بعد موجة اعتراضات طالت تعديل قانون الأحوال الشخصية، وضع مجلس النواب فقرة التصويت على القانون ضمن جدول أعمال جلسة الامس لكن سرعان ما تأجلت الجلسة لعدم اكتمال نصابها القانوني.
التصويت على القانون اقترب من الحسم، بعدما وضع ضمن جدول اعمال البرلمان، رغم تصاعد الجدل الخلافي حوله، إذ أثارت التعديلات المقترحة موجة غضب واسعة في أوساط المجتمع المدني وسط اتهامات بأنها تعزز الطائفية في البلاد وتهضم حقوق المرأة، بل وتشرعن زواج القاصرات.
عضو اللجنة رائد المالكي قال في وقت سابق، إن جميع الاعتراضات والملاحظات بشأن قانون الأحوال الشخصية ستؤخذ بعين الاعتبار، لافتاً إلى أن "المخاوف عن القانون مفهومة بشكل خاطئ من خلال الإعلام ومن جهات نسبت للقانون بنود فقرات غير موجودة".
وأضاف المالكي أنه "لا يوجد فرض إرادة في تمرير القانون وأن جلسة القراءة الثانية انتهت بالاستناد للمقترحات التي سيؤخذ بها وتدارسها في صياغة مقترح القانون.
وأشار أيضا إلى أن جوهر القانون هو إعطاء الحرية للعراقيين باختيار أحوالهم الشخصية وفق الدستور الذي كفلها في المادة 41 منه، بحسب تعبيره.
وأنهى مجلس النواب، قبل اسبوعين مناقشة مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959المادتين 2و 10".
المحكمة الاتحادية العليا قالت بدورها، إن الدستور منح العراقيين حرية تنظيم الأحوال الشخصية وفقاً للديانة والمذهب والمعتقد.
وجاء في تفسير المحكمة، أن المادة 41 من الدستور العراقي لسنة 2005، نصت على "منح الشعب العراقي حرية تنظيم أحواله الشخصية وفقاً للديانة أو المذهب أو المعتقد أو وفقاً لاختياراتهم الشخصية، ولا يجوز تقييد ممارسة ذلك الحق أو تحديده إلا بناءً على قانون على أن لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية على أن يتم تنظيم تلك الحرية في الالتزام بالأحوال الشخصية بقانون".
وناقش رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، الملاحظات المتعلقة بالمشروع بعد انتهاء مجلس النواب من القراءة الأولية له.
وقال المجلس في بيان ، إن زيدان استقبل مجموعة من النساء من أعضاء مجلس النواب وشبكة النساء العراقيات، حيث ناقشوا الملاحظات المتعلقة بتعديل القانون.ويلقى المشروع دعما قويا من المكون الشيعي في البرلمان العراقي، بدعوى أنه يستند إلى الدستور العراقي، ومن أبرز المعارضين للتعديلات "تحالف 188" الذي يضم مجموعة من الحركات النسوية ومنظمات المجتمع المدني، وقوى سياسية ومدنية، وأعلنوا في بيان سابق رفضهم للتعديلات لما تمثل من "انتهاك سافر للدستور والحقوق والحريات الواردة فيه، ويمثل تراجعا عن الحقوق القانونية التي اكتسبتها المرأة".
كما يعتبر التحالف أن التعديلات سوف "تقود إلى انقسام مجتمعي طائفي ومذهبي".
ويوم الثلاثاء، أكد تحالف 188 المدافع عن قانون الأحوال الشخصية، انه لا يوجد تقارب في وجهات النظر بخصوص تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يعتزم مجلس النواب تمريره.
وذكر التحالف في بيان تلقته (المدى)، أنه "تتحدث تصريحات نيابية مختلفة، عن وجود تقارب في وجهات النظر ما بين المعترضين على تعديل قانون الأحوال الشخصية، وبين المؤيدين له، في حين أن رفض التعديل لا زال قائماً من قبل أوساط واسعة سياسية ونيابية وشعبية، فضلاً عن استمرار اعتراض تحالف 188 لصيغة التعديل الملتبسة والتي تخالف الدستور والمعاهدات والمواثيق الدولية الموقع والمصادق عليها من قبل جمهورية العراق".
وأضاف، أن "أعضاء من تحالف 188، ساهموا، في ورشة لجنة المرأة والأسرة والطفولة النيابية، التي عقدت يوم أمس، وقدموا اعتراضهم مجدداً على صيغة تعديل القانون".
