في سجن النساء للأحداث .. مفجرة سوق الاستربادي تروي قصة التفجير كاملة
نشر بواسطة: Adminstrator
الإثنين 20-04-2009
 
   
بغداد ـ المدى / ايناس طارق ـ تصوير: مهدي الخالدي
تزامن خروج الطفل عدنان ( 9أشهر) من عتبة بوابة سجن النساء في منطقة المسبح (الكرادة)، مع دخول فريقنا الصحفي الى السجن. فقد استغل الطفل  عدنان لحظة فتح الباب ليحبوا مسرعاً نحو الباحة الأمامية للسجن، كأنه يتوق للحرية التي حرم منها بسبب دخول والدته السجن عندما كانت حاملا به قبل سنة ونصف. وتقول والدة الطفل عدنان  ( أ.. /) البالغة من العمر 15 عاما، ويدل مظهرها  على انها صاحبة  شخصية قوية: أودعت في السجن قبل عام ونصف بتهمة التستر على قاتل زوجي. والاتهام كان موجها من قبل عائلة زوجي، وهم يعلمون انه قتل  من قبل أشخاص كان يعمل معهم ويشكلون عصابات مسلحة  للقتل والتسليب، والجريمة  حصلت  لتصفية حسابات مالية  بينهم. عندما دخلت السجن كنت حاملا في الشهر الأول، وعندما ولدت عدنان، رفضت عائلة زوجي الاعتراف به  لعدم وجود عقد زواج رسمي بيننا.

وأضافت بإصرار وتحد: عندما أغادر السجن سأبذل المستحيل من اجل نسبه اليهم، وفي لحظة صمت راحت ام عدنان تسرد لحظات الخوف والقلق التي انتابتها طوال ثمانية أشهر، قبل ولادة ابنها عدنان، بسبب المصير المجهول الذي كانت تشعر بانها ستواجهه في الحياة القادمة، كانت تتحدث وهي تحتضن عدنان بقوة وتضمه الى صدرها كما لو انها ستفقده في اية لحظة والى الأبد.
الآن تقول ام عدنان، بعد ان أصبحت اما، أتمنى ان تعود لي حريتي  التي سلبت مني عنوة.
سجن صغير ومشكلات كبيرة
يتكون السجن من صالة لا تتجاوز مساحتها  ال20 مترا مربعا،  وغرفة وضع فيها 18 سريرا بطابقين، مع جهازي تبريد. فيما علقت  بعض السجينات العاب الأطفال فوق أسرتهن، ويفصل بين غرفة المبيت  وصالة الاستراحة  باب حديدي مغلق بإحكام. وهناك مطبخ بسيط يحتوى على  عدد من مستلزمات الطبخ وثلاجة كانت فارغة من أي نوع من أنواع الطعام، وبراد ماء. المكان ضيق لكن القصص كثيرة. واحدة من السجينات كانت تلقي بنكتة على زميلاتها بصوت عال، وتارة اخرى كانت تثير الضوضاء في المكان بحركات فوضوية تدل على التوتر العصبي والقلق.
تدخلت الباحثة الاجتماعية وطلبت منها الجلوس والتزام الهدوء لولا صرامتي معها، قالت الباحثة معلقة، حدث شجار الآن بينها وبين زميلاتها. انها سجينة مراهقة ومتمردة. تبلغ هذه المتمردة  من العمر 15 عاما. سمراء اللون قصيرة القامة، سألناها ان كانت لها رغبة في الحديث للصحافة، إجابتنا  في البداية  بتهكم، لماذا أتكلم؟ هل ستخرجونني من السجن  وتنقذونني من سنوات محكوميتي التي لا اعرف عدد سنينها؟ وبعد عدة محاولات لإقناعها بسرد قصتها قالت: هربت من بيت عائلتي في محافظة البصرة، بعد ان استدنت مبلغا من المال من احدى الصديقات، لأصل الى مدينة بغداد. والسبب كان ضغط عائلتي بالزواج من رجل يكبرني بثلاثين عاما. وعندما وصلت الى بغداد بدأت اتجول في الشوارع، على غير هدى، فهذه هي المرة الأولى التي ازور فيها بغداد وبمفردي.  وفي اثناء تجوالي، تعرفت على شاب يكبرني عدة سنوات سألني من أين أتيت وماذا افعل هنا، وعندما عرف قصتي، أقنعني بالذهاب معه وقضاء الليلة الأولى في فندق يقع بمنطقة العلاوي، بقيت معه على هذه الحالة عدة أسابيع ثم  طلب مني الذهاب الى منطقة الكاظمية وتسليم حقيبة تحوي على مجموعة من الملابس القديمة (البالة)  لاحد أصدقائه الذي كان يملك بسطية لبيع الملابس القديمة في سوق الاستربادي في منطقة الكاظمية.
في الساعة العاشرة صباحا من عام 2007 توجهت الى السوق وسلمت الحقيبة الى الشخص الذي اشار اليه،  وعندما عدت لم اجد صديقي. وما ان ابتعدت عدة خطوات حتى سمعت صوت انفجار قوي هزّ السوق. انتابني خوف شديد  وعندما سألت ماذا حدث ؟ قالوا انفجار في حقيبة وضعت تحت احدى البسطات، لم انتظر حتى يلقى القبض علي انما ذهبت مباشرة الى اقرب سيطرة أمنية وسلمت نفسي وأخبرتهم عن المكان الذي نقيم فيه انا والشاب الذي تعرفت عليه اول يوم من أيام وصولي الى بغداد . ولكن لم تجد الشرطة اثرا له لهروبه.
توقفت قليلاً عن الكلام ثم نهضت بشكل مفاجئ من مكانها وراحت تصرخ بصوت عال ( لم اكن اعلم ما تحوي الحقيبة، ولكن عندما شاهدت جثث النساء والأطفال تتطاير في الهواء فقدت صوابي وبدأت اصرخ: لم اكن اعلم ما بداخل الحقيبة).
السجينات والضغوط النفسية
تقول زينب الباحثة الاجتماعية في سجن النساء للأحداث ان  بعض السجينات تعرضن الى ضغوط نفسية كبيرة، بسبب ظروف اجتماعية او اقتصادية جعلتهن ضحية، وعندما يلقى القبض عليهن يفضلن البقاء في السجن على الخروج الى المجتمع من جديد.
أتكلم معهن والتمس روح الطفولة وشقاوة المراهقة  في دواخلهن، ومع الأسف ان ضعف الوعي الاجتماعي والتربوي وعدم الإحساس بالمسؤولية وصغر العمر وبعض المغريات، فضلا عن ضغوط الاهل، قادتهن الى خلف القضبان بتهم مختلفة، منها الدعارة والقتل والمساهمة في بعض الاعمال الإرهابية.
ونواجه مع بعضهن  صعوبة في التفاهم لخوفهن، او لعدم رغبتهن في الإفصاح عن سر من الأسرار التي كانت سببا لايداعهن في السجن. واستدركت زينب قائلة: حالتان شهدها السجن هي ولادة طفلين  في ظروف كانت صعبة على السجينتين، حاولنا بكل جهدنا مساعدتهن لتجاوز حالة الخوف من الولادة. ومع الاسف، احداهن كانت ولادتها تحتاج الى اجراء عملية قيصرية مما تطلب الامر الوقوف بجانبها حتى استفاقت من التخدير، وهي والدة الطفل عدنان. وقد  كانت سعيدة جدا عندما احتضنت طفلها ثم  اجهشت بالبكاء، حين طلبت الدكتورة إرضاع الطفل كانت مرتبكة ودموعها اغرقت وجه الطفل الرضيع لعدم استطاعتها فعل ذلك لانها ما تزال صغيرة!!
حالات استثنائية
كانت تجلس وحدها على سريرها المتواضع المحاط بنشرة ضوئية خافتة الالوان، حاولت في البداية التكلم معها فرفضت. وقالت انا متعبة ولااريد ان اتكلم مع اي شخص كان. سألتها لماذا ؟ وكانت هي الاخرى تعتقد بان الحديث مع الصحافة ربما يساعدها على الخروج من السجن! ارجوك اتركيني لوحدي فانا مريضة ومتعبة. وكما ترين جسمي يتورم يوما بعد يوم، ولااعلم ما يحدث لي. بهذه الكلمات انهت حديثها معي. تركتها لبعض الوقت حتى تهدأ الا ان غضبها تصاعد وراحت تصرخ  وتردد (لا أريد ان اتكلم مع احد). طلبت من الباحثة  الاجتماعية ان تتركنا لوحدنا في الغرفة بعد اصطحاب السجينات الأخريات الى الصالة. وافقت الباحثة وأوصتني ان اكون حذرة في طرح الاسئلة التي قد توتر اعصابها وتجعلها تتصرف بطريقة غير طبيعية، وهذا مالا ٍنريده ان يحدث لها، فهي تشكو من الم  شديد في منطقة البطن، وقبل عدة ايام عرضت على طبيبة نسائية في مستشفى العلوية للولادة.
ابتعدت عنها وجلست في السرير المجاور، قلت لها بهدوء اذا أردت التكلم معي فانا اسمعك، ولم تجب.
وبعد مرور خمس دقائق نهضت من مكاني وسرت بهدوء نحوها وأمسكت يدها، لزرع الطمأنينة في قلبها، فهي فتاة لم يتجاوز عمرها السبعة عشر عاما. رفعت رأسها نحوي وسألتني ماذا تريدين ان تعرفي مني، حكايتي؟، اسمعيها اذن ..
محطات الاتجار بالعراقيات !
قبل عام ونصف تقدمت جارتنا في منطقة الزعفرانية  لخطبتي لابنها المقيم خارج البلد، والذي كان يأتي الى العراق بين فترة واخرى. وافقت عائلتي بعد عرض إغراءات مالية كبيرة، وأحسست حينها ان حلمي بالزواج من رجل غني قد تحقق اخيرا، وان بقية احلامي في طريقها الى التحقيق. كان شرطه ان يتم الزواج في سوريا، وبعد مرور شهرين غادرنا الى سوريا، وقبل وصولنا الى الحدود قال :اذا سألوك عن اسمك المكتوب بالجواز اجيبي بنعم ولاتسالي لماذا فقد غيرت اسمك، فانا افعل كل شي من اجل اسعادك. لم اعترض، بل كنت سعيدة بالاسم الجديد لانه ينسيني اسمي القديم الذي كنت انادى به وانا اتصبب عرقا في العمل خادمة في البيوت من اجل توفير لقمة عيش لاخوتي الصغار البالغ عددهم خمسة، اضافة الى والدتي، و كان والدي قد تركنا بعد ان طلق والدتي، وكنت الاخت الكبرى لهم.
وصلنا الى  حدود سوريا ولم يسألني اي شخص عن الاسم ولكني لاحظت (سكتت عن الكلام ) لدقائق لم اضغط ولم اطرح عليها  اي سؤال. اردتها ان تكمل حديثها، سألتني ماذا تريدين ان تعرفي اكثر؟ ارجوك اتركيني! كان الخوف باديا على ملامحها كما لوكانت تتوقع شرا في اية لحظة بسبب ما ستقوله !  وهذا ما شجعني على مواصلة الحديث وكشف المستور. سألتها  ماذا حدث بعد ذلك ؟
بعد وصولنا الى دمشق استقبلتني والدته وشقيقته، استغربت في بادئ الامر وسألت زوجي كيف وصلوا الى هنا؟ اجابني مؤكدا: لقد اتفقنا  على ان لاتسألي ابدا، وقد نبهتك اول مرة عندما سألتي عن الرجل الذي وقف وتكلم معي في الحدود السورية. هذا الرجل كان يعرف زوجي جيدا وسمعته يقول له: البضاعة جيدة جدا هل هي خام؟ همس زوجي باذنه وقال له: ان الاسعار ارتفعت عن السابق! لم أتوقف كثيرا عما كانا يتحدثان به، فقد كانت السعادة طاغية على عقلي وقلبي وفرحي بلا حدود، بملابسي الجديدة التي تكسو جسدي الذي كان يتوق للبسها ولو مرة واحدة في العمر.
اعتذرت منه وقلت له: لن اسأل مرة اخرى.. تكلمت والدته معي وقالت سوف تخرجين الليلة معنا لقضاء بعض الوقت. وفي الساعة السابعة مساء خرجنا انا وزوجي ولم استطع ان اسأله اين والدته او شقيقته؟ اصطحبني الى مطعم اسمه (الروابي ) وطوال الوقت الذي قضيته في البيت لم يلمسني زوجي ولا اعلم السبب. جلسنا على طاولة مستديرة التف حولها بعض الفتيات الصغيرات، يتكلمن اللهجة العراقية. طلبن مني ان أشاركهن الرقص فرفضت في البداية، ولكن إصرار زوجي على الرقص ومن ثم تناول الكحول جعلني افقد توازني. ولا اعلم ماذا حدث بعد ذلك. وفي اليوم التالي وجدت نفسي نائمة في شقة زوجي. وهكذا بدأت الرحلة في ملهى الروابي، وأصبحت امرأة تمارس حياتها كيفما تشاء وتحت انظار زوجها.
وبعد مرور شهرين من البقاء في دمشق جاء زوجي، الذي لم يلمسني عندما كنت فتاة عذراء، ليخبرني بان الوقت قد حان للذهاب الى دولة الإمارات العربية  للقاء بعض الأصدقاء، لم يفرق الامر عندي  بعد الآن، سافرنا الى مدينة دبي ونزلنا في المطار، حيث استقبلنا مجموعة من الشباب كانت بصحبتهم فتاة عراقية صغيرة لا يتجاوز عمرها 16 عاما. قالت لي  سوف تأتين معنا، اليوم اجازة، ولكن غدا تنزلين الى العمل.  تكلمت الفتاة مع زوجي وقالت له (هذه المرة ذوق جيد بدأت تتحسن بالعمل). كنت أرى واسمع، وأنا ممددة فوق سريري،غناء ورقص فتيات عراقيات صغيرات شربن الخمر وخدرن عنوة ليفقدن توازنهن، فذهلت وتزعزع كياني . كل ليلة ولمدة أربعة اشهر، انا وبقية الفتيات على هذه الحالة،يصطحبوننا  ليلا الى احدى الفيلات، ويأخذوننا في النهار منهكات القوى والروح، وكأننا جثث هامدة . في احدى الليالي رفضت مضاجعة رجل كبير في العمر، يتكلم اللهجة الخليجية لانه بدأ يضربني بعصاه  وجعل الدماء تسيل من جسدي وكنت اصرخ ولا ينقذني احد.
هذا الحادث بسيط لما يحدث للفتيات الأخريات، أضافت بصوت متهدج..وبدأ التوتر يظهر عليها ونبرات صوتها في الكلام تتعالى.. أرادت النهوض عن السرير بحجة انها تعبت من الكلام، أمسكت يدها وقلت لها أرجوك أكملي؟ قالت لا أستطيع، سألتها لماذا؟ بدأت تتهرب حتى بنظرات عينيها، قالت انا مريضة! اتركيني بالله عليك. قلت لها هل انت خائفة؟ لن يستطيع أي شخص الوصول اليك في السجن. قالت: عندما بدأت ارفض الخروج لممارسة البغاء، وإصراري على العودة الى العراق،تعرضت اثناء ذلك الى الاهانة والمذلة بشتى الوسائل من قبل زوجي ! وفي صباح احدى الايام من آذار2008 قال زوجي : سوف تعودين اليوم الى بغداد على متن طائرة، وعندما تصلين الى مطار بغداد سوف تجدين من يستقبلك ويوصلك الى بيت عائلتك. وما ان حطت الطائرة في مطار بغداد حتى جاء رجال الأمن والقوا القبض علي بتهمة  تزوير جواز سفر.
تجارة الرقيق الأبيض
ليس هذا الحادث هو الوحيد الذي شاهدناه في السجن، انما توجد حالة اخرى مماثلة لفتاة تبلغ من العمر 17 عاما تزوجت بنفس الطريقة وسفرت الى سوريا، ومن ثم الى دبي والقي القبض عليها عند العودة في مطار بغداد وبنفس التهمة (تزوير جواز سفر)، بعد تسلم بلاغ من شخص (فاعل خير)، يتصل بقوات الامن العراقية ويغلق الملف. وسبق ان نشرت جريدة المدى في شهر ايلول من عام 2008 عن عصابات تقوم بتجارة الرقيق الأبيض، تبدأ محطتها من بغداد وتنتهي في دبي مرورا بدمشق. ولكن مع الأسف مازالت تلك التجارة رائجة دون ايجاد حلول جذرية لها.
والضحايا فتيات عراقيات صغيرات لا تتجاوز اعمارهن السابعة عشرة، فهذه الاعمار تدفع فيها مبالغ جيدة، وتعتبر صفقة رابحة بالنسبة لمافيات تجارة الرقيق، واكثر الزبائن كرما هم من الخليج، والكلام هنا منسوب الى الفتيات اللواتي تعرضن الى المتاجرة بأجسادهن.
تهم مختلفة
عندما كنا نستمع الى قصص الفتيات فتحت بوابة السجن  الخارجية من قبل احد الحراس، لينادي احدى المراقبات لتسلم سجينة جديدة تبلغ من العمر 15 عاما، كانت تضحك وتبدو سعيدة بدخولها السجن. وهي من طلبت التكلم معنا. سألتها الباحثة الاجتماعية عن تهمتها فأجابت: ممارسة البغاء وفقدان الوعي بسبب تناول الكحول ! طلبت من الباحثة طرح بعض الاسئلة عليها ووافقت، إضافة الى رغبة الفتاة بالتكلم. وقبل طرح اي سؤال عليها بادرتنا بالقول: هربت من عائلتي التي تسكن في مدينة العمارة مع احد الاصدقاء، هو اقنعني بالحب والزواج عندما اذهب معه الى بغداد. وبعد وصولنا لم يتزوجني وانما تركني في الغرفة، التي استأجرها، وبعد انتهاء مدة الايجار طردت منها الى الشارع ولم يكن امامي غير ممارسة البغاء. وفي احدى الايام تعرفت الى فتاة كانت تستأجر شقة في منطقة حي الجامعة والتي اصبحت مكان سكني الدائم . في احدى الليالي انكر احد زبائني  الاتفاق المعقود بيننا، ولم يدفع المبلغ المتفق عليه، بدأت بالصراخ لانه ضربني وسرق هاتفي، وعندها جاءت دورية شرطة والقت القبض علي واودعتني السجن، و انا خائفة جدا الآن لان عائلتي لو علمت مكاني لقتلتني غسلا للعار، وانا نادمة على ما فعلت بسبب فقداني فرصة اكمال الدراسة لانني كنت في الصف الثاني المتوسط.
الواعظ الديني
وفي الساعة الحادية عشرة صباحا حضر الواعظ الديني، كريم الساعدي، في الصالة المخصصة للجلوس، لتقديم الموعظة الدينية، وشرح بعض القضايا التي يصعب فهمها من قبل السجينات ! يقول الساعدي: الغرض من القاء المحاضرة هو ارشاد النفس اولا، وزرع الطمأنينة ثانية، وقد خصص يوم واحد من كل اسبوع للمحاضرة، وأضاف الساعدي: رغبتهن في الاستماع والتعلم تختلف من فتاة واخرى ولكن غالبيتهن يحاولن الاندماج والمشاركة في طرح الاسئلة، الخاصة بالمحاضرة.
واكدت الباحثة الاجتماعية زينب ان حضور السجينات يكون الزاميا لاستماعهن الى نصائح تفيد ولاتضر. ومن لاتريد الحضور يجب ان يكون سببها مقنعا، وقد شاهدت كيف كن متلهفات لحضور المحاضرة.
