يحاول نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، إقناع التحالف الشيعي بتعديل قانون الانتخابات، لكن الاستجابة ما زالت ضعيفة حتى الآن.
ومن المفترض إجراء الانتخابات التشريعية بعد أقل من سنة، في حين تراجعت فكرة الانتخابات المبكرة بشكل كبير.
وأبرز ما يُتداول في الأوساط السياسية حول بنود التعديل المقترح هو منع "مسؤولين حاليين"، أبرزهم رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، من الترشح.
كما يتداول أيضاً، أن "سلسلة الأزمات" التي حاصرت الحكومة في النصف الأخير من عام 2024 كانت مرتبطة بشكل غير مباشر بتعديل القانون.
وبحسب ورقة الاتفاق السياسي التي تشكلت على ضوئها الحكومة في عام 2022، كان من المفترض أن تُجرى الانتخابات بعد عام من تسلم السوداني السلطة.
ورغم أن الحكومة قامت بعد عام واحد بتنظيم انتخابات مجالس المحافظات، إلا أنها سكتت عن إجراء الانتخابات التشريعية، محيلةً الأمر إلى القوى السياسية التي كان عليها الاتفاق على "حل البرلمان".
وقبيل الانتخابات المحلية التي جرت نهاية عام 2023، قام البرلمان، بدعم من "الإطار التنسيقي"، بتعديل قانون الانتخابات واستبدال "الدوائر المفتوحة"، التي سمحت بصعود المستقلين، بنظام "سانت ليغو". إلا أن النتائج فاجأت "الإطار" بظهور ظاهرة "قيادات محلية".
محافظون أربكوا المشهد
أفسد فوز ثلاثة محافظين "نشوة انتصار" التحالف الشيعي في السيطرة على أكثر من نصف مقاعد مجالس المحافظات (نحو 150 مقعدًا من أصل 273). هؤلاء هم: أسعد العيداني في البصرة، محمد المياحي في واسط، ونصيف الخطابي في كربلاء.
ورغم أن اثنين منهم على الأقل (العيداني والخطابي) يعدان جزءًا من أو متحالفين مع التحالف الشيعي، إلا أن منحهم ولاية ثانية في محافظاتهم أربك حسابات "الإطار التنسيقي".
كان "الإطار"، قبل خوض الانتخابات المحلية، قد اتفق على استبدال جميع المحافظين، إلا أن تحقيق هؤلاء الثلاثة، الذين أُطلق عليهم فيما بعد "الثلاثة الأقوياء"، أعلى الأصوات بين الفائزين، أحرج التحالف الشيعي.
يقول محمد الزيادي، وهو نائب قريب من الحشد الشعبي، في حديث لـ(المدى): "المؤيدون لتعديل قانون الانتخابات غير مرتاحين لنتائج مجالس المحافظات، ولبعض المحافظين".
وفق ما يُتداول في الكواليس، تعرض المالكي لخسارة كبيرة في الاتفاقات السياسية داخل التحالف الشيعي، الذي انهار بعد ذلك، حيث حصل على منصبين للمحافظين بدلاً من أربعة.
وخطف تيار الحكمة ومنظمة بدر مناصب كانت مخصصة لائتلاف المالكي في النجف والديوانية، فضلًا عن خسارته السابقة في كربلاء، فيما واجه صعوبة في الحصول على منصب محافظ ديالى وكاد أن يخسر محافظة بغداد.
ويؤكد الزيادي أن "حجم الخلافات حول تعديل قانون الانتخابات قد يطيح بالفكرة من الأساس".
قانون على المقاس!
في كل ممارسة انتخابية، "يدشن" البرلمان قانونًا جديدًا، وغالبًا ما تُجرى تعديلات القانون بما يتناسب مع "مقاس الحكومة" لضمان البقاء لولاية ثانية.
وفشل جميع رؤساء الحكومات بعد 2003 في العودة إلى السلطة مرة أخرى، رغم تعديل أغلبهم لقوانين الانتخابات بعد تسلمهم السلطة، باستثناء نوري المالكي.
ويقول عارف الحمامي، وهو نائب عن دولة القانون، لـ(المدى): "كتلتنا تتبنى طرح فكرة تعديل قانون الانتخابات، لكننا حتى الآن لم نحصل على العدد الكافي من النواب للتصويت معنا لصالح التعديل".
كان تعديل قانون الانتخابات في عام 2020، الذي جاء على ضوء احتجاجات تشرين، مدعومًا بقوة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
وفي كواليس القوى الشيعية، دارت تحليلات حول ما جرى بعد نتائج انتخابات 2021، وكيف صعد الصدر بـ73 مقعدًا، و"عتب" على هادي العامري، زعيم منظمة بدر، الذي كان قد أقنع البيت الشيعي بالتصويت لصالح القانون.
استدركت القوى التي تشكلت بعد الاعتراض على نتائج انتخابات 2021، ما عرف بـ"الإطار التنسيقي"، الخطأ الذي وقعت فيه، وعادت إلى صيغة قديمة (سانت ليغو) بتعديل قانون الانتخابات العام الماضي.
ويعتقد الحمامي أن "لغة الأرقام هي التي ستحسم الخلاف حول القانون"، على الرغم من أن البرلمان يتنازع منذ أشهر بسبب تمرير ثلاثة قوانين جدلية، أبرزها قانون الأحوال الشخصية، دون أن يتم حسم أي قانون حتى الآن.
لكن النائب يقول: "تعديل قانون الانتخابات لا يخص جهة معينة (مثل قانون الأحوال الشخصية الشيعي، أو قانون العفو الخاص بالسنة)، وإنما هو شأن يهم جميع القوى السياسية".
لماذا التعديل؟
يزعم المالكي وكتلته أن قانون الانتخابات الحالي لم يساهم في إشراك كل العراقيين.
لكن حيدر العبادي، زعيم تحالف النصر، وعمار الحكيم، زعيم تيار الحكمة، يعترضان على هذا الطرح ويعتبرانه "إجراء غير ضروري".
وتشير تسريبات وصلت لـ(المدى) إلى أن أسباب التعديل تتعلق تحديدًا بشخصية رئيس الحكومة.
ويؤيد محمد الزيادي هذا الطرح، حيث يقول: "هناك خوف من صعود السوداني في الانتخابات المقبلة".
اللافت أن رؤساء الوزراء، خلال العشر سنوات الاخيرة على الأقل، لم يتم اختيارهم بناءً على الوزن الانتخابي، بل وفق التفاهمات السياسية، وهو أمر يعترف به المالكي نفسه وصرّح به في أكثر من مناسبة.
في أحد تصريحاته، قال المالكي: "ليس بناء الجسور هو ما يمنح منصب رئيس الوزراء"، في إشارة إلى السوداني.
وتذهب التسريبات إلى أن القضية "شخصية" بين المالكي ورئيس الحكومة، خاصة أن الأخير انشق عن حزب الدعوة في عام 2019.
ولا توجد أي تأكيدات من أي جهة سياسية بأن السوداني قد يحصل على ولاية ثانية، حتى لو حقق ما حققه المالكي في انتخابات 2014.
المالكي كان قد حصل في تلك الانتخابات، بعد انضمام نواب إلى ائتلافه، على 107 مقاعد، ورغم ذلك ذهب منصب رئيس الوزراء إلى زميله في حزب الدعوة، حيدر العبادي.
وتكرر الأمر مع عادل عبد المهدي، ومصطفى الكاظمي، وأخيرًا محمد شياع السوداني.
وبحسب المعلومات المتداولة، فإن الصيغة التي يتبناها المالكي لتعديل قانون الانتخابات تقضي بأن يقدم المسؤول "استقالته" من منصبه قبل ستة أشهر على الأقل من الترشح للانتخابات.
وإذا صحت هذه المعلومات، فإن ذلك يُظهر بوضوح أن زعيم دولة القانون يتعمد إبعاد السوداني ومعظم الفريق الحكومي الحالي وأصحاب المناصب الرفيعة (والاقوياء الثلاثة) من المشاركة في الانتخابات المقبلة.
ويرى نائب صدري سابق، أن هذا الأمر قد يكون مرتبطًا بـ"الدولة العميقة"، التي فقد المالكي السيطرة عليها تدريجيًا في السنوات الأربع الأخيرة.
الدولة العميقة
على خلاف ما يحدث في معظم دول العالم، فإن مصطلح "الدولة العميقة" يشير إلى "المؤسسات الراسخة" التي تكون بعيدة عن يد رئيس الحكومة، وتعمل بشكل مستقل، ولا يتم استبدال كوادرها مع تغيّر الحكومات.
لكن وفق التجربة العراقية، يقول النائب الصدري السابق، الذي طلب عدم نشر اسمه، في حديث لـ(المدى): "إن دولة القانون وحزب الدعوة سيطروا على 70% من مناصب الدولة العميقة (الوظائف القيادية والدرجات الخاصة) منذ عام 2006".
عيّن المالكي، وفقًا للنائب، أقرباءه والموالين له في الوظائف العامة، وحصل على تأييد كبير داخل الجيش والشرطة. لكنه بدأ يفقد هذا التأييد تدريجيًا بعد استقالة عبد المهدي من الحكومة في عام 2019.
توزعت هذه المناصب (التي يرى النائب أنها السبب الرئيسي وراء سعي المالكي لإبعاد السوداني عن السلطة)، بعد ذلك بين القوى الشيعية الأخرى، وتراجعت حصة حزب الدعوة بشكل ملحوظ.
ويضيف النائب أن "التسريبات الصوتية" التي طالت مستشارين وعاملين في مكتب السوداني قد تكون وسيلة للتأثير على شعبية رئيس الوزراء، وبالتالي دفع "الإطار التنسيقي" إلى تبني صياغة قانون انتخابات جديد يمنع السوداني من تولي الحكومة مرة أخرى.
ويؤكد النائب أن التيار الصدري، وزعيمه الذي ابتعد عن السياسة منذ أكثر من عامين، غير مهتم بالسلطة الان، ولم يناقش أو يجتمع مع أي طرف سياسي بخصوص قانون الانتخابات.