واستدرك البيان، "لكننا نشير في هذا الصدد إلى أن الدعوات لهذه الجلسة كانت محصورة بأوساط معينة، دون أن تنفتح على جهات أخرى رصينة، ولديها ملاحظات جوهرية على التعديل، وكان واضحاً حجم الاعتراض على التعديل وعدم فسح المجال واسعاً للنقاش حول خطورته".
ونوه بأن "عدد من النواب يدعي أن التعديل سوف يعرض للتصويت قريباً، وفي هذا دلالة على ضيق بالاعتراضات الواسعة والكبيرة، ومحاولة الانفراد في التعديل، حتى وإن كان يضر المجتمع ومخالفاً للدستور".
من جانب آخر، جرى توزيع نسخة من تعديل القانون، وهي ليس النسخة التي جرت قراءتها في البرلمان لمرتين، ما أثار استغراب الكثير من المساهمين في الجلسة، وطالبوا بعرض النسخة الاصلية، التي جرى الاعتراض عليها، وفق البيان.
وأشار الى، أن "ما يطرح في وسائل الإعلام، من وجود تقارب في وجهات النظر بعيداً عن الصحة"، مشددا على "أهمية عدم تعديل القانون في الوقت الحاضر، وتحويله إلى الحكومة كونها معنية بفتح نقاش واسع وشفاف مع جميع الأطراف المعنية، وأن لا يكرس التعديل الطائفية والمذهبية".
وختم البيان بالقول، إن "جهات نيابية تحاول استغلال الرأي العام، وتعبر من خلاله على أن التعديل المطروح للنقاش مناسب للجميع، في حين أنه يمس حقوق وكرامة المرأة والأسرة والطفولة، فضلاً عن استغلال ذلك سياسياً من أجل مكاسب انتخابية".
الى ذلك، أكد عضو مجلس النواب محمد عنوز، أن القوانين الجدلية مثل قانون الاحوال الشخصية وقانون العفو العام و غيرها مرهونة بالتوافق السياسي بين الكتل الكبيرة.
وقال عنوز إن "الكثير من القوانين الجدلية محكومة بقضية التوافقات والاتفاقات السياسية مثل قانون مقابل اخر ".
وعن قانون تمرير قانون الأحول الشخصية قال عنوز إن "هناك مجموعة قوانين تقدم دفعة واحدة ويتم التوافق عليها حسب التوافق السياسي بين الكتل الكبيرة المتمثلة بائتلاف ادارة الدولة".
وأشار إلى أن "قانون العفو العام هو احد القوانين المحكومة بالتوافق السياسي".
ويمنح القانون الحق للمواطنين في اختيار اللجوء إلى إحدى ما يطلق عليهم مدونتين (واحدة شيعية وأخرى سنية) في تنظيم أحوالهم الشخصية، ويُعِد المجلسان السنّي والشيعي المدونات، التي تمثل ضوابط وأحكام شرعية، ويتم تقديمها إلى البرلمان.
وبحسب المقترحات يتم تقديم تلك المدونات من المجلسين السني والشيعي إلى البرلمان، خلال ستة أشهر من سن التشريع.
يشار إلى أن الفقرة الأولى من المادة السابعة من قانون الأحوال الشخصية الحالي الصادر عام 1959، تشترط بلوغ الزوجين 18 عاما لعقد القران، أو 15 عاما مع إذن من القاضي، بحسب "البلوغ الشرعي والقابلية البدنية".
وترفض منظمات مجتمع مدني التعديلات الجديدة، التي يرون أنها سوف تفتح الباب أمام زواج القاصرات، إذ سيكون الرأي في الزواج هنا بعيدا عن القاضي والمحكمة، وتحدده المدونة الشيعية أو السنية.
وهذه ليست المرة الأولى التي يدور فيها الجدل بشأن إجراء تعديلات على قانون الأحوال الشخصية أو إلغائه، ففي عام 2014، أثار مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي تقدم به وزير العدل آنذاك، حسن الشمري، جدلا واسعا وسخطا من منظمات المجتمع المدني، واعتبرته انتهاكا خطيرا لحقوق الطفولة لأنه يجيز تزويج الطفلة تحت سن 9 أعوام.
ويحدد مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري قواعد الميراث والزواج والطلاق والنفقة، ويرى المدافعون عن القانون أنه لا يفعل سوى تنظيم الممارسات اليومية لاتباع المذهب الجعفري.
لكن معارضيه الذين يمثلون تيارات مدنية يعتبرون المشروع خطوة إلى الوراء وانتهاكا لحقوق المرأة في العراق، ويشعرون بالقلق من أن يفاقم الاحتقان الطائفي في بلاد تشهد توترات سنية شيعية متواصلة.