لم يكتفِ "الإطار التنسيقي" بتجاهل الاعتراضات ضد مساعيه لتمرير قانون "الأحوال الشخصية" بل تحول الأمر إلى "صفقة سياسية" مقابل قانون العفو العام، الذي كان أحد أبرز مطالب الكتل السُنية ضمن اتفاق تشكيل حكومة محمد السوداني في تشرين الأول 2022، وفق ما يقوله سياسيون ومنظمات حقوقية.
الاعتراضات ضد تعديل القانون مستمرة لغاية اليوم، على الرغم من أن "الأحوال الشخصية" وصل إلى مرحلة التصويت، فيما يقود جبهة المعارضة تحالف 188، الذي يضم مجموعة من القوى والشخصيات السياسية، التي تركز على الدفاع عن القوانين المدنية والحريات العامة في مواجهة تعديل القوانين التي تهدد وحدة المجتمع العراقي وتكريس الطائفية، وفق تعبيرهم.
وينظم التحالف، الذي اشتق اسمه من رقم قانون الأحوال العراقي الحالي، وقفات احتجاجية في معظم المناطق العراقية، ويدعو القوى المجتمعية والسياسية للانضمام إليه لمواجهة هذه التعديلات التي يعتبرها تهديداً للدستور والقيم المدنية في البلاد.
هل خضع "الأحوال الشخصية" للمقايضة؟
وكشف تحالف 188 المدافع عن قانون الأحوال الشخصية النافذ، عن "مساومات داخل البرلمان لتحقيق مكاسب انتخابية"، مشيراً في مؤتمر صحافي عقده في محافظة البصرة الجنوبية، إلى أن التعديل "سيقسّم الشعب طائفياً وعرقياً.
ويشير التحالف إلى أن القانون الجدلي الذي تحاول القوى الشيعية تمريره، دخل في مساومة مع قانون العفو العام الذي يطالب به المكون السني منذ تشكيل الحكومة.
وطرح مجلس النواب في جلسة عُقدت الأسبوع الماضي، قانوني "العفو العام"، و"الأحوال الشخصية" دفعة واحدة للقراءة الثانية، وبذلك لم يبق أمام القانونين غير المناقشة والتصويت نهائي في خطوة تؤكد مضيّ السلطة التشريعية في تمرير التعديلات رغم حملة المعارضة الشديدة.
وأفاد عضو اللجنة القانونية النيابية سجاد سالم في بيان صحافي بأن "منح صلاحيات نواب البرلمان في ما يخص التشريع، لصالح الأوقاف الدينية، يشكل سابقة من نوعها"، مؤكدا أن "329 نائباً لا يعرفون محتوى مدونات الأحوال الشخصية. والمدونة الواحدة لكل المذاهب كانت لمنع الاحتيال والتلاعب بالحقوق عبر المذاهب".
وأكد أن "الادعاء بتعديل قانون الأحوال موصى به من قبل المرجعية الدينية هو مجرد افتراء".
وكانت مداخلات النواب المؤيدين للتعديل في الجلسة الاخيرة دارت حول "المطالبة بأهمية حرية المواطنين في اختيار طريقة الزواج وفق مذاهبهم"، وفق بيان الدائرة الاعلامية لمجلس النواب الذي بيّن أنهم شددوا على "ضرورة الاحتكام الى الشريعة الإسلامية، لا سيما ان تعديل القانون ينسجم مع المادتين الثانية و41 من الدستور العراقي ويقلل من نسب الطلاق والتفكك الاسري"، بالإضافة إلى أن "القانون النافذ فيه مواد خارج المنظومة الشرعية".
وكان قد خضع القانون النافذ (188) لسنة 1959 الخاص بـ"الأحوال الشخصية"، لتسعة تعديلات في الأعوام (1963، 1978، 1980، 1981، 1985، 1986، 1987، 1994، 1999) منذ تشريعه.
تحفظات شيعية
بالمقابل، يرى عضو مجلس النواب عن المكون السُني شعلان الكريم، أن أي قانون يشرع داخل مجلس النواب لا يرتبط بقانون اخر، وكل قانون يشرع لوحده، دون الاقتصار على مكون محدد.
وأضاف الكريم، إن "هناك ضغوطات لتعطيل تمرير تعديل قانون الأحوال الشخصية وقانون العفو العام"، مبيّنا أن "القانونين لم يضعا في سلة واحدة كما يشاع".
وأكد النائب على ضرورة التفاهمات بين الكتل السياسية لتمرير قانوني الأحوال الشخصية والعفو العام.
واشار الكريم إلى أن "قانون العفو العام سيمرر خلال الدورة الحالية بنسبة كبيرة، اما فيما يخص قانون الأحوال الشخصية فهناك تحفظات بشأنه من قبل جميع المكونات لا سيما من قبل المكون الشيعي صاحب مقترح القانون".
اللمسات الأخيرة
بدوره، يلفت عضو مجلس النواب عن الإطار التنسيقي الشيعي ثائر الجبوري، الى أن قانون الأحوال الشخصية وقانون العفو العام، "من القوانين المهمة جدا وسيمرران خلال الدورة البرلمانية الحالية".
ويذكر الجبوري، ان "نواب المكون الشيعي هم من تبنوا مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية، بناء على رؤية قانونية ودينية".
ونفى النائب عن ائتلاف دولة القانون، تمرير قانون الأحوال الشخصية مقابل تمرير قانون العفو العام، متساءلاً: "ما الذي يستفيده المكون الشيعي من قانون العفو العام؟".
"القانونان سيخضعان لمناقشة أخيرة قبل التصويت وسيؤخذ بنظر الاعتبار اراء منظمات المجتمع المدني والمختصين"، بحسب الجبوري.
ويرى ان "القانونين قد يخضعا في اللمسات الأخيرة الى تعديلات ببعض الفقرات".
فقرات وهمية
الى ذلك، يؤكد مشرق الفريجي أمين عام حركة "نازل أخذ حقي"، المنبثقة عن احتجاجات تشرين 2019، وأحد أبرز الرافضين إجراء تعديلات على قانون الأحوال الشخصية، ان الأخير وقانون العفو العام مررا بسلة واحدة.
"أحد النواب اصر خلال القراءة الأولى عل عدم تمرير قانون العفو العام اذا لم يمرر قانون الأحوال الشخصية"، يقول الفريجي، ويضيف أن "حديث رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي الأخير اثبت ان المكون السني لا علاقة له بقانون الأحوال الشخصية، ويُفهم من ذلك انهم صوتوا مقابل التصويت على لهم على العفو العام".
وقال الحلبوسي في مقابلة تلفزيونية بتاريخ 20 أيلول الحالي: "نحن ضد تمرير قانون الأحوال الشخصية، وغير مؤيدين له.. القانون الحالي هو الأسلم ولا يحتاج الى تعديل"، مبينا ان "التعديل سيقتصر على المذهب الجعفري".
ويقول الفريجي: "قانون الأحوال الشخصية هو القانون الوحيد الذي تسبب بشرخ مجتمعي وعملية تمريره يدفعنا الى النقمة على الطبقة السياسية والتحدث عنها بسوء ولو بعد حين".
ويشير الى أن "المصرين على تعديل قانون الأحوال الشخصية أوهموا الناس بقراءتين من خلال قضية النفقة والمادة 57 وهذه الفقرات غير مذكورة في القانون".
الرافضون لتعديل القانون، مع اجراء تعديلات ضمن قانون الأحوال الشخصية الحالي، على أن تشمل المادة 57 حتى تتلاءم مع وضع الرجل والمرأة، وان لا تميل الكفة لصالح جهة على حساب أخرى، وفق الفريجي.
ونصت المادة 57 من القانون الساري على أن "الأم أحق بحضانة الولد وتربيته حال قيام الزوجية وبعد الفرقة ما لم يتضرر المحضون من ذلك".
ويشترط القانون أن "تكون الحاضنة بالغة عاقلة أمينة قادرة على تربية المحضون وصيانته، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها، وتقرر المحكمة في هذه الحالة أحقية الأم أو الأب في الحضانة في ضوء مصلحة المحضون".
كما تنص فقرات المادة المذكورة على أنه "إذا أتم المحضون الخامسة عشرة من العمر، يكون له حق الاختيار في الإقامة مع مَن يشاء من أبويه أو أحد أقاربه لحين إكماله الثامنة عشرة من العمر إذا أنست المحكمة منه الرشد في هذا الاختيار".
تشويه المعارضين
ويشير أمين عام حركة "نازل أخذ حقي" الى أن "القانون أستخدم كدعاية انتخابية وتشويه للمعارضين للتعديل، ولدينا ندوات ومؤتمرات قد تصل الى تظاهرات احتجاجية جديدة رافضة لتعديل القانون".
"في حال مرر القانون سيكون لنا موقف قانون بالذهاب تجاه القضاء للطعن بالقانون والحديث مع الناس وفضح الكثير من الأشياء التي تخفيها الطبقة السياسية"، بحسب الفريجي.
العراقيون غير مهتمين!
من جانبه، يشير الباحث بالشأن السياسي علي البيدر، الى ان اهداف قانون الأحوال الشخصية غير مرتبطة بأهداف قانون العفو العام الا ان هناك تخادم جعل القانونين في صفقة واحدة.
"توقيت طرح القوانين خلق حالة من الرغبة في المساومة السياسية بين المكونات"، يلفت البيدر ويضيف أن "اغلب العراقيين غير مكترثين لتلك القوانين، كون اغلب الشعب يبحث عن الخدمات وفرص العمل، اما من يتحدث بالقانونين اما يحاول اثارة الرأي العام او قد يكون منتفع او متضرر".
ويمضى قائلاً: "طالما الأمور بدأت بمساومة، حتماً ستنتهي بمساومة وقد يمر القانونين بجلسة واحدة كما حصل في القراءة الثانية".
المصدر: وكالات