الأسلحة من العشائر، لكنها واجهت إقبالا ضعيفا، ما دفع الحكومة إلى رفع قيمة التعويضات مقابل تسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة".
وأكد أن "السيطرة على سلاح العشائر يعد أمرًا صعبًا"، مشيرًا إلى أن "الحكومة لجأت إلى شراء الأسلحة بدلاً من محاولة أخذها بالقوة، لتجنب وقوع مواجهات مع العشائر".
ما الذي قوّض الاستقرار؟
من جانبه، قال الخبير الأمني عدنان الكناني، ان النزاعات المسلحة بين القوى المتنفذة المتناحرة في ما بينها وتفشي السلاح المنفلت، رسخت حالة عدم الاستقرار الذي يؤثر في عديد من مفاصل الحياة في البلاد.
ونوّه الكناني في حديث مع "طريق الشعب"، بأن "هذه العوامل كلها تجعل العراق في قائمة الدول الاقل سلماً في العالم، وهذه نتيجة حتمية، حين يكون للسلاح سلطة". واكد في سياق حديثه ان "العامل الاساس في زعزعة الاستقرار بالداخل العراقي هو الادارة الامريكية، التي تتحمل هذه المسؤولية، فمنذ 21 عاما والى الان، يتدحرج وضع العراق من سيئ الى أسوأ بسبب سوء الادارات التي تخدمها حالة اللااستقرار".
القوى المتنفذة مسؤولة أيضاً
ولفت الى ان هذا "لا يعفي القوى المتنفذة في السلطة من مسؤوليتها عن مساهمتها في هذه الحالة: السلاح المنفلت، النزاعات المسلحة بين القوى المتصارعة على السلطة، وغيرها من الظواهر السلبية التي قوّضت الاستقرار الداخلي والأمن، وأضعفت البلد".
وخلص الى ان "عدم الاستقرار السياسي والامني سببه التجاذب السياسي والتنافس بين القوى السياسية المتنفذة، والتي يعمل بعض اجنداتها ضد المصلحة العراقية، وبما يخدم مصالح خارجية".
تداعيات اقتصادية
الخبير في الشأن الاقتصادي، كوفند شرواني، قال ان "الادارة العامة للدولة، لم تكن بالمستوى المطلوب خلال العقدين الماضيين. وتمخض عن كل هذا غياب للاستقرار السياسي والامني الذي القى بظلاله بشكل مباشر على الاقتصاد، الذي اثر بدوره على كافة مفاصل الحياة بالبلاد". وأضاف قائلاً لـ"طريق الشعب"، أن "امتلاك البلد لخامس اكبر احتياطي نفطي في العالم، وان يكون ثاني اكبر منتج للنفط في مجموعة اوبك علاوة على امتلاك احتياطي كبير للغاز الطبيعي، لم يشفع لنا ذلك في ان نحقق اي تقدم يُذكر، فنرى ان نسبة البطالة وصلت الى 30 في المائة وهي نسبة تدعو الى الاستغراب". وبيّن، أن "سوء الإدارة وغياب الاستقرار صنع هذه الارقام غير الطبيعية بالنسبة للبطالة والفقر والتعليم والصحة في البلاد"، مشيراً الى أن "الادارة العامة للدولة تتأثر بالوضع والمناخ السياسي والامني، علاوة على أن العراق ايضا محاط بمناطق صراعات ملتهبة، تصل بشكل مباشر الى داخل المجتمع وتؤثر فيه، ناهيك عن الإرهاب وتغلغله واستنزاف موارد البلد".
ونبّه الخبير إلى أن "تطور الاقتصاد والاستثمار يحتاج الى بيئة آمنة ومستقرة سياسياً وقوانين تضمن حمايتهما وبنى تحتية جيدة، لكن المناخ الحالي غير مشجع، ويعد بيئة طاردة للاستثمار، باستثناء قطاع النفط الذي يبقى جاذباً".