واثناء القاء المحاضرة الدينية قاطعت الساعدي احدى السجينات (16) متسائلة: لماذا يحكم علي بخمس سنوات وانا لم افعل شيئا. وعندما اخرج كيف سيكون مصيري؟
اسلوب الفتاة كان متوترا لعدم قناعتها بالحكم الذي حكمت به، وطلبت من الباحثة زينب السماح لنا بالتكلم معها في الغرفة المجاورة، اي  غرفة السجينات. جاءت الفتاة وجلست وفجأة نهضت وقالت: انا اتهمت بالتزوير، ولم افعل ذلك، عائلتي قالت تزوجيه لانه يملك مالا وغادري معه الى أي مكان يريد. وبعد سردها القصة التي طابقت حكاية زميلاتها بحذافيرها تأكدنا ايضا انها كانت ضحية  من ضحايا عصابات تجارة الرقيق الأبيض، مع فارق واحد انها أصيبت بامراض نسائية في منطقة الرحم سببت لها نزيفا مزمنا.  وحاليا تعالج من قبل ادارة السجن بنقلها الى مستشفى العلوية  للولادة، لكن علاجها تأخر كثيرا، وكان لابد من استئصال رحمها تجنبا لمضاعفات أخرى. وسؤالنا لها كان من اين لكم مبلغ النقل  بالطائرة من مدينة دبي الى بغداد وهو مبلغ كبير ومكلف؟ اجابت الفتاة: لا اعلم. اعدت عليها السؤال فردت بارتباك:  لا استطيع قول اكثر من هذا الكلام، لانهم يقتلونني. سألتها من يقتلك وانت الان داخل السجن؟ صمتت وقالت: ولكنهم يعذبوننا ويضربوننا بطرق وحشية  اذا ما تمكنوا منا. واذا تكلمنا يقتلون عوائلنا فلا استطيع البوح اكثر من ذلك !! وأجهشت الفتاة بالبكاء بعد ان وضعت رأسها على حافة السرير. وهنا جاءت الباحثة الاجتماعية زينب وحاولت تهدئتها لمعرفة مزيد من التفاصيل لكن دون فائدة. الغريب في الامر ان جميع السجينات من ضحايا تجارة الرقيق الأبيض يرفضن باصرار ذكر المزيد من التفاصيل عن الاسماء والأمكنة تخوفا من تعرض عوائلهن الى الخطر!!
طعام مشترك بين سجنين
وجبات طعام السجينات تكون بالشراكة مع سجن الاحداث للصبيان، لان البناية ملحقة ومعزولة بجدار داخلي كبير إضافة الى عدد من الابواب الحديدية الفاصلة بينهم. انواع الطعام جيدة يقوم بتجهيزها مقاول بالاتفاق مع الإدارة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية،  وتشارك السجينات المراقبة الأمنية في اعداد الطعام وتقديمه، وأثناء وجبة الغداء حدثت مشاجرة بين الطفلين اللذين ولدا في السجن (عدنان وعبد الله) انتهت بتقديم وجبة إضافية للطفلين!
لقاء مع إدارة المستشفى
قبل مغادرة السجن التقينا المدير ابو عسكر الذي جاء مسرعا من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية  للقاء فريقنا الصحفي، ولتقديم الشكر والامتنان لجريدة المدى لمساعدتها في إجهاض الدعاوى القضائية الخاصة بطلب وزارة الداخلية بإخلاء الدار الكبير العائد ملكيته لها. يقول ابو عسكر: تم بناء ملحق عام (2008) لسجن النساء الاحداث بعد فصلهن عن  سجن النساء في منطقة الكاظمية لاسباب إنسانية وأمنية، لان غالبية المحكومات هناك هن كبيرات في العمر. ونحن نناشد الجهات المسؤولة بالتنازل عن الطلب الخاص بتفريغ الدار نهائيا ليساعدنا ذلك في بناء قاعة للخياطة والرياضة، واخرى لالقاء المحاضرات ودروس محو الامية. وفيما يخص مصاريف الأطفال الصغار وكيف يمكن توفير الحليب لهم والملابس والأدوية ونقلهم الى المستشفيات في حالة تعرضهم الى وعكة صحية اضاف أبو عسكر: السجن كما ذكرت سابقا ملحق بسجن الاحداث الصبيان، وهذا السجن يحوى على سيارة اسعاف لحالات الطوارئ. اما بخصوص الطفلين عدنان وعبدالله  فان ادارة السجن تتكفل بجميع مصاريفهما لان القانون العراقي ينص على بقاء الطفل بجانب والدته حتى لو كانت في السجن. ولايمكن حرمانه منها لانه بحاجة الى الحب والحنان والعطف .
غادرنا سجن الاحداث للنساء وفي ذهننا تساؤل واحد، خطير، عن دور الأجهزة الأمنية المختصة في مراقبة ومحاربة المتاجرة  بالنساء العراقيات خارج البلد، وانعكاسات هذه التجارة اللاشرعية على الواقع الاجتماعي. نحن نعتقد ان ذلك مسؤولية الجميع، والمشكلة لها علاقة ايضا بسمعة بلد بكل ما يحتوي من حضارة وثقافة وتقاليد.

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced