الفجوة الصحّية بين الجنسين: عائق إضافي أمام النساء في العالم العربي
نشر بواسطة: mod1
الإثنين 11-11-2024
 
   
درج ميديا

لا يقتصر التمييز الجندري فقط على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، بل يمتد إلى الجانب الصحي أيضاً! يمثل عدم المساواة بين الجنسين في الصحة مفهوماً واسعاً يشمل الفجوة الصحية بين الجنسين، ويتضمن أيضاً عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية تؤثر على الصحة.

لا يمكن فصل واقع صحة النساء عن مشاركتهن الاقتصادية والتعليمية والمهنية والسياسية في المنطقة العربية. بحسب مؤشر الفجوة بين الجنسين العالمي، تقدمت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمقدار +3.9 نقطة مئوية في مجموع نقاطها المتعلقة بالمساواة بين الجنسين منذ عام 2006، وعلى الرغم من هذا المسار الإيجابي غير أنها لم تُغلق سوى 61.7 في المئة من الفجوة، ما يجعلها المنطقة الجغرافية الأقل تقدماً في ما يتعلق بالمساواة بين الجنسين.

ما لا شك فيه، أن توافر سبل الوصول الملائمة الى الرعاية الصحية للنساء، تساهم إلى حد كبير في تحسين صحتهن العامة، وخفض نسب الوفيات بينهن، والارتقاء بمستوى جودة حياتهن. وبحسب التقرير الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي ومعهد ماكينزي للصحة لعام 2024، تُعادل فجوة صحة المرأة 75 مليون سنة من الحياة المفقودة، بسبب سوء الصحة أو الوفاة المبكرة كل عام. يمثل هذا الرقم مجموع سنوات الحياة الصحية التي تفقدها النساء سنوياً على مستوى العالم.

تزداد فرص المرأة التي تتمتع بصحة جيدة في الانخراط في سوق العمل وفي تعزيز النمو الاقتصادي. ووفقاً لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الأخير، فإن معالجة الفجوة في صحة المرأة يمكن أن يطيل عمر المرأة ويعزز الاقتصاد العالمي بمقدار تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2040. يُعد تأمين حصول المرأة على الرعاية الصحية ضرورة أخلاقية وركيزة أساسية، متجاوزاً كونه مجرد قضية رفاهية شخصية، ليشكّل محوراً جوهرياً في دفع عجلة التقدم المجتمعي الشامل وتحقيق التنمية المستدامة.

تتضمن هذه الفجوة، تشخيص النساء بشكل خاطئ أو تجاهل أعراضهن بشكل متكرر مقارنة بالرجال، وانتظار النساء لفترات أطول للحصول على التشخيص الصحيح لبعض الحالات الصحية، بالإضافة إلى نقص البحوث وضعف الفهم للحالات التي تؤثر بشكل خاص على النساء، ما يؤدي إلى علاجات قد لا تكون بالفعالية نفسها للنساء.

تشمل الأمراض التي يتم إهمال تشخيصها لدى النساء: النوبات القلبية، اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، التوحد، بطانة الرحم المهاجرة، أمراض المناعة الذاتية، ومقاومة الميكروبات.

تواجه النساء في المنطقة العربية عقبات كثيرة في الوصول إلى حق الصحة في إطار القانون والسياسة، بحسب التقرير الصادر عن شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية والجامعة الأميركية في بيروت، إذ يكافحن ضد التحرش الجنسي، والحرمان من حضانة الأبناء، والحق في الميراث، وغيرها من الحقوق الأساسية التي تُسلب منهن في ظل الأنظمة الأبوية.

كذلك، قضايا صحية نسائية كثيرة لا تجد طريقها إلى النقاش العام، بل تبقى حبيسة الصمت وذلك بسبب غياب الوعي الكافي وعدم وجود مساحات آمنة للتعبير عنها. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال التحديات مثل عدم تلبية الحاجة إلى تنظيم الأسرة، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وزواج الأطفال، وختان الإناث… تؤثر سلباً على حياة ملايين النساء في المنطقة العربية، ما يشكّل عقبات كبيرة أمام تحقيق المساواة بين الجنسين.

تتناقص استقلالية النساء الجسدية في الكثير من هذه البلدان، فلا تستطيع ربع النساء قول لا لممارسة الجنس مع شركائهن، ولا تتمكّن أكثر من واحدة من كل 10 نساء من اتخاذ قراراتهن الخاصة بشأن وسائل منع الحمل.

تحكم واقع المرأة في المنطقة العربية عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية كثيرة تؤثر بشكل كبير على صحة المرأة. استناداً إلى تقرير منظمة الصحة العالمية عن السكان 2024، تبرز فجوة كبيرة بين الجنسين في القوة العاملة، بحيث تتمتع المنطقة العربية بأدنى معدل لمشاركة النساء الاقتصادية عالمياً بنسبة 26 في المئة. يتسبب تدهور وضع المرأة في هذه المناطق وقلة الموارد المالية لديها، في انخفاض كبير في وعيها لاحتياجاتها وحقوقها الصحية وقدرتها على المطالبة بها.

يعاني عدد كبير من النساء في المنطقة العربية من حالات صحية كان يمكن الوقاية منها وعلاجها، لكنهن فضلن الانتظار لفترات طويلة قبل الخضوع للعلاج أو قبوله. تحمل حالات محددة كثيرة للأنثى – مثل سرطان الثدي وعنق الرحم، وصمة اجتماعية تعمل كحاجز للكشف والعلاج. كذلك، لقد تربّت نساء كثيرات في المنطقة العربية على إهمال مشاكلهن وتجاهل آلامهن. وغالباً ما تُعطى الأولوية للاحتياجات الصحية للأطفال والرجال على حساب احتياجات النساء. كما تقف الأوضاع الاقتصادية الصعبة والتحديات المعيشية في بعض الدول العربية عائقاً كبيراً يؤثر على صحة المرأة، تحديداً في ما يتعلق بزيادة مستويات فقر الدورة الشهرية، وما ينجم عن ذلك من تحديات تواجهها النساء في الحصول على منتجات صحية ذات جودة، وعلى معلومات حول الدورة الشهرية تخلو من التحيّز والعار المجتمعي.

وتتفاقم مسألة عدم المساواة بين الجنسين بشكل حاد في المناطق التي تشهد صراعات ونزاعات، بحيث يؤدي الصراع إلى تدمير واسع النطاق للخدمات الصحية، وبالتالي إلى تقليل عدد المؤسسات الصحية العاملة وتقييد الوصول إلى الرعاية المطلوبة. وتتحمل النساء العبء الأكبر من الأزمة الإنسانية. ويُقدّر أن أكثر من نصف وفيات الأمهات التي يمكن تجنبها تحدث في البلدان التي تعاني من الأزمات الإنسانية والنزاعات – أي ما يقارب 500 حالة وفاة يومياً.

من بين العوامل التي تحول دون لجوء النساء إلى الرعاية الصحية، تفضيلهن الطبيبات على الأطباء. غالباً ما تشعر النساء بالحرج أو يمنعهن أزواجهن من استشارة طبيب ذكر، ما يمثل عائقاً كبيراً أمام حصولهن على الرعاية اللازمة، بخاصة في ظل نقص عدد الطبيبات في بعض البلدان العربية.

وقد تُحرم النساء من الإجراءات الجراحية من دون موافقة فرد من العائلة الذكور. فلا تزال العوامل الثقافية المتوارثة التي تشمل وصاية الرجل على المرأة وقراراتها، تحدّ من استقلالية المرأة في اتخاذ القرارات الصحية، وتؤثر بشكل كبير على حقها في الحصول على الرعاية الصحية.

كما تعاني النساء تمييزاً من مقدمي الرعاية الصحية أثناء طلب الحصول على الخدمات الصحية. يشمل التمييز الطبي ضد النساء تسفيه آلامهنّ ويؤدي إلى تأخير تشخيص وعلاج الحالات الصحية التي يعانين منها.

يشير التحقيق الذي نشر على موقع “درج” سابقاً بعنوان: “مصر: لا علاج لغير المتزوجات… صحة النساء تحت الوصاية الذكورية”، إلى أن هذا التمييز ضد النساء في المجال الطبي، يرجع إلى تنميط النساء باعتبارهن يدّعين المرض، ما يزيد من احتمالية التشخيص الخاطئ وارتفاع نسبة المضاعفات التي كان بالإمكان تفاديها.

تترك الأعباء الصحية تأثيراً عميقاً على حياة المرأة، ما يؤثر سلباً على قدرتها على المشاركة الفعالة في المنزل أو العمل أو المجتمع. وهنا لا بد من الإشارة الى أن الاستثمار في صحة المرأة ليس مجرد مسألة مساواة، بل فرصة لمساعدة النساء على عيش حياة صحية. كما لا يمكن النظر إلى موضوع صحة المرأة على أنه قضية مستقلة، فصحة النساء حجر الأساس لرفاهية المجتمع وتقدّمه.

واستناداً إلى تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين 2024، لا تزال مشاركة النساء في القوى العاملة منخفضة في المنطقة. كما لا تزال هناك فجوات مستمرة في متوسط العمر المتوقع الصحي. ولا يزال تمثيل المرأة في المناصب القيادية منخفضاً.

في الواقع، لقد أغلقت قرابة 86.7 في المئة من اقتصادات المنطقة أكثر من 60 في المئة من فجوة النوع الاجتماعي. مع ذلك، نجد تفاوتات واسعة نسبياً بين الدول في المنطقة العربية، فلا تزال المسافة بين دولة الإمارات العربية المتحدة، المصنفة في المرتبة الأولى إقليمياً، والسودان، المصنف في المرتبة الخامسة عشرة، واسعة نسبياً.

يُعد تمكين النساء من خلال التعليم والتوعية الصحية أمراً بالغ الأهمية، إذ يجعلهن أكثر وعياً باحتياجاتهن الصحية، ما يزيد من احتمالية أن يدافعن عن هذه الاحتياجات ويستفدن من الخدمات المتاحة.

من الضروري أيضاً تعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة، وتشجيع زيادة عدد النساء العاملات في قطاع الرعاية الصحية، ومعالجة الفجوة في البيانات المتعلقة بالبحوث والتمويل الخاص بصحة المرأة. تبقى المنطقة العربية في حاجة ماسة الى مواجهة المعايير الثقافية المتعلقة بالنوع الاجتماعي والتغلب عليها، كخطوة أساسية لخلق بيئة تحمي صحة المرأة.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced