منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، أثبتت المرأة السورية أنها ليست مجرد شاهد على الأحداث، بل كانت قوة محورية في مختلف مجالات الحياة، إذ تخطت دورها التقليدي الذي اعتادت عليه في مجتمعها، لتكون صوتًا للحرية، متحملة أعباء هائلة في مواجهة الحرب والنزوح.
وبرزت المرأة السورية في ميدان النضال السلمي، وفي قيادة الحراك المدني، وفي تقديم الدعم الإنساني للمجتمعات المنكوبة.
إلى جانب النضال الميداني، أسست المرأة السورية مشروعات اقتصادية لدعم العائلات المتضررة، من خلال عملها في منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية، وساهمت في إيصال صوت القضية السورية إلى الأمم المتحدة، كما لعبت دورًا بارزًا في عمليات توثيق الجرائم والاعتقال والمناصرة.
ولعبت نساء سوريات كثر دورا قويا في التظاهرات ضد نظام الأسد كان من بينهن الفنانة الراحلة مي سكاف، والممثلة والناشطة الراحلة فدوى سليمان.
ومن أبرز الأسماء التي ساهمت في لعب دور حقوقي وريادي في سوريا، الناشطة الحقوقية رزان زيتونة، التي أسست مركز توثيق الانتهاكات في سوريا، وساهمت بشكل كبير في توثيق الجرائم التي تم ارتكابها خلال بداية الثورة السورية، واختُطفت نهاية عام 2013، ولا زال مصيرها مجهولاً.
اليوم، وبعد سقوط نظام الأسد، واستلام حكومة الإنقاذ للمرحلة الانتقالية، بدأت المخاوف تظهر لدى النساء السوريات حول مستقبل المرأة في سوريا، خاصة بعد التصريحات الرسمية من المتحدث الرسمي للإدارة السياسة التابعة لإدارة العمليات العسكرية في سوريا عبيدة أرناؤوط، عن دور المرأة وطبيعتها البيولوجية والنفسية التي لا تتناسب مع جميع الوظائف.
إذ أثارت هذه التصريحات جدلاً واسعاً في أوساط المجتمع السوري، لا سيما الناشطات السوريات اللاتي عبرن عن استنكارهن لحديثه، واعتبرن أنه انتقاص من إمكانيات المرأة السورية ودورها البارز الذي لعبته خلال الثورة وعلى مر التاريخ.
ماذا قال أرناؤوط؟
في حديثه مع تلفزيون الجديد اللبناني، قال عبيدة أرناؤوط إن " كينونة المرأة بطبيعتها البيولوجية والنفسية لا تتناسب مع كل الوظائف في الدولة كوزارة الدفاع مثلاً".
وأضاف، "لا زال مبكراً الحديث عن عملها في مجال القضاء، وسيُترك للمختصين والقانونيين الدستوريين الذين يعملون على إعادة النظر في شكل الدولة الجديدة والمحددات التي ستوضع لعمل المرأة كعنصر مهم ومُكرّم، وضرورة أن تكون المهام المنوطة بها تناسب طبيعتها البيولوجية".
استياء نسوي
آلاء المحمد، ناشطة سورية، وعضو في شبكة المرأة السورية، قالت في حديثها مع موقع قناة الحرة أن حديث أرناؤوط سيكون له تأثير كبير وغير محدود، كونه الناطق الرسمي السياسي لإدارة العمليات العسكرية، "يعني أن كل كلمة ينطق بها تمثل رؤية الحكومة الحالية، مما يمنح تصريحاته وزناً أكبر، عندما يتحدث عن طبيعة المرأة البيولوجية وعدم قدرتها على تولي مناصب معينة، مع تقبل عملها في مجالات محدودة كالتربية والتعليم، فإن هذا يعكس رؤية تقليدية نمطية تسعى لتقييد دور المرأة وإقصائها من مراكز القرار".
وتضيف الناشطة آلاء، "هذا النوع من الخطاب قد يؤثر سلباً على تمكين النساء في المرحلة الانتقالية، خاصة إذا كان يعكس فعلاً سياسة الحكومة. ومع ذلك، يبقى تأثير هذه التصريحات مرهوناً بالسياسات التي ستُعتمد خلال الفترة القادمة".
وتشير الناشطة آلاء إلى أنه ومع اقتراب المؤتمر الوطني، ستتضح أكثر مواقف الحكومة بشأن دور المرأة، "سيكون المؤتمر فرصة لتقييم مدى جدية الحكومة في تحقيق العدالة الجندرية وتمكين النساء في بناء سوريا الجديدة، نحن بانتظار النتائج لنرى ما إذا كان هذا الخطاب سيتحول إلى سياسات رسمية أم لا".
وقالت آلاء في منشور لها عبر منصة فيسبوك، عقب تصريحات أرناؤوط، أنه "لا يمكن قبول هذا الخطاب الرجعي والمتخلف في عام 2025، خاصة عندما تكون المجتمعات بحاجة إلى البناء والتطور، لا التراجع والانقسام. بدلًا من التفكير في فصل الشباب والفتيات داخل الجامعات، ينبغي التركيز على تطوير التعليم ليواكب تطلعات العصر ويضعنا في مصاف الدول المتقدمة".
بدورها تقول عُلا حربا، وهي صحفية وناشطة في المجتمع المدني، خلال حديثها مع قناة الحرة، أن كلام أرناؤوط لن يكون له تأثير مباشر على دور المرأة في سوريا، "المرأة السورية تعلمت خلال سنوات الحرب كيف تحافظ على وجودها وحقها".
وتضيف عُلا، "المرأة السورية امرأة منتجة وفاعلة حيثما وجدت، ومن خلال مشاركتي في العمل المجتمعي والسياسي في سوريا والذي بدأ بالحراك السلمي الثوري في مدينة دمشق منذ 2011 مروراً بمنظمات المجتمع المدني إلى اليوم، التقيت بالمئات من النساء ويمكنني أن أقولها بكل ثقة، المرأة السورية لا تترك مكانها تحت أي ظرف".
وتؤكد الصحفية عُلا أن المرأة السورية دافعت عن حقوقها كمواطنة سورية قبل كل شيء، ووقفت في وجه أكثر نظام دموي ووحشي في العالم، من خلال مشاركتها في الثورة السورية وفي الحراك السلمي جنباً إلى جنب مع الرجل.
وتضيف، "استمرت المرأة في العمل في مجالات الإغاثة والإسعاف والتعليم والإعلام وتربية وإعالة الأبناء بعد فقدان الأب لتأخذ دور الأم والأب معا، هذا ما عايشناه ولا أحد يستطيع إنكاره، من حق المرأة التمثيل البرلماني والديبلوماسي والوزاري لبلدها وحماية حقوقها، وسنسعى لهذا من خلال التصويت على تعديل الدستور وتشكيل البرلمان".
اعتدنا على التحديات
وعن التحديات التي تواجه المرأة السورية في هذه المرحلة، تشير الناشطة آلاء المحمد إلى أن التحديات الحالية لا تختلف عن التحديات التي اعتادت السوريات على مواجهتها، مؤكدة أن هناك خوف كبير من خسارة بعض الحقوق التي حصلت عليها النساء بعد نضال طويل لسنوات طويلة.
وتضيف، "هناك قلق وتخوف من التهميش السياسي والاجتماعي، وعدم تحقيق تمثيل عادل في العملية السياسية وصنع القرار، الأعباء الاقتصادية من المتوقع لاسيما بهذه المرحلة الحرجة والبلد منهارة اجتماعياً أن تزيد أمام النساء، وتحديات مثل العنف القائم على النوع الاجتماعي".
بدورها تقول الصحفية السورية عُلا حربا أن التحديات كانت كبيرة في السابق على المرأة في سوريا، ولا زالت مستمرة، مشيرة إلى تعرض فئة كبيرة من نساء سوريا للاعتقال والملاحقات الأمنية والقضائية والحرمان من التعليم الجامعي وحتى القتل تحت التعذيب في سجن صيدنايا وغيرها من السجون، بسبب مشاركاتهن في الحراك السلمي في الجامعات السورية والمدن بشكل عام.
وتضيف، "كانت المرأة معيلة لأبنائها في معظم الأحيان في غياب الأب، وهذا وضعها في ظروف اقتصادية قاهرة، ولكن في ذات الوقت صنع منها نسخة جديدة قادرة على التكيف مع كل الظروف والتعامل معها، نحن اليوم نرى سوريات أقوى من قبل وأكثر قدرة على حماية حقوقهن مهما كلف الأمر".
وترى عُلا أن المرأة السورية خلال المرحلة الانتقالية لن تترك مكانها في خدمة مجتمعها وبلدها، "إن توفر المناخ الديمقراطي سنرى المرأة في البرلمان والإعلام والوزارات كما المشافي والمدارس والجامعات وغيرها، هذا إيماني بنساء سوريا وما سأسعى إلى دعمهم فيه".
وتوضح عُلا أنها تواصلت مع العشرات من النساء في دمشق لفهم الأوضاع الحالية، كونها خارج سوريا لفترة وجيزة، وقلن لها، "تخرج النساء في دمشق باللباس الذي تريده، يمارسن حياتهن بشكل طبيعي ويذهبن إلى الجامعات والأسواق والمقاهي دون تدخل من أحد، وهناك حالات فردية حدثت مع بعض النساء، وتمت الشكوى للمعنيين ومعالجتها في وقتها".
وتسعى عُلا اليوم لضمان العمل الإعلامي الحر والمسؤول كصحفية بالدرجة الأولى، وتعمل على مبادرات مجتمعية تخدم المعتقلين السابقين، وتنشر الوعي بالحقوق والواجبات للأفراد والجماعات، وترفع من ثقافتهم السياسية ليشاركوا في العمل السياسي.
وتؤكد، "برأيي، المجتمع هو صمام أمان سوريا الجديدة، ويحتاج للكثير من الجهد والصبر وتوعية أفراده بحقوقهم، بعد خمسين عاماً من القمع والخوف والتنكيل، ومع استمرار محاولات إثارة النعرات الطائفية من النظام القديم، وبعض المسيئين للثورة والثوار".
خطوات للتمكين
أكدت الناشطة السورية آلاء المحمد على وجوب إيجاد خطوات لتمكين المرأة السورية اليوم خلال المرحلة الانتقالية التي تعيشها سوريا، مشيرة إلى ضرورة وضع تشريعات عادلة تضمن المساواة بين الجنسين وتلغي أي قوانين تمييزية، والتمثيل السياسي، وضمان وجود المرأة في المجالس التشريعية والتنفيذية بنسب عادلة، والتعليم والتدريب المهني.
وتوضح، "يجب توفير برامج تعليمية ومهنية لدعم النساء اقتصادياً، ومكافحة العنف إنشاء قوانين وآليات لحماية المرأة من العنف بكافة أشكاله، والتوعية المجتمعية، ونشر ثقافة المساواة من خلال الإعلام والتعليم، ودعم المشاريع النسائية، وتقديم التمويل والتدريب للنساء لإطلاق مشاريعهن الخاصة.
ووجهت الناشطة آلاء رسالة للسوريات عبر موقع قناة الحرة، "رسالتي للنساء السوريات عبر منبركم، أنتن العمود الفقري لبناء سورية المستقبل، لا تستسلمن للعقبات، بل كونوا جزءًا من الحل، قوتكن في تضامنكن، فلا تخشين من المطالبة بحقوقكن والمشاركة في كل المجالات، من السياسة إلى الاقتصاد، التغيير يبدأ منكن، ولا تنسَين أن صوت المرأة أقوى مما يعتقده الكثيرون، سورية الجديدة تحتاج إلى عقولكن وأيديكن وقلوبكن".
محمد الناموس