منطقة السبع قصور.. الأهالي يبنون مدارسها وأطفالها يموتون بين أحضان أمهاتهم!-الأخبار

منطقة السبع قصور.. الأهالي يبنون مدارسها وأطفالها يموتون بين أحضان أمهاتهم!

	نشر بواسطة: Adminstrator
	الإثنين 07-12-2009

بغداد / شاكر المياح
قبل قرنين ونيف كانت سجنا انشأه العثمانيون واحاطوه بسبعة مقرات بنيت بالطابوق والآجر للجند والحراس في ذلك الزمن الذي اندرج في سجلات الماضي، يوم كان العراقيون يشيدون بيوتهم بالطين لوحده وينظرون لأي مبنى يشيد بالطابوق على انه قصر منيف، وبعد تعاقب الأزمنة والاقوام ، تحولت تدريجيا الى مرابع خضر زاهية تؤتي اكلها كل عام من شتى الثمار اليانعة وحتى رغيف الخبز .

وبعد الفيضانات الموسمية لنهر دجلة، طرأت عليها تغييرات طوبوغرافية وبيئية وبايلوجية عديدة، حتى اذا ما حل عقد السبعينيات من القرن الماضي تحولت من ارض منتجة الى ارض ذات أديم متعفن بعد سلسلة الزحوف العمرانية العشوائية عليها والهجرات المتكررة إليها. تلكم هي منطقة (السبع قصور) التي تغفو اليوم على اوجاع الماضي الذي ما تزال اثاره بادية حتى الساعة الراهنة، وعلى اهمال الحاضر المثقل بالبؤس والفقر والحرمان . كادر (المدى) كان عليه ان يجتاز حي اور وينعطف ليتسلق السدة الترابية، ويمر بطريق شديد الوعورة والخطورة ثم يهبط منها بصعوبة بغية الوصول الى سيطرة مدخلها الرئيس التي توقفنا عندها لنسلم كتاب عمليات بغداد القاضي بتسهيل مهمتنا الى مقر فوج الشرطة الاتحادية من الفرقة الثانية، وبعد اتصالات مع عمليات الفرقة استغرقت ساعة ونصفاً حصلنا على الموافقة بتسهيل مهمتنا، غير ان رئيس عرفاء السرية ابى ان ترافقنا قوة للتجوال بين احيائها، ضابط الصف هذا كان وللاسف متشنجا سيما وان بنطاله مزقته حديدة نا تئة، وكان هناك ايضا ضابط برتبة عقيد يرقب المشهد من دون ان يبدي شيئا، ولم يكلف نفسه حتى عناء السؤال، غير ان مبادرة افراد مفرزة شرطة النجدة التي كانت مرابطة هناك اثلجت صدورنا لما اتصلت بقاطع نجدة الشعب، الذي اسرع بارسال مفرزة من منتسبيه يقودها المفوض (ثائر كاظم نجم) وبمعيته كل من (ر.ع سلام عنيد، و ر.ع صباح سلمي، والشرطي الاول حازم عباس عزيز، والشرطي الاول سمير بشير، و ر.ع حسين عذاب عبد)، ولا ننسى ايضا موقف الملازم (محمد) من شرطة شؤون السيطرات الذي كان بمستوى المسؤولية وعلى قدر كبيرمن الشفافية والوعي . مرارة قديمة ..جديدة المرارة والشكوى والالم ..حشرجات لاصوات المواطنين وآهاتهم الذين التقيناهم في جولتنا بين جنبات السبع قصور، عيونهم اوحت الينا وافصحت عن مدى معاناة ابنائها، رجالا ونساء،شيوخا وشبابا، طلبة وطالبات وتلاميذ واطفال حفاة يخوضون في المستنقعات والاوحال والاطيان، وجوههم شاحبة، اجسادهم ناحلة تلاشى الالق والامل في عيونهم . كنت امام جمع من بؤساء السبع قصور، يفصلني عنهم حاجز طيني غريني لما هممت ان التقيهم واتحدث معهم، كانت امامي ثلاثة خيارات، اما ان اقطع مسافة مائتي متر لكي أصل الى فتحة رصفت ببضع قطع من الطابوق والبلوك، او الخوض في الحاجز الغريني، او ان اقفز من فوقه . القفز كان خياري المفضل، وفي مغامرة صبيانية قفزت انا وحقيبتي متكئا على ساقي اليمنى، وقبل ان اسقط بين ثنايا ذلك الحاجز تلقفوني باحضانهم وانقذوني من فشل كان حتميا، غير انني سرعان ما سرح ذهني الى ابعد مما انا فيه وتساءلت في خاطري المربك في تلك اللحظة: اليس من حق العراقيين ان ينعموا وعلى اقل تقدير بحلم جميل ؟ يضعهم في وسط حياة رخية هانئة، ووعد في العيش باحياء سكنية لا اقول انها فاضلة، لكنها تتماهى مع مدنيات وحيوات الشعوب التي تعيش في دول اخرى هي ليست بمثل ثراء وغنى وتاريخ الشعب العراقي. صوت محدثي المواطن (غالب جهاد) الموظف في دائرة صحة بغداد اعادني بقوة الى لحظة انغراس قدمي في الطين لما كنت في أحضان العراقيين ولم يسلم من نثاره بنطالي وسترتي وحقيبتي . لا وجود للمدارس المتوسطة او الاعدادية يقول جهاد : المنطقة برمتها تشتمل على مستوصف صحي واحد شيدته متبرعة شركة المانية وهو لا يلبي المتطلبات الصحية للمنطقة التي تشكو من نقص كبير وخطير في جميع مجالات الخدمات الاخرى .المواطن (احمد لعيبي) قال: لدي طفلان يدرسان في احدى مدارس المنطقة، ونظرا للزخم الحاصل فيها، اذ يحوي الصف الواحد بحدود مائة طالب، فان التعليم في مدارس السبع قصور يعاني من ترد واضح سيما وان المنطقة تشتمل على مدرستين واخرى على هيئة (كرفانات)، اما طلبة المرحلتين المتوسطة والاعدادية فانهم يسجلون في مدارس حي اور لعدم وجود مدارس متوسطة او اعدادية وعليك ان تتصور معاناتهم وهم يقطعون كل تلك المسافة سيرا على الاقدام وسط الاوحال والمستنقعات، اما شبكة مياه الشرب فقد تحسنت في الاونة الاخيرة بعد مد عدد من الانابيب الرئيسة في شوارع (ابو احمد، وابو علي والشارع العام) ونجهز بماء الشرب بالتناوب (بين يوم ويوم)، الخلل الاكبر يكمن في عدم وجود شبكة الصرف الصحي وكذلك المجاري السطحية،مما يضطر المواطن الى فتح سواق لتصريف المياه الثقيلة او تسريبها الى خزانات ارضية في داخل البيوت (بلوعات)، ناهيك عن المزابل وتلال النفايات التي تستهوي الفايروسات والحشرات والقوارض والكلاب . الطالب في الصف الثالث (صادق كريم عبدالله) من مدرسة (الكميت الابتدائية)، أكد ان مدرسته ليست بالمستوى المطلوب حينما سألناه عنها، وقال: عدد طلاب الصف الواحد اكثر من سبعين طالبا، ولم نتسلم من الكتب سوى كتابي الرياضيات والقراءة، ومن القرطاسية دفترين فقط، .. احد المواطنين ذكر بأنهم محرومون من الكهرباء لاكثر من عشرة أيام بسبب الأمطار، ويسترسل قائلا : حينما يطالب ممثل المجلس البلدي بتوفير الخدمات الضرورية يواجه دائما بإجابة واحدة ملخصها ان المنطقة تعد متجاوزاً عليها وليست ضمن التصميم الأساسي لمدينة بغداد، وهناك قضيه في غاية الاهمية، اغلب ابناء المنطقة يعيشون دون خط الفقر، ولذلك فان نسبة البطالة تزداد يوما بعد آخر بسبب غياب المشاريع التي من شأنها خفض هذه النسبة من خلال تشغيل الشباب العاطلين عن العمل، والذين يعملون الآن عمال بناء أحيانا، وحمالين في (علاوي) بيع الخضراوات في أحيان أخرى علما بان عدداً لا يستهان به من هؤلاء الشباب هم من الخريجين والحاصلين على مؤهلات علمية وشهادات جامعية . الشاب (سجاد كاظم) من مواليد 1990 قال: تركت الدراسة وانا في الصف الأول متوسط بسبب سوء الأحوال المعيشية لأسرتي فاضطررت إلى ترك الدراسة والانصراف إلى إعالة أسرتي من خلال عملي في كراج لوقوف السيارات بصفة حارس .. المنطقة وحكاية ابو علي المواطن (شاكر ابو علي) قال: أبناء المنطقة يعانون من عدم وجود المجاري، وان دخلت أزقتها ستزكمك روائحها النتنة والتي غالبا ما تتسبب في الكثير من الامراض التي تصيب الكبار والصغار على حد سواء، وقد تفشى الكثير منها مثل التايفوئيد والتهاب الكبد الفايروسي، والتهابات الامعاء والقولون وغيرها، اما في الصيف فتشتد امراض العيون نتيجة تصاعد الاتربة والغبار فضلا عن تكاثر (البق) الدقيقي (الحرمس)، والتحديات كثيرة ابسطها صعوبة استقدام سيارة لسحب المياه الثقيلة من الخزانات الأرضية، وبشكل عام نعاني من انعدام الخدمات، حتى الازقة وبعض الشوارع الرئيسية ما تزال من دون تبليط باستثناء البعض منها والتي تم اكساؤها (بالسبيس) فقط، وعلى هذا الموضوع عقب المواطن (غالب) قائلا: كان من المقرر اكساء اربعة شوارع بمادة السبيس، ولكن وبفعل تدخلات معينة، ذهب (السبيس) الى شارع (ابو علي ممثل المنطقة في المجلس البلدي) الذي يمتلك أراضي واسعة ،فمتى ما أراد ان يبيع قطعا من تلك الأراضي يفتح فيها شارعا وعلى وفق هواه ويكسوه بالسبيس وبهذه الطريقة يرفع اسعارها وزيادة في التأكيد لكم ان تسألوا المواطنين كم هي أسعار الأراضي في شارع ابو علي، وعندما تسمعون الإجابة ستصابون بالدهشة، . المواطن (ستار رحيم) قال: في الصيف اعمل سائق حفارة في معامل طابوق النهروان، وفي الشتاء اعمل في مطعم للمأكولات السريعة، مشكلات الخدمات كثيرة خذ مثلا ان دائرة الكهرباء كانت تروم إضاءة شوارع المنطقة عن طريق نصب معدات التوليد بالطاقة الشمسية، غير انها لم تستمر بالعمل بل اكتفت بنصبها على عدد محدود من الأعمدة الكهربائية، حتى حينما تتعطل المحولة الكهربائية لا تأتي لإصلاحها الا بعد ان نجمع للعاملين فيها مبالغ نقدية، وآخر مرة جمعنا مبلغ ثلاثمائة الف دينار بغية تصليحها وسلمناها الى عمال الكهرباء . احدهم قال: الحكومة لا تعير اهتماما لأبناء الشعب الذين ينهش بهم الفقر والعوز والبؤس والحرمان والبطالة وسوء الخدمات، ها انتم تتلمسون معاناتنا، أيعقل ان يكون العراق من أغنى الدول وشعبه يعيش بين المزابل والمستنقعات والأوحال وشوارع يستوطنها الطين ؟ . مطالب بإقالة ممثل المنطقة الكاسب (عباس عبد الحسن الساعدي) قال: لا نريد شيئا سوى إقالة (أبو علي) وحاشيته الذين أسهموا بشكل كبير في زيادة آلام ومعاناة مواطني السبع قصور، ودعانا إلى التغلغل في عمق المنطقة . وخلال تجوالنا كنا نلحظ الأزقة التي غصت بالبرك والطين والمياه الثقيلة وبالروائح النتنة، ولفت عباس انتباهنا الى ان المستوصف من دون سيارة اسعاف، والمواطن الذي يتعرض الى حالة مرضية مفاجئة سيموت حتما ثم صاح باعلى صوته: نرفض ان يكون أبو علي ممثلا للمجلس البلدي، لانه احد اعمدة الفساد الاداري والمالي في السبع قصور، واشاد الساعدي بدور الشرطة الوطنية الذين يسعفون المرضى بسياراتهم ليلا مع انهم يعانون ايضا من شحة وقود السيارات. الشيخ (عبد الحسين البيضاني) احد وجهاء المنطقة قال: اسكن السبع قصور منذ اكثر من 23 سنة . ما الذي تطور فيها؟ هناك تحسن واضح غير انه بطيء ولا يلبي متطلبات وطموحات المواطنين، من مظاهر هذا التحسن تبليط عدد من الشوارع الرئيسة، والازمة ما تزال قائمة حول عدم تسجيل الدور السكنية لدى دوائر التسجيل العقاري كونها أراضي زراعية، المعضلة الأخرى تكمن في عدم وجود مستشفى، وعدد المدارس ضئيل جدا اذا ما قورن بعدد سكان السبع قصور الذي قد يربو على 500 الف نسمة، علما بان ما موجود من المدارس بنيت على نفقات اهالي المنطقة عن طريق التبرعات المستمرة، واحدة منها تبرع بها احد الميسورين اسمه (حميد النجار)، والثانية شيدها مواطن من عشيرة (البو دراج)، وكل واحدة من هذه المدارس تضم اكثر من 1600 طالب، وعدد طلاب الصف الواحد فيها بين 80 – 100 طالب، والمشكلة الاخرى صعوبة اكمال الطالبات دراستهن المتوسطة والاعدادية اذ لا توجد مدارس متوسطة واعدادية، وانهن سيكن مرغمات على الدوام في مدارس (حي اور) وهذا يشكل عبئا اضافيا عليهن وعلى اسرهن، وبعضهن وللاسباب التي ذكرتها تركن الدراسة، ودعا وزير التربية الى زيارة المنطقة والاطلاع ميدانيا على الواقع التربوي المزري فيها . المشكلات الاجتماعية تحل عشائريا وماذا عن العلاقات الاجتماعية؟ هي طيبة وواسعة، والمشكلات الاجتماعية تحل عشائريا واحيانا بالتنسيق والتعاون مع دوائر وزارة الداخلية، والوضع بشكل عام مسيطر عليه، ولا استطيع ان احدد المشكلات التي يصعب حلها في هذا الجانب، لان الاشكال الاجتماعي يتصدى له وفور حدوثه شيوخ العشائر ووجهاء المنطقة، وحتى قضايا القتول، فاننا نسرع الى تهدئة الأمور من خلال (العطوة) التي نبادر إليها مباشرة، من اجل اخماد نار الشر بين عشيرتي القاتل والمقتول، واذا تعقدت الأمور نلجأ الى نقطة السيطرة ولواء الذئب. الوجيه (قاسم البيضاني) وصف الوضع الامني الراهن بقوله: الامن في الوقت الراهن مستتب بفضل جهود وتواجد افواج الشرطة الاتحادية، وشرطة النجدة، كما ان الدوريات الامنية مستمرة وعلى مدار ال 24 ساعة، اما قبل عامين، فقد كان مربكا ومتأزماً، والناس كانت واجفة وخائفة والرعب مزروع في كل زاوية وزقاق . واقترح فتح مجرى يصب في المشروع المواجه للمنطقة كحل مؤقت لمعضلة مجاري الصرف الصحي والذي لا يتجاوز طوله كيلو متراً واحداً . زيارات انتخابية! المواطن (غانم مبارك صبيح) قال: السبع قصور كانت مهملة في عهد النظام السابق وما تزال على حالها بعد التغيير، ليس هناك مسؤول واحد في الدولة العراقية الحالية استشعر معاناتنا، السنا عراقيين ؟ لنا حقوق وعلينا واجبات ؟ فقط يزوروننا قبل موعد الانتخابات، فيكيلون لنا الوعود الوردية ثم يرحلون ولا نراهم بعد ذلك ابدا ،مؤكدا على عدم رغبته المشاركة في الانتخابات المقبلة وانه سيحث الاخرين على الحذو حذوه . الطفل (مرتضى كاظم) الذي لم يكن يعرف سني عمره ذكر أنه غير مسجل في المدرسة ولما سألته عن السبب اجاب والده: ليست هناك مدرسة (بيهه خير) ولا تعليم حقيقي (كلها كلاوات بكلاوات) وصرخاتنا ما تزال مدوية تملأ الفضاءات ويرتد صداها الينا ولا تصل اسماع المسؤولين في الدولة العراقية، لقد صموا آذانهم لئلا تنفذ اليها هذه الصرخات، وحينما نطرق ابواب دوائرهم نجد الاجابة جاهزة (ليست لمنطقتكم تخصيصات مالية) لانها زراعية وليست سكنية . النفط للاحباب والأصحاب المواطن (حسن تقي حافظ) يعمل سائقا في وزارة التجارة اقترب منا ملهوفا وقال: عانينا ما عانينا، وصحنا كثيرا (يا هالخلك ..يا هالسماء) ولا حياة لمن تنادي، ضربوا بنا عرض الحائط، وها نحن نتوجه بنداءاتنا الى الرب الجليل فلم يعد لنا سواه، وأبو علي يصول ويجول ويعمل على هواه وللمقربين منه فقط . مواطن صرخ من مكانه قائلا: تلك هي سيارتي مركونة بباب البيت، لا استطيع قيادتها والوصول بها الى الشارع العام بسبب تكدس الاطيان .، وممثل المجلس المحلي ينتقي الازقة فيفرشها (بالسبيس) وبحسب معارفه. ويسترسل (حسن تقي) فيقول: ساحكي لك عن النفط، تسلمنا دفاتر بطاقات الحصة النفطية المخصصة لشهر وشهرين، ولما راجعنا أبو علي رفض تسلمها بحجة ان أوانها قد فات، في الوقت الذي يوزع فيه النفط على سكان زقاقه الذين جلهم من اقاربه واصحابه، والصهريج المحمل بالنفط لا يقف الا في ذلك الزقاق الذي ربما اوصى به الله دون غيره من الازقة البائسة ونحن لا نعلم، لم احصل على النفط العزيز في هذه الايام الا مرة واحدة وبقدرة قادر، اما البطاقات الاخرى فقد قرر (أبو علي) اسقاطها والذي من واجباته توزيع النفط على المواطنين بشكل عادل. احد المواطنين ذكر ان مياه الشرب في المنطقة تتعرض للتلوث بين اونة واخرى نتيجة امتزاجها مع المياه الثقيلة المتسربة من (البلوعات) ما يؤدي الى اصابة الاطفال بامراض مختلفة . واقع المرأة في السبع قصور المواطنة (ام ايمان) تحدثت الينا بحماس قائلة: انظروا الى الاوساخ والنفايات والازبال وكيف يعشعش فيها الذباب والبعوض، والشوارع غير المبلطة، اولادي لم يذهبوا الى مدارسهم لخمسة ايام خلت بسبب انغمارها بمياه الامطار الراكدة امام المنازل، وحواجز الطين تغطي ارضيات الازقة . وعن واقع المرأة قالت: المرأة في السبع قصور، تنجب، وتربي، وتنظف البيت، وتطهو الطعام، وتغسل الصحون، وتجلب قناني الغاز، وتخبز، وتتسوق، وتأتي بالحصة التموينية وبوقود التدفئة وهي تتعايش مع هذا الواقع المتهالك والبائس، فيما الرجل مشغول بتوفير لقمة العيش التي قد لا تختلف في شيء عن واقعنا الراهن وبالكاد تسد الرمق (حشو مصران). وقبل ان تنهي حديثها تحلق حولنا عدد من طلبة احدى المدارس القريبة من موقع تواجدنا، بعد ان تسربت اليهم اشاعة سريعة مفادها اننا نوزع مبالغ نقدية على المواطنين، ولما عرفوا بأننا في مهمة صحفية إصابتهم خيبة امل فردد بعضهم (اهو ..عبالنا يوزعون فلوس ..طلعوا صحافة). موت سريع لطفل اصيب بالحمى (موسى) طفل عراقي في عامه الاول، كان يملأ البيت حركة وصخبا لكنه مات خلال ست ساعات، كيف ؟ ولماذا ؟، لنستمع الى الحكاية معا: والده (عجيل زعيبل عجيل) قال: ليلة البارحة كان موسى كعادته يمرح داخل البيت بكامل صحته وعافيته، وبعد انتصاف الليل ارتفعت درجة حرارة جسده، فتعاملت والدته مع الحمى بوضع الكمادات على جبهته واطرافه، وفي الصباح ذهبنا به الى المستوصف الصحي، فلم يكشفوا عليه واكتفوا بإعطائه شراباً خافضاً للحرارة، ثم عدنا به الى البيت بعد ان بدا لنا ان حرارته بدأت بالانخفاض، فذهبت الى جاري لاتجاذب معه اطراف الحديث فحضرت والدته واخبرتني بان موسى (انشمر) بمعنى ان سخونته ارتفعت وصار في شبه غيبوبة، ولما وصلته كان وجهه شاحبا يميل الى الاصفرار، وجسمه صار أزرق ثم هرعنا به بسيارة جاري الى مستشفى (ابن البلدي) وهناك فارق الحياة من دون تشخيص حالته علما بانه لم يصب من قبل باي مرض من الامراض . كان موسى في أحضان امه جثة هامدة فارقتها الروح وهي حانية عليه ومحاجر عينيها تفيض دموعا حرى تنساب فوق وجنتين متشققتين، استحييت ان اسألها عن كيفية وفاته فقد كانت ملتاعة يتملكها الحزن ويعتصرها الالم، فماذا بوسعي يا موسى ان افعل سوى ان ارثيك: نم قريرا يا موسى في مضجعك الابدي، واحضن براءتك المغدورة، ولتطف روحك ارجاء الكون تلعن سوء آدمية البعض ممن خانوا ذممهم، فاخلفوا الوعد، وحنثوا بالقسم الذي ادوه معلنين فيه التفاني في خدمة الانسان والتخفيف من اوجاعه وآلامه. والحق بأقرانك اطفال روضة العدل الذين خطفت ارواحهم يد الغدر المجرمة مثلما لم تمتد اليك يد الشفاء النبيلة