دعارة اليد الممدودة
نشر بواسطة: Adminstrator
الأحد 24-05-2009
 
   
عدوية الهلالي- الاسبوعية

جيل المتسولات الجديد
ملامح بعض المتسولات لم تعد تحتاج الى التشويه أو التذلل. مسحة جمال تكفي مقرونة بشيء من الصحة والشباب، بعدما سلكت شبكات المتسولات سبلاً جديدة لجمع المال، تبدأ بنظرة وتنتهي باستجداء الجيوب السخية بدلاً من الهبات المتواضعة.
«أحلام» التي أمضت سنوات طفولتها وصباها في شوارع حي اليرموك، لم تعد تستثير الشفقة. انها تملك وجها جميلاً وجسداً متناسقاً ومواهب أخرى في الحصول على الرزق. هي تقف اليوم في أحد مرائب النقل الخاص المكتظة بالباعة والمارة وهي ترتدي عباءة وملابس لاعلاقة لها بثياب المتسولين الرثة لتستوقف المارة – واغلبهم من الرجال – وتطلب ألف دينار – كأجرة سيارة – ولا تتنازل احلام عن «التسعيرة» التي تحددها رغم ما يثيره ذلك من استغراب لدى البعض ممن يجهلون ما ترمي اليه، في الوقت الذي يطول الحديث بينها وبين آخرين لدقائق وينتهي باختفائها لساعة او اكثر من دون ان يتنبه احد.
ويعتقد احد الباعة بأن سلوك منال ليس عفويا، فهي تنفذ تعليمات اطراف اخرى موجودة في المرآب ذاته، ويتم من خلالها غالبا الاتفاق مع الزبائن، لكنه يرفض الادلاء بأي معلومات اخرى عنهم خوفا من اغلاق باب رزقه المتواضع، ومن عواقب اخرى اكثر خطورة، سيما بعد ظهور فتاة اخرى تشغل مكان منال في فترة اختفائها ما يدل على وجود شبكة يخشى البائع الفقير الاصطدام بها! 
امام عمارات الاطباء والمطاعم الراقية في مناطق الحارثية والمنصور والكرادة التي تشتهر باستقطاب القادرين على دفع مبالغ جيدة، تقف فتيات في العشرينيات ونساء تجاوزن الثلاثين بقليل يستوقفن المارة من الرجال ويطلبن منهم مساعدة مالية لعلاج مريض لا وجود له. الفتيات يرتدين ملابس لا تدل على الفقر، ويتبادلن أحاديث وابتسامات مع الرجال فيحصلن على هبات لا تقل عن خمسة آلاف دينار لشراء الدواء لمريضهن الوهمي، اما المبالغ التي لا يتوقع احد قيمتها فتحصل عليها المتسولات بعد اختفاء احداهن. ووفق اتفاقات سرية وعلنية تشارك فيها اطراف اخرى تنتشر على مقربة منهن بهدف حمايتهن ومساعدتهن على تحصيل المال بطريقة منظمة.
وهناك وسائل اقل ترفا تسلكها بائعات البخور والمناديل الورقية من المنقبات او الصبايا المتشحات بالسواد، بانتشارهن بين المركبات في مناطق الجادرية والباب الشرقي وباب المعظم خصوصا، وبدلا من بيع بضائعهن الفقيرة لأصحاب المركبات هن ينجحن غالبا في اصطياد زبون او اكثر طوال النهار بعد اختبار طبيعة الزبون بخبرتهن المكتسبة وابلاغ المتعهدين المسؤولين عنهن خشية الذهاب الى مصير مجهول. ورغم تلك المحاذير تختفي بعض المتسولات الى غير رجعة او يتعرضن للعنف الشديد من الزبائن. وعلى النقيض من ذلك يعترف بعض سائقي المركبات بأن هذه الدعارة المقنعة قادت الزبائن الى مصير مجهول في ايام العنف الطائفي والقتل على الهوية عبر استدراجهم ثم بيعهم الى عصابات القتل المسلحة.
ويلاحظ تزايد اعداد المتسولين في الشوارع في السنوات الاخيرة وتناسلهم باستمرار بسبب تعاظم حالة الفقر بين شرائح واسعة وانعكاسات ملف التهجير الذي اجبر بعض العائلات على مزاولة هذه المهنة، كما يقول الباحث الاجتماعي خليل سلمان من قسم الاجتماع في جامعة بغداد، مشيرا الى دور الحروب والظروف الاقتصادية الصعبة في تراجع المستويات المعيشية والتفكك الاسري فضلا عن انتقال عدد كبير من عائلات الغجر التي كانت تسكن مناطق ابي غريب والكمالية واستقرارها في الدوائر الحكومية المهجورة والعمارات السكنية التي تعرضت للقصف والتدمير وممارسة افرادها للتسول بجميع انواعه.
ويؤكد سلمان على ممارسة بعض النساء فاقدات المعيل مهنة التسول لتحصيل الربح السريع والسهل مشددا على ضرورة اعادة النظر في نظام الدعم الاجتماعي والتركيز على الشرائح الاكثر فقرا من غيرها.
من جانبها، تنتقد الناشطة النسوية بشرى جاسم/ من منظمة المرأة العراقية الحرة هذه الظاهرة كونها لا تليق بالمرأة العراقية الجديدة التي تحاول وضع قدمها على اول الطريق نحو مشاركة الرجل الفعلية في بناء عراق متطور، وتطالب الجهات الحكومية باتخاذ اجراءات فاعلة لدعم المرأة معيشيا، مشيرة الى ضرورة تبني منظمات المجتمع المدني مشروع محاربة تسول النساء من خلال التوعية وايجاد منافذ لتشغيل فاقدات المعيل ومساعدتهن على تحصيل رزقهن بوسائل شريفة، إضافة الى اعادة تطبيق التعليم الالزامي بالنسبة الى الفتيات ومعاقبة الجهات المسؤولة عن تفشي هذه الظاهرة، سيما وان التسول- في نظر الناشطة جاسم – مهنة من لامهنة له، وهو يعكس في اي زمان ومكان مدى تقدم المجتمع او انهياره، وبالتالي فإن تزايد اعداد المتسولين والمتسولات في الشوارع العراقية لا يتناسب مطلقا مع عملية البناء والتطور التي يطمح اليها العراقيون. 

شبكات واسعة 
بالقرب من احدى سيطرات الجيش العراقي، في بداية الخط السريع مقابل منطقة بغداد الجديدة، اعتادت عائلة كاملة على التسول. احد الجنود في المنطقة يقول ان هذه العائلة المكونة من الاب وابنته التي تجلب معها اربعة اطفال، اعتادت على الحضور وبشكل يومي بالقرب من السيطرة مستغلة حالة الزحام الشديد للمركبات بسبب تفتيشها بشكل دقيق. وتبدأ العائلة استجداء اصحاب المركبات بينما يبقى الاطفال الذين تبعث هيئتهم الرثة على الاسى في عربة صغيرة يجرها حصان، وهو ما يساعد احيانا على زيادة عطايا السائقين.
ولا يستطيع الجنود طرد العائلة من السيطرة وهم يتوقعون ان تقوم جهات اخرى بذلك لأن مهمتهم تقتصر على تفتيش المركبات وتنظيم دخولها الى العاصمة، مشيرين الى حصول العائلة على مبالغ جيدة في الايام المزدحمة علما أن أفرادها يثيرون الشفقة فعلا كونهم مهجرين من محافظة ديالى –كما يقول الجنود –وحالتهم المعيشية صعبة. وتمارس هذه العائلة التسول بشكل تلقائي طالما لا تنتمي الى شبكات التسول التي تحولت الى شركات مقاولات خاصة يقوم فيها المقاولون بنقل المتسولين يوميا الى اماكن محددة ليمارسوا مهنتهم، بينما يتولى المتعهد حماية المتسولين وتوفير فرص العمل لهم وضمان عدم تدخل الجهات الامنية في عملهم، كما يوفر لهم المأوى والطعام في حين يأخذ منهم كل ما يحصلون عليه من مبالغ او نصفها احيانا.
ولا تجد (ح) بداً من الاعتراف بخوفها على طفلتها من المصير الذي اوصلها اليه التسول، فهي تحملها معها حاليا لتتسول بها بعد أن يسقيها المتعهد شرابا منوما ليضمن هدوءها وما ان تكبر قليلا حتى تلتحق بضحايا التسول اللواتي يمنحن الكثير للزبائن مقابل تحصيل المال الذي ينتفع به سماسرة التسول وتجارة الاجساد، الذين انتقلوا مؤخرا من دائرة الاستهلاك المحلي لأجساد الفتيات الى بيعهن الى شبكات خارج العراق لتحقيق مكاسب اكبر.

«أحلام» و«منال» بين حملة وحملة
وزارة العمل والشؤون الاجتماعية اعلنت في مطلع العام عن تنفيذ حملة وطنية كبرى لمكافحة ظاهرة التسول والتشرد في البلاد بالتعاون مع وزارة الداخلية، قال عنها مسؤول العلاقات والاعلام في وزارة الداخلية العميد علاء الطائي انها من صلب مهام وزارة العمل لا الشؤون الاجتماعية، مشيرا الى اصدار وزارة الداخلية تعليمات جديدة تقضي بالقبض على اي متسول او مختل عقليا.
الطائي في حديث الى «الاسبوعية» قال ان احتجاز المتسول يليه اعلام وزارة العمل بذلك ثم عرضه على القاضي الذي يملك صلاحية ترحيل المتسولين الى جهتين، اولاهما مستشفى الامراض العقلية إذا تبينت اصابته بخلل عقلي بعد فحصه، والجهة الثانية هي دور وزارة العمل التي تعنى بهذه الشريحة وتعمل على معالجة الامر بطريقة تقع ضمن حدود صلاحياتها ومهامها، مشيرا الى اوامر سبق ان اصدرتها وزارة الداخلية لقواتها المنتشرة في عموم العراق تؤكد على متابعة الامر والتعامل معه بجدية إذ لا سبيل الى التهاون في ذلك مستقبلا كما يرى الطائي بعد تحسن الظرف الامني.
المستشار الاعلامي لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية عبد الله اللامي ذكر ان الحملة تهدف الى الحد من هذه الظاهرة التي تزايد انتشارها في السنوات الاخيرة، واتخذها البعض كمهنة للكسب السريع بوسائل مبتكرة من الاحتيال والاستغلال، خصوصاً للأطفال والنساء بما يرافقها من امتهان للكرامة الانسانية واساءة للقيم الاجتماعية. وتفضي الحملة –كما يقول اللامي – الى ايداع المتسولين من كبار السن في دار رعاية المسنين وتوفير الرعاية الايوائية والاجتماعية والتربوية للأيتام في دور الدولة التابعة لدائرة اصلاح الاحداث. اما بشأن المتسولين الذين ترصدهم الحملة ممن لا يفتقدون الرعاية الاسرية فسوف يتم اخذ التعهدات الخاصة منهم او من ذويهم بعدم العودة الى ممارسة التسول بالاضافة إلى ترويج طلبات الفئات المشمولة بضوابط اعانات شبكة الحماية الاجتماعية.
واذا كانت تصريحات وزارة العمل تؤكد نجاح حملة مماثلة سابقة جرى تنفيذها في محافظة كربلاء، فلا يعني ذلك نجاح هذه الحملة بوقت قياسي في العاصمة بغداد لاتساعها وتباين مستويات الجدية في تنفيذ هذه الحملة في جميع مناطقها.
وفي انتظار أن تخلو الشوارع العراقية من المتسولين والمتسولات من اللاتي يعتمدن على ملامحهن المشوهة او جمالهن وشبابهن في تحصيل المال، ما زالت «احلام» و«منال» واخريات غيرهن يواظبن على الوقوف في اماكنهن المخصصة لعرض بضاعتهن الرخيصة تحت قناع «التسول».

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced