"الشارع مال منو؟" نساء بغداد يفتقدن شوارعها
نشر بواسطة: mod1
الأحد 20-10-2024
 
   
إيهاب شغيدل - جمار

كيف ولماذا أصبحت شوارع بغداد للرجال فقط، فيما النساء مكانهن "المطبخ"، قالوا لهنَّ، وسحبوا منهنَّ حتى الحق بالمشي في مدينة يفترض أنها للجميع؟

تُحرم البنات من اللعب في الشارع فهو معدٌّ للأولاد. ثم يكبرن وتصبح الصبايا المحرومات من الإسفلت أمهات وزوجات، موظفات وعاملات، وكذلك يكبر الأولاد، وتتزايد عشرات الأساليب التي تدفع هؤلاء النساء للاختفاء من الشارع، أساليب شائعة ومقبولة اجتماعياً بعض الأحيان. كيف ولماذا أصبحت شوارع بغداد للرجال فقط، فيما النساء مكانهن “المطبخ”، قالوا لهنَّ، وسحبوا منهنَّ حتى الحق بالمشي في مدينة يفترض أنها للجميع؟

سادة الشوارع

أحياناً نسمع رجلاً يفتخر بكونه “ابن شارع/تربية شارع”. عبارات لا تدل على سوء أخلاقه، بل على حنكته وذكائه الاجتماعي، فكونه ابن الشارع يعني أنه لا يُقهر. أما إذا اقترنت تسمية “بنت شارع” بامرأة فهذه دلالة اجتماعية على انحدار أخلاقي وتشويه لسمعتها.

هذا الاختلاف ليس اجتماعياً فقط، إنما يكشف عن أن كثراً من الرجال يعدون الشارع منزلهم الآخر، أو على الأقل مساحة أساسية يشغلونها هم وأصحابهم وأبناؤهم. شعور ترسخه سيادة الرجل اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً في الحيز الخاص لتمتد إلى الحيز العام، فهو من يمشي في الشارع، ويشتري ويبيع فيه عادة فيما تغيب النساء عن كل هذا.

تبدو شوارع بغداد كما لو أنها خُصصت للرجال فقط دون أدنى اعتبار للنساء، ليس سوء الخدمات فحسب، إنما التحرش والمضايقة والابتزاز والعنف اللفظي التي أصبحت جزءاً مرافقاً لغالبية النساء أثناء مسيرهن فيها. فهل تكون شوارع بغداد ذكورية؟

دورية توزيع المخدرات

مسرة (21 عاماً)، طالبة تسكن بالقرب من جامعتها في الكرادة داخل وسط بغداد، كانت تستعد للامتحان القادم، حينما قررت أن تتمشى للتنشط وتحفيز نفسها للدراسة.

“كعدت ساعة 5 الصبح حتى أقرأ، وجاء في مزاجي أن أكسر روتين القراءة، فكرت أتمشى على أبو نؤاس نص ساعة، أثناء تفكيري في الدخول للحديقة، جاءت دورية شرطة”.

لم يكن للدورية أي عمل في ذلك الصباح غيرها، تقول مسرة، حيث تسرد كيف بدأت الشرطة بحزمة أسئلة متعارف عليها:

الشرطة: من وين أنت؟ وين بيتكم؟

مسرة: من ميسان وأدرس هنا واسكن بالكرادة

الشرطة: شعجب متدرسين بميسان؟ بيا كلية تداومين؟

مسرة: معدلي قبلني هنا بجامعة الإسراء صيدلة

الشرطة: شنو شايلة بجنطتج

مسرة: أغراضي بس

بعد نصف ساعة من التحقيق، خرج الحوار من مساره القانوني ليتحول لرحلة ابتزاز انتهت “بتسليبها”. بدأ الابتزاز بتهم مثل: أنتِ شاردة من اهلج.. منو يكول ما تنتظرين أحد هنا أو ما تشتغلين بالدعارة؟

“كي أتجنب الموقف اتصلت بوالدتي، رغم أن الوقت فجراً، لكي يبين لهم الاتصال أني غير هاربة  من أهلي”. لكن ذلك لم يقنع عناصر الدورية الذين أخضعوها للتفتيش. أخرجت وثائقها: الهوية الوطنية وبطاقة الجامعة، فيما تحرّشوا بها ولمسوها. ذكرتهم مسّرة بمهامهم في حفظ الأمن وتطبيق القانون. قال أحدهم: “عن يا قانون تحجين، هذا جيس مخدرات نخلي بجنطتج، ونذبج ورة الشمس”.

رغم كل محاولاتها لتؤكد رغبتها بالتنزه فحسب، إلا أن التهم التي وجهوها إليها بدأت تتراكم.  تحت تأثير الرهبة والرعب، وافقت مسرة على ما أسماه أفراد الدورية بالـ”تسوية”. “أخذوا كل ما في جنطتي من أموال، كنت أحمل تقريبا 400 ألف دينار، كل مصروفي الشهري ومضت عجلتهم باتجاه الجادرية. بعد ذلك الموقف بقيت خائفة، لم أعد أثق بالشرطة التي من المفترض أن تحمينا، لكنها تبتز وتساوم، فماذا تبقى للخارجين عن القانون؟!”.

تعتقد مسرة لو أنها كانت رجلاً كان من الممكن أن تتخذ المشكلة منحى آخر. لو أنها رجل، كان من الممكن لها أن تطلق تهديدات عشائرية وأسماء تعرفها من الجماعات المتنفذة بالعراق.

كل هذا يحول الشارع إلى مكان خطر، تردف مسرة، “وبسهولة يمكن أن تحدث لهن مشاكل”.

“المطبخ احسنلج”

أما أمل (43 عاماً) تعتبر أن لحظة تشغيل سيارتها وحتى عودتها للمنزل عبارة عن كوميديا سوداء لا تنتهي. كل يوم هو حلقة جديدة من عشرات التعليقات التي تهدف للتنمر والسخرية من أمل لأنها تقود سيارة فحسب.

في إحدى المرات سألها رجل غريب: ممكن سؤال؟

امل: أي تفضل

الرجل: ليش ما تعوفين السياقة وتجين تساعدين امي بالبيت محتاجين جنة.

تقول أمل ضحكت ومضيت في طريقي.

تعلمت أمل أن تتصالح مع التنمر، إذ لا يمكن الرد على كل التعليقات.  مع ذلك، تتمنى لو أنها لا تتعرض لمثل هذه المواقف وأن تعيش بأمان، فالطريق من المنزل وإليه، يعج بالمضايقات والمخاطر.

“بعضهم يجتاز بطريقة غير صحيحة، يتقصدون ذلك للإرباك.. أرى النصر في عيونهم حين أرتبك.. مرة على الخط السريع تقصد أحدهم فعل كل شيء لكي أسبب حادثاً”، تقول أمل.

يرى كثر من الرجال أن النساء يجب ألا “تشاركهم” قيادة السيارات.

“لا ينتقد الرجال بعضهم على سوء القيادة، وغالبية الحوادث أبطالها رجال، مواقع التواصل مليئة بمقاطع مضحكة على قيادة النساء لكن لم يسبق وإن شاهدت مقطعاً عن رجل لا يعرف كيف يقود”، تقول أمل، تدعم بعض الإحصاءات الرسمية والتصريحات هذا القول، إذ أن “نسبة حوادث السيارات لدى النساء هي الأقل بالنسبة للرجال، بسبب التزامهن بتعليمات وقوانين المرور وقيادتهن للمركبات بسرعات مقبولة” حسب مدير اعلام مديرية المرور كربلاء في تصريح سابق، إلا أن تلك الإحصاءات غير قادرة على التنمر على قيادة النساء، فكلما وقع امامك منشور في الميديا عن قيادة النساء لا تنتهي تعليقات التهكم والسخرية الممنهجة.

أمل وغيرها ممن يقدن المركبات في بغداد ما زلن على قيد الحياة، لكن في تشرين الثاني 2022 فقدت فتاتان حياتهن نتيجة انقلاب سيارتهما إثر مطاردة سيارة مدنية لهما على طريق الغزالية السريع. المعلومات الأمنية عن الحادث تشير إلى أن الحادث حصل نتيجة مطاردة سيارة نوع جارجر  لسيارة الفتيات، ولاحقاً تم القبض على صاحب السيارة في منطقة السيدية.

هورنات الجنس

ثم هناك الهورنات المتواصلة إذا ما مرت امرأة في الشارع.

“تحرش أصحاب السيارات يجعل المشي دون خمسة هورنات على الأقل في اليوم مهمة شبه مستحيلة”، تقول صابرين (31 عاماً).

لدى أصحاب العجلات حجج وذرائع، مثل عروض لإيصال المرأة أو بحجة أنه صاحب تكسي، لكن في العادة المقصود بهذه الهورنات هو الجنس.

كما أن ثمة تصوراً اجتماعياً سائداً بأن السيارة مغرية وأنها دليل رفاهية وقدرة مادية عالية، فتسهل الحصول على امرأة.

“مرة لاحقني شخص كانت سيارته عالية سوداء.. قال انه مستعد يوصلني لأي مكان، بعد ذلك بدأ يفشر لأني رفضت، قال قبل ذهابه: انت مو وجه نعمة”، تقول صابرين.

وجود المرأة مع عائلتها لا يبدل شعورها بعدم الأمان والراحة أثناء وجودها في الشارع.

تقول صابرين “لا تشعر بالأمان، حتى لو كنت مع عائلتك، أغلب الشوارع لم تعد آمنة، رغم السيطرات والناس إلا أن أحدهم لا يتوانى عن تقديم خدماته الجنسية بشكل علني وبهذه الطريقة المهينة”.

كانت صابرين تتمشى مع زوجها وأطفالها، بينما دخل زوجها لأحد المحال التجارية استغل أحد سائقي السيارات فرصته:

أبو السيارة: تصعدين؟

صابرين: لا عيني ما رايدة تكسي

أبو السيارة: مدام كلتي عيني انت هم عيني… اصيرلج تكسي

صابرين: دا اكلك ما اريد تكسي

أثناء ذلك خرج زوجها من المحل وشاهد الحوار، كادت أن تحصل مشادة بينهما. تهرب صاحب العجلة و”قال لزوجي هي اشرتلي عبالي تريد تكسي، ومضى في طريقه”.

ربما ذلك ما يجعل كثيراً من النساء يفضلن طلب الـتاكسي من التطبيقات وليس من الشارع، لسهولة تقديم بلاغ أو شكوى على السائق في حال ارتكابه مخالفة، وكذلك توفر البيانات الشخصية عن السائق في التطبيقات.

لكن رغم ذلك، فإن العديد من التطبيقات لا تأخذ الشكاوى دائماً على محمل الجد.

“النساء المسنودات: من يحمي غيرهن؟”

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في نيسان 2023 بفيديو اعتداء امرأة لفظياً وجسدياً على رجل مرور برتبة (ملازم) في مديرية المرور العامة، وحاولت تمزيق دفتر “الوصولات المرورية”. وفي حادثة لاحقة مشابهة اعتدت سيدتان على ضابط مرور في منطقة الحارثية ببغداد وانتهت تلك الشتائم والأحذية إلى تبرؤ كتلة دولة القانون من أحد نوابها وهو النائب “بهاء النوري”، ذلك لتدخله في “حل المشكلة” حسب وصفه.

يظهر هذا من جهة أخرى وجود بعض النساء اللواتي يتصرفن كأن الشارع لهن، كونهن مدعومات.

فمن أين يأتي هذا الدعم لفئة على حساب أخرى؟

يختلف وضع تلك النسوة عن غيرهن، فهن حسب التعبير الشعبي “مسنودات/ عدهن ظهر”، ولديهن ارتباط بشخصيات سياسية أو اجتماعية نافذة، وهذا الدعم يخرج من طور الحماية إلى حد ارتكاب الاعتداءات التي تنتهي بتنازل الطرف المقابل لهن.

وضع النساء في الشارع يترنح بين كثيرات معتدى عليهن وعشرات معتديات على القانون، اللاتي عرفن حسب صابرين كيف: “يرتبن وضعهن مع إحدى الشخصيات المتنفذة من أجل خرق القانون حتى وليس من أجل الحصول على الحماية فقط”.

في السياق نفسه يرتبط اسم عدد كبير من “البلوغرات” بشخصيات توفر لهن الحماية، ففي أيلول 2022 مثلاً، احتجزت الإعلامية همسة ماجد فتاتين متهمتين بتسريب فيديو لها، وأشيع وقتها أن الاحتجاز قد حدث بمساعدة خمسة ضباط، لينتشر وقتها هاشتاك #همسة_وضباطها_الخمسة.

تقف القوانين حائرة تجاه النساء وقضاياهن في الشارع، فلا توفر الحكومة الحماية لضحايا شوارع بغداد، ولا الحزم تجاه المتبجحات على القانون وأفراده. ولكن ألا تكون تصرفات “المدعومات” منهن تكراراً للتصرفات الذكورية السائدة التي تعاني منها غالبية النساء اللواتي بلا سند في الشارع؟

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced