في بغداد..ليس من (خيار) للفقراء غير إهدار (ماء الوجه)!!
نشر بواسطة: Adminstrator
الأربعاء 05-08-2009
 
   
بغداد-واشنطن-الملف برس 
تراهم في كل مكان، لكنّ (الحكومة) تغمض أعينها عنهم، باتوا مرئيين كحيطان الكونكريت المنتشرة في شوارع المدن، أو كنقاط التفتيش التي تنتشر عند كل منعطف وزاوية وطريق وزقاق وحارة. كثيرون منهم ليس أمامهم إلا خيار (إهدار ماء الوجه) لكي يبقوا على قيد الحياة، وأغلبهم نساء وأطفال وعاجزون، ولا يمنع ذلك أن يكون بينهم (محترفون) ربما يمارسون (سلطتهم) لابتزاز هؤلاء المساكين الذين شرّدتهم مصائب العراق المتعاقبة حروباً، وحصارات، ومذابح، وكسلاً حكومياً عن إدارة بيت العراق برغم كثرة خيراته وقلة سكانه. وعائلة (حبيب عبد السادة) واحدة من ضحايا تلك المصائب. لقد تحوّل (المغني الى شحاذ) فضاعت ألحانه ونغماته، مثلما ضاعت عائلته التي تخطفـّتها نوائب العراق.. وإليكم التفاصيل: 

تروي مراسلة صحيفة ميكلاتشي في بغداد مشاهداتها قائلة: (زينب) ذات السنوات السبع، كانت تندفع بين السيارات، وهي تراوغ بجسدها النحيل بين بين السيارات، متجنّبة حركتها الخطرة جداً أحياناً، كانت تمدّ يدها من النوافذ مستدرة عطف راكبيها. وبعد نحو ساعتين، جمعت (زينب) إحدى مئات ألوف ضحايا الغزو والنزاعات وحروب (السياسة والمناصب) 3,000 دينار، أي ما يقرب من 4 دولارات. وفي الحال وجدت نفسها تعود إلى حيث المكان الذي تعيش فيه.
ولم يكن ذلك المكان سوى مستودع مليء بالنفايات وبقايا الأشياء، والذي لا يبعد إلا أمتاراً قليلة عن (أبو نؤاس) الشارع المكتظ بالناس والقريب من جهة منطقة الكرادة التي كانت (زينب) تمارس فيها (شحاذتها). وفي المكان الذي تسمّيه بيتاً، تركها والدها (حبيب عبد السادة) تشاهد أفلام كارتون مع إثنين من أطفاله الصغار في خيمة زرقاء نصبها داخل مستودع النفايات الذي تعطّ منه رائحة الفواكه والخضار المتعفنة.
وتتابع المراسلة حديثها قائلة إن الأب يربط التلفزيون إلى خط للطاقة الكهربائية بشكل غير قانوني، لهذا فإن الأطفال يستطيعون مشاهدة التلفزيون فقط لساعات قليلة خلال اليوم. ويعترف (حبيب عبد السادة) قائلاً: ((نعم إنهم يستجدون)). وجدته المراسلة يرتدي (شورتاً) أو بنطلوناً قصيراً من فرط الارتفاع الشديد للحرارة داخل الخيمة التي يسكنها، والتي تصل الى أكثر من 50 درجة في الخارج. ويضيف قوله: ((لا أستطيع أن أوقفهم عن الجدية.. إنهم بحاجة إليها)).

الشحاذون أو (المجادي) كما يسميهم سكان بغداد، تحوّلوا إلى ظاهرة مرئية، كالحيطان الكونكريتية ونقاط التفتيش في المدن العراقية. والوزارات الحكومية ليست لديها إحصائيات واقعية أو حقيقية عن أعداد المتشردين والشحاذين الذين يعيشون على سؤال الناس، ومدّ أيديهم في قارعة الطريق. ونصف الحقيقة تغيب بسبب خوف هؤلاء من عمليات القمع الرسمي التي تلاحقهم، وتحاسبهم فقط على الطريقة التي يعتاشون منها. إنها من أكبر المشكلات الاجتماعية التي عجزت الحكومة حتى الآن عن معالجتها، أو التفكير بمعالجتها، كما يقول البعض.
و(حبيب عبد السادة) كان ذات يوم (مغنياً) في فرقة شعبية معترف بها من قبل وزارة الثقافة والإعلام في مدة الرئيس السابق (صدام حسين) التي فقد الكثير من موظفيها وملاكها رواتبهم الشهرية بعد أن فككها الأميركان مباشرة بعد غزوهم للعراق، ثم أصبحت ملغية رسمياً بموجب قرارات بريمر. و(حبيب) الذي يبلغ 55 عاماً لم يحصل على وظيفة منذ ذلك الحين، ولم يعد من مؤدي الأغنيات العراقية التقليدية الموروثة من مثل ((خدري الجاي خدري)) أو ((عمّي يا بيّاع الورد)) أو غيرها من الأغنيات القديمة المحبّبة لدى الناس والتي تشكل جزءاً من فلكلورهم الشعبي.
وفي مستودع النفايات أو المخزن الذي جعل منه (حبيب) مأوى له ولعائلته، يعتني الرجل أيضا بـ(أحمد) 12 سنة، و(مريم) 8 سنوات، و(زهراء) 6 سنوات، أما ابنته فاطمة 14 سنة، فتعيش مع جدتها، لأنه لا يستطيع السيطرة على بنت مراهقة، كما يقول هو نفسه. وكان أخواه قد كفلا أصغر طفلين عنده (مصطفى) 3 سنوات، وشهد التي مازالت في سنتها الثانية، وهؤلاء لا يريدون العيش مع أبيهم في مستودع النفايات حيث يغلقون ثقوب الشرائح المعدنية بالخرَق البالية لتمنع الريح والغبار عنهم!.

وتؤكد مراسلة ميكلاتشي قولها أنْ لا أحد من الأطفال يذهب الى المدرسة بسبب النفقات. أما (الحمام) فهو عبارة عن (حفرة في أرضية الكونكريت) مخفية ببساط عتيق. ليس لديهم ماء جار يشربون منه. وبسبب شدّة درجات الحرارة، والفئران التي تعضهم في الليل، فإنهم لا ينامون في المخزن، وبدلاً من ذلك، يخرجون إلى جزرات الحشيش في الشوارع، ليفترشوا ما يسمّونه (بساطاً) ينامون عليه.
أما أمهم (ناهدة جبار) فكانت قد اختطفت مع اختها قبل سنة ونصف السنة خلال سورة العنف الطائفي في حي الدورة ببغداد، بينما كانت الاثنتان تزوران أمهمها. ولا أحد سمع عنهما شيئاً منذ ذلك الحين. وبحزن وألم يختزنهما صدر (حبيب عبد السادة) يعبّر عن مأساته هذه قائلاً: ((لقد أصبحتا من الماضي..نكاد ننسى، لكن الألم والحسرة أصبحا رفيقين دائمين))!.
ولم يكن أمر هذه العائلة أو غيرها مشكلة لا تعرفها الحكومة، فالسنة الماضية، التقى (عبد السادة) رئيس الوزراء (نوري المالكي) خلال احتفال إعادة افتتاح شارع أبي نؤاس الذي كان مغلقاً لخمس سنوات بسبب الظروف الأمنية للبلد. يقول (عبد السادة): ((لقد شكوت لرئيس الوزراء حالنا، لكنه لم يُظهر أي تعاطف معي)). وأضاف: ((حتى أنه سألني عن مشكلتي))!.
وبعد شهرين، أرسل مكتب (المالكي) صورة فوتوغرافية تضم (عبد السادة) وهو يقف إلى جانب رئيس الوزراء!. ويعلق الرجل على هذه الصورة بقوله: ((أين يمكن أن أصرّف هذه اللقطة الفوتوغرافية لكي أطعم منها أطفالي؟!)). وتقول مراسلة الصحيفة الأميركية: الحقيقة..ربما كان (المالكي) يفكر بأشياء أخرى، غير التي يفكر بها (عبد السادة) وبناته اللاتي تركهن أوهنّ يمارسن (الشحاذة) وهنّ بعد لا يعرفن عمّا يجري حولهن سوى أنها عاديات الزمن. ومنذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة سنة 2003، وصلت نسبة البطالة في العراق إلى أكثر من 18 بالمائة، برغم أن التقديرات غير الرسمية تخمن أن النسبة أكثر من 30 بالمائة. إن عشرات الألوف من العراقيين لا يعرفون أية طريقة من أجل البقاء غير أن يمدّوا أيديهم لطلب المساعدة من الناس!.

وتوزع الحكومة مواد غذائية معروفة لدى العراقيين –منذ عهد الرئيس السابق صدام حسين- باسم (الحصة التموينية) لكنها غالباً ما تؤجل لأشهر، أو أنها تحتوي على نوعيات رديئة.
  ويقول (محمد الخزاعي) الناطق باسم جمعية الهلال الأحمر التي تعمل –على غرار الصليب الأحمر الدولية- في جميع أنحاء دول العالم الإسلامي، إن أعداد الشحاذين في العراق تزايدت على مدى السنوات الست الماضية، كنتيجة للأحداث المريرة التي شهدها العراق)). لقد حاولت المنظمة تقديم المساعدات من خلال تزويد بعض المواطنين بالعناية الصحية المجانية، وبالطعام، وبكراسي المعاقين. ويضيف (الخزاعي) قائلاً: ((وحتى الآن، ليس هناك قانون أو مؤسسة تعتني بضحايا الإرهاب)). 

ويلقي (عبدالله اللامي) مستشار وزارة العمل والشؤون الاجتماعية اللوم على الإدارات الحكومية المتعاقبة في إهمال المشكلة وعدم وضع برنامج أو مشروع لرعاية هؤلاء الناس، أو توفير الوظائف لهم، أو تقديم الخدمات للشحاذين. وتعلق مراسلة ميكلاتشي على هذا الكلام بقولها: إنّ التفسير لا يستطيع أن يفعل شيئاً للمعدمين!.

وبالنسبة لعائلة (عبد السادة) فإن (زينب) هي المسؤولة عن إعداد الطعام. والجيران يجلبون لهم بعضه أحياناً، لكن الوجه البريء للطفلة التي لا تزيد سنواتها عن السبع ((يحرّض الناس على التعاطف معها، ليمنحوها بعض المال))، كما يقول أبوها الذي نسي الطرب، وأخذ يشعر أن (الجدية) برؤوس بناته، أحسن طريقة للعيش على هامش المجتمع، حاله حال عشرات الألوف ممن اختاروا سفح (ماء الوجه) أسلوباً للبقاء على قيد الحياة!.
وفي أحد الصباحات ساعد المال الذي تحصل عليه (زينب) عائلتها في أن تشتري 9 أرغفة من الخبز، و5 بيضات للفطور. قالت البنت: ((أنا جائعة يا أبي)). وضع (عبد السادة) البيض في مقلاة على شعلة النار. كلف الخبز نحو 90 سنتاً، والبيضات الخمس نحو هذا الثمن!. وأكل الجميع من صحن واحد.
ويقول الأب إنه حاول مرات عدة العثور على وظيفة، لكنْ في هذه الأيام حتى الشبّان لا يحصلون على عمل. ويضيف: ((كيف يتسنّى لرجل مسن مثلي أن يجد عملاً، وحتى إذا عثرت عليه، فأين أترك هؤلاء الأطفال، أنا أبوهم وأمهم في الوقت نفسه)) يتحدث عن ذلك باستياء وباستهجان، كأنه يشعر باحتقار لذاته الذاوية التي لم يبق منها غير (ذبالة العمر) أو (وشالته)!. 
يعيش (حبيب عبد السادة) مع أطفاله على ضفة نهر دجلة في الجهة المقابلة للمنطقة الخضراء، والشارع المقابل لمستودع القمامة الذي اختاروه مسكناً، يقود الى واحدة من البوابات الكبيرة المحروسة بشدة. ومن هناك كانت تمرّ قوافل المسؤولين العراقيين والأميركان كل يوم. يقول (عبد السادة): ((إنهم يروننا، ونحن نائمون على حشيش جزرة الشارع الوسطية. إنهم يعرفون جيداً أننا فقراء، ولدينا أطفال، لكنهم لا يريدون أن يفعلوا شيئاً لحل مشكلتنا)).
ولتسمع الحكومة ما تقوله مراسلة صحيفة ميكلاتشي الأميركية في خاتمة هذا الريبورتاج الصحفي المثير: ((إن الجنود الأميركان يزورون دائما الأطفال الذين يستجدون في الشوارع، وواحد من هؤلاء الجنود بكى عندما رأى الأطفال)). ويقول (عبد السادة): ((لقد أعطونا طعاماً، وأنا أردت أن أقبل أيديهم تعبيراً عن الشكر))...هل يقرأ المسؤولون في مكتب رئيس الوزراء، أم هم فقط (يكتبون)؟!. 

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced