تحل علينا هذه الأيام الذكرى الخامسة لانتفاضة تشرين 2019، التي تجلت فيها أروع صور البطولة والفداء من قبل المرأة العراقية، إذ خرجت ثائرة على الواقع المزري الذي تعيشه مع أسرتها، والذي يتسم بالبؤس في الخدمات ونقص فرص العمل وفقدان الأبناء والأزواج في خضم الصراعات وغياب الأمان، إضافة للقيود المجتمعية وحرمان بعض النساء من حقهن في التعليم والعمل وتعرضهن للعنف الأسري وحتى للقتل. ففي غمار انتفاضة تشرين، تمكنت المرأة من كسر حاجز الخوف وحطمت القيود التي ساهمت في تهميش دورها السياسي وخنق مبادراتها.
الانتفاضة لم تنتهِ
تقول عفيفة ثابت، سكرتيرة فرع بغداد في رابطة المرأة العراقية، إن "انتفاضة تشرين لم تنتهِ، فمطالبها ما زالت حاضرة في نفوس وضمائر أبناء الشعب العراقي، الذين قد ينتفضون في أي لحظة مطالبين بالتغيير ذاته الذي رفعوا شعاراته في انتفاضة تشرين 2019". وتضيف أن مطالبهم تتضمن أولًا الكشف عن قتلة المتظاهرين ومحاسبتهم، وتصحيح مسار العملية السياسية، خاصة تلك المتعلقة بتعديل قوانين لا تصب في مصلحة المجتمع والمرأة التي تعاني منذ عقود طويلة من التهميش.
وتشير ثابت إلى أن "الانتفاضة قدمت دروسًا لسياسيي السلطة، أولها أن مفتاح التغيير بيد الشعب، خاصة مع تزايد المعاناة اليومية والخوف من عودة عدم الاستقرار الأمني، مستندة إلى ما تتعرض له فلسطين ولبنان من اعتداءات صهيونية".
سجلت أجمل صورها
وتضيف ثابت عن دور المرأة في تشرين فتقول "لقد أسهمت المرأة في الانتفاضة بأشكال مختلفة وسجلت أجمل صور التضحية، فكانت الطبيبة والمسعفة والمعلمة والمثقفة وحمامة السلام، التي برزت خلال أيام الانتفاضة حتى تحققت المطالب بتغيير الحكومة". ورغم استمرار المعاناة بعد الانتفاضة، فإن المرأة تواصل النضال بأساليب جديدة، مثل المطالبة بتشريع قانون لمناهضة العنف الأسري، الذي تستمر السلطة التشريعية في تعطيله، بالإضافة إلى المشاركة في وقفات احتجاجية مع الرجال للمطالبة بتوفير فرص عمل وتحسين الواقع المعيشي.
شعار "نريد وطن"
في هذا السياق، ترى الناشطة النسوية مروة الساعدي أن "المرأة العراقية رفعت في تشرين شعارات تخص جميع أبناء الشعب، رغم معاناتها اليومية في ظل الصعاب المعيشية والعنف الأسري والعادات والتقاليد التي تفرض عليها مسؤوليات كبيرة في سن صغيرة". وتضيف أن "المرأة قدمت أعظم صور التضحية وهي ترفع شعار الانتفاضة ’نريد وطن’، أما اليوم فقد ارتفع سقف مطالبها ليشمل أولًا منع تمرير تعديل قانون الأحوال الشخصية، بسبب تهديده لحياة الأسر وحرمان الأم من حضانة أطفالها بل وجعلها رهينة لقيود مجتمعية اخرى. وتؤكد الساعدي على أن المرأة في تشرين كسرت الكثير من الموانع المجتمعية، وهي قادرة على مواصلة النضال حتى تتحرر من جميع القيود.
إطلاق للطاقات
وتستذكر الفنانة التشكيلية سارة عبد الله دورها في الانتفاضة، موضحة أنها "لم تكن مجرد احتجاج على الواقع، بل كانت أيضًا إطلاقًا لطاقات شابة مكبوتة لعقود، نتيجة التهميش الذي مارسته الحكومات المتعاقبة". وتضيف أن حضور المرأة في الانتفاضة كان ملفتًا للمجتمع الدولي من خلال الفعاليات الفنية والثقافية، بما في ذلك تنظيف ساحة "الحبوبي" والرسم على الجدران تعبيرًا عن الاحتجاج، والمشاركة في فرق تطوعية لتقديم الدعم اللوجستي للمتظاهرين. وتؤكد سارة على أن "الانتفاضة أطلقت روح العمل الجماعي والانصهار في الوطن قبل كل شيء".
حققوا ما عجزت عنه الحكومات
ومن جانبها تشير الناشطة أبرار الجوراني إلى أن "مطالب المرأة في تشرين كانت مركزة حول المطلب الكبير ’نريد وطن’، بينما كان المنتفضون يتصدون للرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع". وتذكّر أن "الشباب في ساحة التحرير رسموا خارطة الوطن الذي يريدونه، محققين ما عجزت الحكومات عن إنجازه لعقود، حيث أظهروا للعالم أن العراق هو بلد لجميع الطوائف والثقافات، وجعلوا من ساحة التحرير منبرًا لفعاليات فنية وموسيقية متنوعة، مما لا يتماشى مع مصالح القوى الطائفية التي تهيمن على البلاد اليوم، والتي أساءت وتسيء اليوم إلى النساء المشاركات في تشرين خوفا على مصالحهم الخاصة بعيدا عن مصلحة البلاد العامة".