تتصاعد التوقعات بحدوث تغييرات على مستوى المحافظين باكثر من 5 محافظات في وقت قريب، فيما كانت خلافات سياسية "غير معلنة" قد حدثت قبل ايام عقب استبدال محافظ الديوانية. وبحسب قيادي رفيع في الاطار التنسيقي فان ماجرى في المحافظة لم يكن بعلم التحالف الشيعي، مرجحاً حدوث صفقة جانبية.

وينظر الاطار التنسيقي الذي يقود الحكومة، الى مواقع المحافظين على مستويين: مناصب تكميلية بعد حصص الوزارات، وقاعدة للتحشيد الشعبي. ويفترض بحسب اتفاق سابق بين بعض اطراف التحالف الشيعي ورئيس الحكومة محمد السوداني ان يتم استبدال المحافظين الذين تدور حولهم خلافات في نيسان المقبل كحد اقصى. لكن هذا الاتفاق يتعارض مع خطة السوداني في تدوير المناصب والتي كان قد كشف عن جزء منها في وقت سابق، ورغبة جهات اخرى داخل "الاطار".

ولا يمكن بكل الاحوال اسقاط مقتدى الصدر زعيم التيار من تلك الحسابات، حيث مازال الأخير يمتلك 3 محافظين وهم داخل دائرة الاستهداف بالتغيير.

كما يرجح ان ملف استبدال المحافظين قد يتشابك مع ملف تغيير بعض الوزراء المتوقع، حيث تجري عمليات تسوية مقابل الموقعين.

أول الحكاية

في أول عمل قام به السوداني حين استلم المنصب العام الماضي، هو القرار الشهير بايقاف كل اوامر حكومة مصطفى الكاظمي السابقة.

حينها قدر عدد الأوامر التي ألغيت بين 700 الى 800 امر (بحسب قيادي في الاطار)، وهي اغلبها اوامر تتعلق بتعيينات فيما يعرف بالدرجات الخاصة.

كان عمل السوداني الأخير هو باتفاق مع التحالف الشيعي الذي رشحه للمنصب (بحسب القيادي في الاطار نفسه)، على ان يملأ الحرس الجديد المواقع الشاغرة.

وتتضمن هذه المواقع مناصب من وكيل وزير الى مدير عام، مروراً برؤساء الهيئات المستقلة، السفراء، قادة الجيش، والمحافظين، ومدراء المديريات المختلفة.

وبحسب سنّة كان قد سنها نوري المالكي رئيس الوزراء الاسبق، فان اغلب هذه المواقع تدار بالوكالة، نظرا لخلافات المالكي السابقة مع البرلمان حين كان في المنصب فلم يستطع حينها ان يحصل على تصويت مجلس النواب على تلك المواقع بحسب مايفرضه الدستور.

وتوارث رؤساء الحكومة المتتالين هذه السنّة، باستثناء حالات نادرة مع بعض الشخصيات مثلما حدث مؤخرا بالتصويت على جزء من موظفي مكتب رئيس الوزراء ورئيس البرلمان.

ومع انطلاق صفارة بدء الحكومة الجديدة كانت القوى الشيعية تنتظر حصتها من تلك المواقع بعد ان حسمت توزيع الوزارات، والتي كانت فيها بعض الخصومة بسبب سوء التوزيع، بحسب ما قالته حينها اطراف في الاطار التنسيقي.

كانت اغلب المواقع التي سقطت بعد الوزارات، تحت الضوء هي منصب المحافظ. هؤلاء المحافظون كان أغلبهم يعانون من مشكلة مركبة تضاعفت بعد احتجاجات تشرين 2019.

بعض المحافظين كانوا في الاساس معينين من قبل الحكومة بالوكالة مثل محافظ كركوك راكان الجبوري تم تكليفه في عام 2017، واخرون فقدوا الشرعية مع ايقاف القضاء عمل مجالس المحافظات (تلبية لمطالب تشرين) الذي كان مسؤولا في السابق عن انتخابهم.

وجد الاطار التنسيقي الفرصة مواتية للمطالبة لاستبدال تلك المواقع، فاغلب المحافظين بلا شرعية دستورية، وبعضهم مستمر في منصبه منذ 10 سنوات مثل علي دواي محافظ ميسان التابع للتيار الصدري.

تمهل التحالف الشيعي على حصصه المعطلة بحسب رأيه، في المحافظات حتى انفجر نوري المالكي مطلع العام الحالي بسبب تراجع السوداني عن اقالة محافظي ذي قار والنجف المحسوبين على الصدر وهما ضمن المعينين في السنة الأخيرة من حكومة الكاظمي.

السوداني كان قبل ذلك بشهر قد رمى آمال الاطار التنسيقي بعيداً حين وضع سقفا زمنيا لما اسماه بـ"تقييم المحافظين" لستة اشهر مقبلة، مادفع المالكي الى ان يصرح في كانون الثاني الماضي بان "السوداني سوف يغير المحافظين خلال شهرين الى 3 اشهر"، ما يعني نصف المدة التي طلبها رئيس الحكومة للتقييم.

الحكاية الثانية

قبل 3 ايام غطت مواقع التواصل الاجتماعي منشورات يبدو مصدرها واحد تنتقد بشدة محافظ الديوانية الجديد ميثم الشهد.

ودارت المنشورات حول اتهامات الشهد بانه من "عائلة بعثية"، واخرى بانه "تشريني" نسبة الى احتجاجات تشرين- واخرى اكثر صراحة تقول بانه مرشح المالكي.

حدث هذا بعد اكثر من شهر من تصويت البرلمان على اعفاء زهير الشعلان محافظ الديوانية السابق بطلب من السوداني الذي كان قد سحب يد المحافظ على اثر اتهامات بالفساد.

وكانت اقالة الشعلان من البرلمان هي اول حالة لاستبعاد محافظ في مجلس النواب الحالي، كما ان حالات قليلة مماثلة كانت قد حدثت في الدورات الماضية مثل اقالة محافظ نينوى السابق اثيل النجيفي في 2015.

وحين قرر السوداني ابعاد الشعلان اعتبرت وقتها بانها ضربة الى دولة القانون الذي كان يدعم المحافظ السابق الذي انتزع المنصب من حلفاء المالكي في تحالف الفتح بزعامة هادي العامري. وعرفت الديوانية خلال الدورات الماضية بانها ضمن حصة حزب الفضيلة الذي تحول في اخر دورتين انتخابيتين الى اسم النهج الوطني، وهو الان قريب من "الفتح" لكن ليس لديه تمثيل في المحافظة حاليا. وكان كل نواب الديوانية في الدورة الحالية (ليس فيهم ممثل عن الفضيلة)، قد طالبوا منذ حكومة الكاظمي بابعاد الشعلان عن المنصب.

وكان بحسب مصادر مطلعة تحدثت وقتها لـ(المدى) بان مايجري هو "اتفاق على اعطاء المنصب الى الفتح" واصبح الامر اكثر واقعية بعد سيطرة التحالف الشيعي على الحكومة الجديدة.

لكن ماحدث بعد ذلك كان مفاجئا حين قرر السوداني اختيار ميثم الشهد، وهو مهندس شاب في الأربعينيات من عمره.

يقول عباس الزاملي وهو رئيس تحالف الفتح في البرلمان ونائب عن الديوانية في حديث لـ(المدى) :"لم يأخذ آراء نواب المحافظة في اختيار المحافظ الجديد ولا مرة واحدة".

وكان البرلمان بعد ايقاف عمل مجالس المحافظات بشكل نهائي بقرار من المحكمة الاتحادية في 2021 قد اخذ مهمة مراقبة المحافظين.

وفي قرار السوداني الاخير بتقييم عمل المحافظين، كان قد ارسل استمارات الى نواب كل محافظة لتقييم المحافظ هناك.

ويضيف الزاملي قائلا: "تم سؤالنا عن المحافظ السابق لكن لم نسأل عن البديل.. السوداني هو من اختاره".

وعن رأي الاطار التنسيقي بما جرى يؤكد رئيس "الفتح": "لم يطرح اسم الشهد ابدا داخل الاطار التنسيقي ولم يكن هناك اتفاق مسبق".

من الرابح؟

في هذه المعادلة يظهر نواب واعضاء دولة القانون سكوتا مريبا، يشي بأن هناك اتفاقا جانبيا بين السوداني والمالكي على اسناد المحافظة للاخير.

وبحسب تمثيل الديوانية في البرلمان فان دولة القانون تبدو متقاربة من حيث عدد النواب مع تحالف الفتح اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار انضمام نواب مستقلين الى الاخير.

ويقول عباس الزاملي القيادي في منظمة بدر بزعامة هادي العامري: "لا نعلم ما اذا كان هناك اتفاق اخر بين رئيس الوزراء وطرف سياسي اخر حول اختيار المحافظ الجديد".

وينفي الزاملي ان يكون المحافظ الجديد قريبا من المالكي، ويضيف: "ربما قريب من كتلة سند (التابعة لوزير العمل احمد الاسدي) او تيار الحكمة (بزعامة عمار الحكيم)".

وبحسب الحملة المضادة لميثم الشهد المحافظ الجديد، فان هناك اتهامات تقول بان الاخير قد انضم عقب احتجاجات تشرين الى حركة البشائر التي يقودها ياسر صخيل المالكي، صهر نوري المالكي. وكان الشهد بحسب تلك المنشورات على منصات التواصل الاجتماعي من الناشطين في تظاهرات 2019 قبل ان يحول ولاءه الى المالكي.

منصب المحافظ

في تقسيم الحصص، وهي معادلة الحكم التي تعمل بها الحكومات بعد 2003، يقع منصب المحافظ في المرتبة الثانية للتوزيع بعد الوزارات.

يقول سياسي قريب من الاطار التنسيقي: "بعض الاطراف السياسية لم تقتنع بما حصلت عليه من الوزارات وهي تنتظر الان الحصة التكميلية في المحافظات".

ويضيف السياسي الذي تحدث لـ(المدى) وطلب عدم نشر اسمه: "هذه المواقع (منصب المحافظ) تعتبر وسيلة لحشد التأييد الشعبي تمهيدا للانتخابات المحلية ثم التشريعية، لذا تشهد تنافسا محموما بين الأحزاب".

وفي مقابلة سابقة لـ(المدى) مع جاسم محمد جعفر الوزير الاسبق والقيادي في حزب الدعوة، المح الى ان حزبه هو اقل الاحزاب التي خسرت نقاطا (في اشارة الى نظام النقاط الذي تتوزع على اساسه المناصب مثل ان يكون النقطة الواحدة تمثل مقعدين في البرلمان).

وعلى هذا الاساس اعتبر جعفر ان "الدعوة" يمكن ان يحصل بين 4 الى 6 محافظات في حال تم استبدال المناصب التي تدار بالوكالة او التي امضى محافظوها 10 سنوات.

ويتوقع السياسي المطلع على نقاشات الاطار التنسيقي ان اكثر المحافظات التي قد يجري فيها استبدال هي " النجف، ذي قار، ميسان، وواسط"، والاربعة يديرها محافظون محسوبون على التيار الصدري.

اضافة الى "ديالي التي تشهد نزاعا مسلحا منذ اسابيع يعتقد بانه بسبب الصراع على المنصب".

الى جانب البصرة التي حاول بعض اطراف الاطار قبل كأس خليجي 25 الذي جرى مطلع العام الحالي ان يغير المحافظ اسعد العيداني الذي زار الصدر مع فريق كرة القدم عقب حصوله على كأس الخليج، وكان المسؤول الوحيد الذي التقى زعيم التيار عقب اعتكافه في الصيف الماضي.

ويزيد السياسي المطلع ان "السكوت او الهدوء الذي يقف خلف قضية استبدال المحافظين ربما يكون بسبب تسريبات عن تغييرات متوقعة قد تطال وزراء بعد 3 اشهر من الان بحسب المهلة الزمنية التي منحها السوداني لاعضاء حكومته التي حددت بـ6 اشهر ابتداءً من كانون الاول الماضي".