فيلم "في يديها": وثائقي يستعرض نضال المرأة الأفغانية ضد طالبان..وصدمة الانسحاب الاميركي
نشر بواسطة: mod1
الأربعاء 22-02-2023
 
   
رووداو ديجيتال

تستهل مشاهد الفيلم الوثائقي بين يديه (In Her Hands)، مع العد التنازلي لانسحاب القوات الاميركية وحلف الناتو من افغانستان، وبالتحديد قبل 19 شهرا من سيطرة طالبان على عموم البلاد، اي عندما كانت الولايات المتحدة وقوات طالبان يجريان محادثتهما في العاصمة القطرية الدوحة.

الفيلم الوثائقي (في يديها) In Her Hands ،الناطق باللغات الدارية والباشتو والإنجليزية ، مع ترجمة للعربية، من اخراج: مارسيل ميتلسيفن و تامانا أيازي، وهو المشروع الأول لشركة HiddenLight Productions للإنتاج التابعة لهيلاري وتشيلسي كلينتون. استحوذت عليه منصة Netflix قبل عرضه الأول في مهرجان تورونتو السينمائي عام 2022 ويعرض حاليا على شاشتها، وتم تصويره على مدى عامين مضطربين ، 2020- 2022.

يوثق هذا الفيلم قصة الافغانية، ظريفة غفاري ، التي أصبحت في السادسة والعشرين من عمرها، أصغر امرأة، وثاني افغانية تتولى منصب رئيسة بلدية( عمدة) بلدة شار، عاصمة إقليم وردك التي تبعد مسافة 45 كيلو مترا عن العاصمة كابل، وكانت اول امرأة تتولى هذا المنصب هي عزرا جعفري، التي تم تعيينها عمدة عام 2008. ويستعرض كفاحها من أجل البقاء على خلفية الانهيار المتسارع لبلدها. بينما تعلن القوات الاميركية وحلف الناتو انسحابها وتبدأ طالبان في العودة إلى السلطة ، لتواجه ظريفة والنساء في جميع أنحاء البلاد واقعًا جديدًا وسط هذه التغيرات المعقدة والقاسية والمفاجئة ، إذ يتعين على ظريفة أن تتخذ أصعب القرارات في حياتها.

وبالرغم مما يعرضه فيلم (في يديها) من مشاهد ومشاعر القلق والعنف واليأس، الا انه يركز على صمود واصرار ظريفة في تحقيق رسالتها باقناع الفتيات من جهة وعوائلهن من جهة ثانية على اكمال دراستهن الثانوية، وايظا الاصرار على الاستمرار بمنصبها كرئيسة بلدية بالرغم من اعتراض الرجال كونها اول امراة شابة، حاصلة على شهادة الماجستير، تصل الى هذا المنصب، وهذا مخالف للتقاليد الاجتماعية المتخلفة وتعليمات طالبان الظلامية ، ودورالمرأة التي كانت معتادة في أفغانستان لسنوات عديدة، خاصة في ظل وجود وسيطرة طالبان على مناطق كبيرة في البلاد على دورها كزوجة فقط، حتى ان الرجال في المقاهي ودكاكينهم يسخرون من هذا الوضع ومعلقين بان:" مهمة المرأة هي البقاء في البيت والزواج ورعاية الزوج والاطفال والطبخ لان عندنا ما يكفي من ارجال الاشداء لتولي كل المهام الحكومية".

شركة  HiddenLight Production  التي انتجت الفيلم، عبرت عن اعجاب كل من هيلاري وتشيلسي كلينتون، مالكتا الشركة، بمكانة ظريفة غفاري كرمز استثنائي، ونضالها ضد طالبان بالرغم من تهديدها بالقتل، فهي نموذج المرأة القوية في عالم الرجل ، لدرجة أن عملها الفعلي كسياسية لا يتأثر كثيرًا. نراها تتلقى جائزة النساء الشجاعات حول العالم، في واشنطن العاصمة وبحضور وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو ، وتلقي خطابا وسط نساء من مختلف انحاء العالم ومسؤولات اميركيات حول أهمية تعليم المرأة في افغانستان، منتقدة اتفاقية واشنطن مع طالبان التي ستعيد الاوضاع السيئة لشعبها وخاصة النساء.

ضمن تعقيدات ومداخلات حياة ظريفة وحياتها الشخصية تبرز شخصية الاب و يظهر الشريط الوثائقي محادثات ظريفة مع والدها ، عبد الواسع غفاري ، العقيد الأفغاني السابق ، وسنتعرف اكثر على شخصيتها وهي تحاول ان لا تتمرد على عائلتها من جهة وان لا تتنازل عن مبادئها التحررية من جهة ثانية. غفاري الأب لا يوافق على قرارات ابنته والطريقة التي تختارها للعيش، كشخصية عامة  مع خطيبها ، وهذا ما يضايق الاب الذي يصر على فرض شروطه عليها ويصر بعدم حضور خطيبها الى بيت العائلة حتى يتم الزواج الشرعي والرسمي وبالرغم من حبها لوالدها الا انها تريد فرض شخصيتها كامراة بالغة ومتحررة من قيود العشيرة والتقاليد الاجتماعية المتخلفة، وكقائدة سياسية، فتترك بيت العائلة لتعيش بمفردها قبل ان تتزوج خطيبها الذي يساندها بقوة.

تتلقى ظفيرة العديد من التهديدات بالقتل، بل تتعرض سيارتها لرمي الرصاص من قبل مقاتلي طالبان الذين يعتبرون بقائها في منصبها وتحريضها للعوائل باستمرار بناتهن في الدراسة الثانوية مخالف لتعليماتهم وبعيدا عن الشريعة، ويدفع الاب الثمن عندما يتم اغتياله عند باب منزل العائلة من قبل مسلحي طالبان، ومع ذلك تبقى صامدة حتى وهي تحت ضغوط صدمة الحزن على والدها، وتستمر في نهجها لمحاولة إلهام الفتيات الصغيرات والمواطنين الأفغان المتحمسين للضغط من أجل المزيد من المساواة ، حتى في مواجهة التهديثدات والخطر الشديد حيث لا يتردد مقاتلوا طالبان من تفجير مدرسة ثانوية للبنات ردا على محاولات ظريفة التي تشعر بالاسى وهي تتجول بين المصابات في مكان الحادث او خلال زيارتها للمصابات في المستشفى.

في الثلاثين من عمرها يتم في وظيفة مهمة في وزارة الدفاع لتترك عملها كعمدة وتنتقل الى كابول متخلية عن سائقها ومرافقها وحارسها الشخصي المخلص معصوم، الذي يظهر في بداية السرد الوثائقي قائلا:"لن اتخلى عن ظريفة حتى لو كلفني ذلك حياتي"، لكنها تتركه بلا عمل في بلدته عرضة لتهديدات طالبان. معصوم الذي يظهر في مشاهد عديدة ملتصقا بظريفة، فهو من يقوم بمهمات التسوق والحماية ومساعدتها بامور البيت ايضا، يجد نفسه مهملا ويشعر بخيبة امل كبيرة.

يبدأ، معصوم ، العاطل عن العمل الآن ، في التواصل مع مقاتلي طالبان، من خلال مبررا دوافعه ، يقدم الفيلم إشارة مقلقة مفادها أن هجرها له وشعوره بخيبة الامل قد دفعه إلى الجانب الآخر، وهو يشرح مبرراته"انا مهدد وبلا عمل وعندي عائلة وظريفة تركتني ومضت الى وظيفتها المهمة في كابل"، بينما ياتي تفسيرها بان:"وزارة الدفاع متشددة بعدم تعيين سائقها او حارسها الشخصي من خارج الجيش لان ذلك يشكل خطورة على حياتها".

تقوم الصحافية الافغانية أيازي وميتلسيفن، كاتبا سيناريو الفيلم، بعمل موازنة حاذقة لتشابك خيوط الاحداث، مما يراعي تجارب ظريفة المروعة،خاصة مع حارسها الشخصي المخلص معصوم والشيخ مسافر،قائد طالبان في المنطقة الذي يوضح مدى سطوتهم على المناطق واسلوب تجنيدهم للاطفال والفتيان وتهديداته لظريفة. تعكس هذه المداخلات السردية المكونة بشكل غير متوقع حاضر أفغانستان المعقد، التوترات بين الحكومة الأفغانية وطالبان والمدنيين. النسيج المعقد،  المهام المتنافسة، والدوافع الغامضة، تعيد إلى الأذهان اعترافًا دامغًا حول الصراع أدلى به الجنرال دوغلاس لوت ، الذي أشرف على العمليات الحربية في عهد الرئيسين جورج دبليو بوش وباراك أوباما. وقال عن تورط الولايات المتحدة: "كنا محرومين من فهم أساسي لأفغانستان، لم نكن نعرف ما الذي نفعله".

من ابرز الجوانب الفنية لفيلم(في يديها) هو قيام ظريفة غفاري، وحارسها الشخصي معصوم وقائد طالبان مسافر بسرد الاحداث بانفسهم بحيث انحسر دور التعليق باصوات اخرى، وهذا ما منح للفيلم الوثائقي المزيد من المصداقية، كما لم يتم الاعتماد على ممثلات او ممثلين يؤدون نيابة، ادوار الشخصيات الرئيسية.

في الجزء الاخير من الفيلم نشاهد لقطات تم تصويرها في ظروف قاسية وصادمة لدبابات تزحف باتجاه كابول ، وتجمع محمومًا لمئات الالاف من الافغانيين، كانت الدقائق الثلاثين الأخيرة متوترة بشكل لا يصدق ، حيث كان كل شيء قبل ذلك يتراكم حتى سقوط كابول بيد طالبان.

وسط هذه الاجواء المحمومة نشاهد ظريفة غفاري  وهي جالسة في مقدمة السيارة مع عائلتها، وتحمي رأسها من النافذة وهي تفر من أفغانستان وسط صعود طالبان إلى السلطة، إذ أصرت على ان يرافقها اهلها ، وتجسد هذه اللقطات جموع الأفغان اليائسين الذين يحتشدون في المطارات ، في محاولة للفرار، بينما تجتاز سيارة ظريفة واهلها الحواجز للوصول الى المطار بفضل الامتيازات التي تتمتع بها، وهذا ما يثير الكثير من الاسئلة، ذلك ان الفيلم  يسرد لنا كم هي صامدة ونراها تتجاهل تهديدات القتل من طالبان لسنوات، الأمر الذي يتعارض مع إخراجها من أفغانستان ليلة مغادرة الولايات المتحدة عندما تشعر بضياع الامان وشيوع الفوضى.

لقد مر أكثر من عام منذ أن سحبت الولايات المتحدة ما تبقى من قواتها من أفغانستان، تاركة طالبان للاستيلاء على المدن الرئيسية في البلاد، بما في ذلك عاصمتها كابول. كان الاستحواذ تحولاً مذهلاً للأحداث ، وإن لم يكن مفاجئًا. لمدة 20 عامًا ، نشرت القوى الغربية جنودًا ، وأغرقت مليارات الدولارات وقدمت وعودًا لا تطاق لمواطني هذه الدولة الواقعة في جنوب آسيا. قلة من الناس، بمن فيهم المسؤولون الذين يديرون الصراع ، يمكنهم التعبير عن الغرض من هذه الحرب غير المرئية ، لكن لا أحد يستطيع إنكار الخسائر المدمرة.

ظريفة غفاري، تريد بشدة أن يفهم العالم الأوسع عواقب الحرب، لا سيما على النساء الأفغانيات. والسؤال الأخير الذي يطرح نفسه في الجزء الأخير من الفيلم الوثائقي ، مع موعد الانسحاب العسكري الأمريكي هو ما الذي جرى وما الذي سيجري؟. التوترات عالية في أفغانستان حيث تشعر حركة طالبان ، بعد التفاوض مع الولايات المتحدة ، بمزيد من الجرأة. العنف في كابول ، حيث تعيش ظريفة غفاري لأسباب تتعلق بالسلامة تترك بلدها، تعكس المشاهد مع أفراد عائلتها، وخاصة أخواتها الصغيرات،  شعورًا بخيبة الأمل لدى الناس تجاه الوضع.

المشاهد الختامية التي راقبها العالم كله بذهول، عن هجوم الافغانيين على مطار كابل متشبثين بمحاولات الهروب والخلاص من طالبان جريا خلف طائرات النقل العسكرية، وهناك مشهد الافغاني الذي تمسك بعجلات احدى الطائرات ثم سقط من اعالي الجو. وأعادت هذه المشاهد، في مطار كابول، مشاهد انسحاب القوات الأميركية من فيتنام في مارس عام 1973 حيث سحبت جنودها ودبلوماسييها غير مكترثة بمصير بقية عملائها.

تحلق طائرة النقل العسكرية التي انحشر فيها عشرات المئات من المحظوظين، بضمنهم ظريفة غفاري وعائلتها، متجهة الى المانيا، التي ما تزال ظريفة مستقرة فيها كطالبة لجوء، دون ان تتخلى عن قضيتها

فيلم (في يديها) In Her Hands وثائقي متميز ، ويلقي الضوء على فترة صعبة من التاريخ في الشرق الأوسط ولا يأتي بأي إجابات سهلة، وقد اجاد صانعوه، خاصة الصحافية الافغانية تامانا أيازي، كتابته واخراجه وتصويره في ظل ظروف غاية في الصعوبة.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced