وسط غلاء المعيشة والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها أغلب العائلات، تتفاقم معاناة النساء من ذوي الاحتياجات الخاصة، بسبب محدودية رواتب الرعاية الاجتماعية، التي لا تكفي لتغطية متطلبات الحياة اليومية أو تكاليف العلاج الباهظة. هذا الوضع أدى إلى تعرض العديد منهن للعنف الأسري واستغلالهن في التسول.
رواتب بائسة
عذراء أشرف، مواطنة من ذوي الهمم تبلغ من العمر 40 عاماً، تقول لـ"طريق الشعب" إن راتب الرعاية الاجتماعية الذي تتقاضاه شهرياً لا يتجاوز 180 ألف دينار. هذا المبلغ جعلها عاجزة عن تحمل تكاليف جلسات العلاج الطبيعي، التي تصل تكلفة الواحدة منها إلى أكثر من 100 ألف دينار.
توضح عذراء أن أغلب ذوي الاحتياجات الخاصة بحاجة إلى جلسات علاج طبيعي مكثفة وعلى مدى طويل، إلا أن هذه الجلسات متوفرة فقط في المراكز الخاصة التي تفرض تكاليف باهظة، مما يدفع الكثيرين إلى الاستسلام لحالتهم. وتضيف أن رواتب الرعاية الاجتماعية لا تُمنح وفق الاستحقاقات المطلوبة رغم أن المستفيدين منها هم الأكثر معاناة ويفتقرون لجميع أشكال الرعاية الصحية.
غياب دور المؤسسات الحكومية
من جانبها، تشير المواطنة سعاد فرحان، وهي معينة متفرغة لرعاية أختها من ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى أن راتب الرعاية الذي تحصل عليه أختها لا يتجاوز 120 ألف دينار شهرياً. وتوضح أن أختها تعاني من مرض عصبي يستلزم علاجاً خارج البلاد.
وترى سعاد أن المؤسسات الصحية يجب أن تقدم رعاية أفضل لذوي الاحتياجات الخاصة وأن تُمنح ذويهم المتفرغين لرعايتهم، رواتب افضل مما هي عليه اليوم. وتنتقد تدني راتب المعين المتفرغ الذي لا يتجاوز 200 ألف دينار شهريا، مشّددة على أن الدعم الحكومي لرعاية النساء من ذوي الاحتياجات الخاصة ما زال دون المستوى المطلوب.
هذا، وحاولت مراسلة"طريق الشعب" التواصل مع المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية للاستفسار عن خطط الوزارة لتحسين رواتب المستفيدين من الرعاية الاجتماعية الاّ انه امتنع عن الرد.
معرقلات روتينية ومحسوبيات
وتشكو العديد من النساء من تعقيد إجراءات الحصول على رواتب الرعاية الاجتماعية، حيث تلعب المحسوبية والرشوة دوراً كبيراً في إنجاز المعاملات.
إسراء الجوراني، أرملة وأم لطفلين، توضح في هذا الجانب، بأنها تحاول منذ عام الحصول على راتب الرعاية الاجتماعية، لكن الإجراءات الروتينية وتبريرات المسؤولين حول قلة التخصيصات المالية وغلق الباب أمام تسجيل محتاجين جدد، عرقلت معاملتها. وتؤكد أن مشكلة "المحسوبيات والواسطة" تزيد من صعوبة استكمال معاملات الشمول بالرعاية الاجتماعية والحصول على القروض الميّسرة.
الفساد واستغلال الفئات الضعيفة
هدى ماجد، أرملة وأم لأربعة أطفال، تسعى للحصول على قرض لبدء مشروع خاص بها، لكنها تشير إلى أن الوساطة والرشوة تسيطران على معاملات دائرة الرعاية الاجتماعية. وتلفت إلى أن العديد ممن حصلوا على القروض أو رواتب الرعاية الاجتماعية كانوا مدعومين من مسؤولين بارزين أو قدموا رشى.
بدورها، تؤكد الناشطة نوف سالم أن معاناة النساء المستفيدات من الرعاية الاجتماعية كثيرة وكبيرة، مشيرة إلى أن المشكلة لا تقتصر على التقصير الحكومي، بل تشمل أيضاً تراجع دور منظمات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن حقوق المرأة. وتوضح أن هذه المنظمات أصبحت عاجزة عن الضغط على الجهات الحكومية لتحسين المستوى الاقتصادي للنساء المستفيدات من رواتب الرعاية الاجتماعية.
وتضيف سالم خلال حديثها لـ"طريق الشعب" أنه "في الوقت الذي تعلن فيه الجهات الحكومية عن قلة التخصيصات المالية لرواتب الرعاية الاجتماعية، هناك مليارات تُسرق وتهرب خارج البلاد". وترى أن "التقصير الحكومي في دعم الشرائح الفقيرة واضح وكبير، حيث أن البرامج التي تعمل عليها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية محدودة ولا تتناسب مع الأعداد الكبيرة من النساء الأرامل والمطلقات وذوات الاحتياجات الخاصة".
وتلفت الناشطة إلى أن العديد من النساء من ذوي الاحتياجات الخاصة يعانين من ظروف قاسية وإهمال كبير، حتى وصل الأمر إلى تعنيف بعضهن بغرض التخلص منهن والاستفادة من إرثهن. مضيفة بأن "هناك أيضاً من يتم استغلالهن للتسول، على الرغم من وجود تعيين حكومي لشخص معين يتقاضى راتباً من الرعاية الاجتماعية للعناية بهن. ولكن ضعف الرقابة الحكومية جعل هؤلاء النساء عرضة للاستغلال والمعاملة غير الإنسانية".
الرجال أيضاً ضحايا
وتشير سالم إلى أن هذه المعاناة بأشكالها المختلفة لا تقتصر على النساء فقط، بل تمتد لتشمل الرجال الذين يعانون من البطالة والفقر والإهمال الحكومي. وتؤكد على أن هذه الفئات تستحق رعاية اجتماعية أفضل ورواتب أكثر عدلاً تتماشى مع ارتفاع تكاليف المعيشة وتدهور الأوضاع الاقتصادية. وفي الختام، شددّت نوف سالم على ضرورة تحسين برامج الرعاية الاجتماعية وزيادة الرواتب بشكل ملموس، بما يساهم في تخفيف معاناة الشرائح الفقيرة وتوفير حياة كريمة لهم.